تتواصل حلقات نادي القصة السوداني التوثيقية لحياة المبدعين السودانيين، مع د. حيدر ابراهيم، فنواصل ما انقطع من حديث ذكريات د. حيدر فهو شهد انبثاق الحركة العمالية في السودان والحركات التحررية، وقد كان شاهداً على كثير من الاحداث التي شكلت واقع السودان الحالي فواصل حديثه قائلاً: كان اهتمامي بالقراءة كثيراً، وكنت اصدر جريدة حائطية منذ ان كنت في مدرسة القضارف الوسطى، ومعي زميل أصبح فيما بعد صحافي كبيرا هو عبد الواحد لبيني والدرديري حسن الملقب بجحا، وكنت اتناقش كثيرا جدا مع الاستاذ محمد علي يوسف في فترة المرحلة الثانوية، وفي هذا الاثناء اكتشفت ان لي ابا جديدا هو سلامة موسى، وكان دائماً يقول اذا اردت ان تكون مثقفاً يجب ألا تكون اجتماعياً وان الجريدة اليومية لا بد ان تكون لك بمثابة قهوة الصباح، فاصبحت معجبا جداً به، وبالصدفة وجدت كتابه «نظرية التطور» فأعجبت به جدا وبافكاره، وقد كنت اناقش فيه الاستاذ محمد علي يوسف كثيرا، ففوجئ بهذا الكلام.. ومع ذلك كان اهتمامي كبيراً بالجانب الفني، وكنت اذهب الى مدرسة الخرطوم الثانوية لاحضر حصة الفنون مع الاستاذ عوض كرار. وفي عام 2691م جلست لامتحان الشهادة، وقبل الامتحان كنت قد اتخذت قرارا بمغادرة هذه البلد، وكنت افكر في الاتحاد السوفيتي، وبعد ظهور النتيجة قررت التقديم للبعثات، ولكن احد اصدقائي حول اتجاهي للتقديم في معهد المعلمين العالي، وفي ذات الوقت قدمت في البعثات، دخلت معاينة معهد المعلمين وتم قبولي به، وتجربة المعهد كانت بالنسبة لي خصبة جداً، فعشقت التدريس، واول سنة تدريب كانت في مدرسة ام درمان الاهلية، وكان معنا حسن حامد البدوي، وهذا جيل من المعلمين كان فريدا جدا وتدربنا في هذه المدرسة، وتمنيت ان أكون معلما مثل هؤلاء المعلمين الرافضين، ضد المؤسسة والمجتمع، ومعهد المعلمين العالي هو المؤسسة التي خرجت الاخوان المسلمين هؤلاء الحكام، ووقتها معهد المعلمين كان يتبع لليونسكو مباشرة، وكان نائب العميد محمد التوم التيجاني، والاخوان المسلمين ركزوا على معهد المعلمين تركيزا كبيرا، فاتوا بمحمود برات ومندور المهدي وقتها كان في بخت الرضا، وكانت سعاد الفاتح تأتي كل خميس وتقدم محاضرة هناك، وقد كانت خطتهم تقوم على ان يبدأوا بالمعلمين، لانك اذا اردت التغيير حقيقة لا بد ان تبدأ بالمعلمين، الى ان جاءت حادثة شوقي المعروفة، والموقف فيها كان مقصودا ومدبرا، وما قاله لم يكن بتلك الصورة.. وكنا حضورا في تلك الامسية فقد كنا نأتي لتلك الندوة لنقاطع سعاد الفاتح ونفشل المحاضرة، وكان معنا وقتها تاج السر محجوب الذي اصبح الآن مسؤول الاستراتيجية. وكان يأتي معنا لتخريب الامسية.. واجتمع عبد الله يعقوب وفاروق عثمان عتباني وحكمات حسن سيد أحمد في مكان قريب من بيت الازهري، وقالوا ندخل الجوامع وذهبوا للازهري، وبعد ذلك حصل ما حصل وحل الحزب الشيوعي، وكان الأزهري أكثر تحمسا من غيره في هذه القضية، وبدأ البعض في التراجع ولكن الأزهري رفض ان يتراجع لأن الشيوعيين كانوا على عداء شخصي مع الازهري، عبد الله عبيد في عموده «طرف الشارع» كان يتحدث عن تورتة ازهري. وبعد ذلك جاءت ثورة اكتوبر وعمت المظاهرات شارع القصر، أيام اكتوبر كان قمة تفكير الناس ان التغيير آت لا ريبة فيه. ومرت اكتوبر وبدأ حزب الامة يشعر بالخطر، وبدأ يأتي بالناس من الجزيرة ابا والغرب الى منطقة سباق الخيل وما جاورها، حصل توتر شديد... في تلك الفترة كانت البلد مشغولة بقضية الدستور الإسلامي، وهذه واحدة من القضايا السودانية التي صرفت الناس عن مواجهة قضايا البناء والتنمية. والبلد وقتها كانت محتاجة تكمل مشاريعها الاقتصادية وتنميتها، بصرف النظر عمن الذي يحقق هذه المسألة، وقد بدأ ذلك منذ عام 5591م في نادي الخريجين عندما فاز عثمان جاد الله من قيادات الأخوان المسلمين، وقلب النادي لواحدة من خلايا الاخوان المسلمين، واول حاجة عملها الجبهة داعية للدستور الاسلامي، وعقدوا اجتماعاً لكل الاحزاب، وبدأت المعركة منذ ذلك الوقت، وواحدة من شهادتي على العصر اقول ان محمد احمد محجوب مع احترامي له كاديب، لكنه في تلك الفترة ما كان مناسباً، فهو ليس مناسبا لفترة صراعات، ومحمد أحمد محجوب للتاريخ ايضا كان معجباً بنفسه، وكان يتعامل مع الاحداث من هذا المنطلق، ولذلك لم يكن يهمه ما يحدث، وزاد على ذلك منافسته للصادق المهدي التي ادت للانقسام، وحتى الآن اذا قلت للصادق المهدي المحجوب مثقف، يقول لك ما مثقف، اذا كان مثقفا لما وقف مع الإمام الهادي باعتبار انهم مؤسسة متقدمة عليه.. بعد ذلك جاء الصادق المهدي رئيسا للوزراء واكمل ما تبقى، فتلك الفترة كانت حاسمة جداً في تاريخ السودان، عام 8691م تحديداً، ومن 66-17 كنت معلماً بمدرسة بحري الثانوية، درست فيها بروفيسور محمد المهدي بشرى، الفاتح عروة، سليمان محمد سليمان وقد كان مشاغبا جداً. وفترة مايو كانت مهمة جداً، فالبلد كانت تحتمل شكلا من اشكال التغيير آتٍ، لأن الشيوعيين ما كان من الممكن أن يسكتوا على الوضع، ومسألة الدستور الاسلامي كانت متسارعة، فجاء انقلاب 52 مايو، ووقتها كنت في ادنبرا، وكان بها خالي د. علي أحمد بابكر، وفي اليوم الثاني لوصولي ادنبرا أخبرني خالي بأن الشيوعيين قاموا بانقلاب في السودان، وأذكر كان معنا وقتها أحمد عبد الحليم، فقال لنا يا جماعة العساكر ديل ما تثقوا فيهم، وهو فيما بعد اصبح أمين الفكر والدعوة.