** يقال ان اللفظ الذي به يخاطب المرء الناس في الحياة يعد بمثابة الثوب الذي يرتديه فكره .. أي ، ألفاظك هي ثياب أفكارك .. لقد صدق القائل ، حيث الفكر الطيب لايخرج منه إلا القول الطيب ، وكذلك الفكر الخبيث لايخرج منه إلا القول الخبيث .. ولم يخطئ سقراط حين صاح في تلميذه الصامت : تكلم حتى أراك .. نعم ، أنت لا ترى عقل المرء ولاتعرف قيمة فكره إلا حين يخاطبك بلسانه ، فمن مخاطبته تعرف إن كان لعقله وعي يستحق التقدير ولفكره قيمة تستحق الاحترام .. ولأهل السودان حكمة في هذا الشأن ، حيث لايأبهون لأقوال السكارى وأفعالهم ، بل يتجاهلونهم بلسان حال قائل : السكران في ذمة الواعي ..وتلك مسبة عظمى ، ولكن لايعلمها إلا ..« أهل الوعي » ..!! ** أها ..ربما أوحت لك تلك المقدمة ، صديقي القارئ ، بما سيأتي في حديث اليوم .. علما بأن حديث اليوم قد لايعنيك ما لم تكن مرشحا ، فالحديث عبارة عن درس عصر لبعض المرشحين ، وهو بعنوان : تعلم كيف تخاطب ناخبك ياعزيزي المرشح .. نعم ، بداية الحملة الانتخابية لاتبشر الناخب بأنه سيستمع فقط إلي الخطب الواعية حتى النهاية ، بل هذا الناخب المغلوب على أمره موعود بحزم المهاترات والإسفاف وساقط القول من قبل بعض المرشحين .. أو هكذا ملامح بداية الحملة ، ملامح غير نقية ، وبها خطابات لم تخلُ من « فاولات » .. ونخشى أن تمتلئ سوح المرحلة بهذا النوع من الزبد الذي قد يخفي على الناخب ما ينفعه يوم الاقتراع ، كما كان الحال الفوضوي في انتخابات أبريل وخطبها وصحفها التي ساهمت في وأد ..« وعي شعب » ..!! ** نهج التهاتر ليس بدليل وعي ، بل يعكس لك بما لايدع مجالا للشك بأن المرشح الذي ينتهج ذاك النهج غير مسؤول ولايستحق ثقتك .. وأذكر فيما أذكر بأن مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية ، المشير البشير ، حين دشن حملته الانتخابية ، باستاد الهلال ، وعد قواعده بأنهم سيقدمون خطابا سياسيا واعيا وبرنامجا انتخابيا ناضجا ، ثم قال نصا : لن نهاتر.. لقد أحسن المشير قولا بهذا الوعد ، ولم يخلفه بعد ، أي لايزال ملتزما به ، حيث خاطب قواعده في أكثر من مكان بعد إستاد الهلال ، ولم يهاتر.. !! ** ولكن الإمام الصادق المهدي ، مرشح حزب الأمة القومي لرئاسة الجمهورية ، دشن حملته الانتخابية في مؤتمره الصحفي الأخير ببرنامج طموح .. للأسف لم يقف عند حد البرنامج الانتخابي ، بل تجاوز ذاك الحد بال « مهاترة » .. بوعي كامل الدسم ، كل الصحف - المعارضة والموالية والمستقلة - لم تنقل « نص المهاترة » .. فالمفردات التي وصف بها مرشح الأمة « من هم بالحكومة ومن هم بخارجها » ، لم تكن إلا نوع من أنواع المهاترة غير الصالحة للنشر ، ولذلك تجاوزتها الصحف ب ..« وعي » ..!! ** وكذلك الدكتور نافع علي نافع ، مرشح المؤتمر الوطني بإحدى دوائر شندي .. فأحزاب المعارضة عنده لاتزال إما أحزاب سفارات أو أحزابا مائعة ، أو هكذا وصفها الاسبوع الفائت .. وما ذاك الوصف إلا نموذج من نماذج المهاترة ، والنماذج في خطب نافع لاتعد ولاتحصى .. وبالمناسبة ، خطب نافع إحدى ثغرات المؤتمر الوطني في مرحلة التعبئة ، والخدمة التي تقدمها خطب نافع لقوى المعارضة لا يقدمها حتى « المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية والحزب الشيوعي » .. ينفّر ولا يستقطب ، أو هكذا نتائج هذا النوع من الخطاب الذي يتفرد به الدكتور نافع .. وقد ينافسه لاحقا في هذا التفرد حاج ماجد سوار ، مسؤول التعبئة بذات الحزب ، حيث يسير على ذات الدرب، بمظان أنه يعبئ القواعد ويستقطبها .. ولا أدري من الذي أخبره بأن القواعد تعبأ بالشتائم ، وأن المهاترة تصلح وسيلة للاستقطاب ..؟.. فالكلمة الطيبة جواز سفر يا سادة يا كرام .. و المهاترة واللغة الجارحة - والمسيئة - عواقبها غير محمودة في وطن نسيجه الاجتماعي والسياسي والأمني ... « هش جدا » ..!! ** ثم ..دول وشعوب تحسدنا على ما نحن فيها من نعمة .. نعمة « حرية التعبير السياسي » ..إنها كلبن الطير في تلك الدول التي شعوبها مضطهدة وأحزابها منفية ..فلنتقن استخدام تلك النعمة ونحسن استغلالها في ندواتنا ومؤتمراتنا المرتقبة ، حتى نقدم للعالم وعيا سودانيا ناضجا لا يخالطه « الإسفاف والمهاترة » .. أي ، على كل مرشح أن يعلم بأن أنظار وعقول شعوب العالم تحدق فيه حين يعتلي منبر الخطابة ، لتبحث في خطابه إجابة السؤال : كيف تمارس النخب السودانية الديمقراطية وحرية التعبير ..؟.. فلتقدم نخبنا السياسية من خلال خطبها إجابات تليق ب «وعي هذا الشعب» ...!!