إنه حديث مع صديقى ابن الإقليم الدارفورى الذى جمعتنى به صداقة طويلة فى بلاد الغربة و من الذين أفاقوا من تخدير المركز الذى ظل يمارسه تجاه ابناء الاقليم الغربى فى وقت مبكر ، استمرت جلساتنا الحوارية والنقاشية المنقبة فى حيثيات الازمة الدارفورية سنينا عددا ، جمع بيننا لقاء يوم امس و تناولنا فيه شتى تعقيدات المسألة التفاوضية و ما ارتبط بها من اخفاقات وعرجنا الى المسببات التى ادت الى ضعف وحدة التنظيمات المسلحة و ذكرنا ان من اسبابها الانشقاقات التى حدثت فى اوساط هذه الحركات الثورية ، تساءلنا فى الاسباب التى ادت الى بعض الذين قاموا بشق الصف فعرجنا الى المجموعة التى انشقت عن العدل والمساواة السودانية فى العام 2006 بعد اتفاقية ابوجا ، فمن وجهة نظرى رايت ان ما ساقوه من مبررات كان مقنعاً لخروجهم من الحركة ، حيث كانت انعدام المؤسسية و ازدواجية مصدر القرار من اهم ما جعلهم يفضلون البقاء خارج اطار التنظيم الذى لا يستمع لرايهم و لا يقدر جهدهم ، لقد كانت وجهة نظر صديقى فى هذا الخصوص غاية فى التطرف و الاقصائية عندما وصف هؤلاء المنشقون بانهم مجرد شماسة لا يحق لهم ان يطلعوا على كل شاردة وواردة اثناء وجودهم فى مواقعهم التنظيمية قبل الانشقاق وخاصة موضوع المال واوجه صرفه لانهم ليسوا ممن مولوا الحركة وليسوا من الداعمين للعمل الثورى مادياً ، اقول لصديقى ان العمل الثورى لا يقوم بالمال والسلاح فقط ، واذا كان كذلك لماذا لا يدخل رجال الاعمال فى استثمار اموالهم فى مشاريع الثورات التى تتفجر فى كثير من بلدان العالم ، ان الثورة ظاهرة وشعور عام ينتاب كل الناس المكتويين بنار الظلم الذى ادى الى اندلاعها ، ولا يوجد فضل لاحد على اخر فالكل يشارك بما عنده من امكانيات مالية ، فكرية و بدنية . اردت بهذا الموضوع التطرق لامر غاية فى الاهمية ما زال يؤثر سلباً فى اتجاه وحدة الصف الدارفورى الا وهو وجود شريحة من ناشطى الثورة الدارفورية ترى نفسها انها لها الفضل فى انجاح الثورة وذلك بضخها للمال فى هذا المشروع اكثر من الاخرين وبالتالى يجب ان تقرر هى فى مصير الاخرين كما تعتبر نفسها صاحبة الامتياز فى هذا المشروع وكل الاخرين (شماسة) حسب راى صديقى العزيز . ان وجود مثل هذا الاتجاه فى الفهم يعتبر من اكبر المعوقات للعمل الثورى فى دارفور ، لقد دفع المواطن الدارفورى ثمن باهظ بتحمله لتبعات هذا العمل وذلك يتمثل فى فقدانه لروحه وممتلكاته و ارضه وعرضه ، وهذا المواطن يمثله كل القائمين على امر مشروع العدل و التحرر فى الاقليم الداعم منهم بماله والافندى الذى يقارع الناس بالحجة و يبسط فكر الثورة ليجتاح كل مساحات الوطن الكبير وليس فقط مساحة اقليم دارفور ، فاذا لم تتوفر الشفافية والمحاسبة والتدقيق فى اوجه صرف المال داخل مؤسسات هذه التنظيمات اذاً كيف يمكن لهذه التنظيمات تقويم دولة بحالها مستقبلاً و تحقيق مبدأ المحاسبة والشفافية فيها ؟ انها نفس العلل والامراض التى اصابت هذا النظام المركزى القابض المتحكم الذى يراد اصلاحه ، كيف يمكن لنا ان ننشئ مؤسسات قوية ومتماسكة اذا كنا لا نلتزم بنظام ودستور يخضعنا جميعاً الى ميزان عادل نتساوى امامه جميعاً ، لقد تبنينا مشروعاً كبيراً وواجب علينا ان نكون بحجمه والا سوف لن تغفل عنا عين المراقب خاصة واننا امام شعب يعى كل ما يدور من حوله ولا يفقد البوصلة الموجهة لمصالحه ، فاذا اردنا ان نقوم مشروعنا الكبير هذا يجب علينا ان لا نستهتر باى فرد من افراد هذا الشعب المتفانى ، كما علينا الخروج من نفق الصراعات الضيقة و المكرسة للتشرزم ، لا يوجد احد من المنشقين او المنشق عنهم احرص من الاخر على اهداف الثورة ، كل ما حدث هو اختلاف فى اتجاهات النظر و لا يمكننا الزام احد باتباع احد لان صاحب الفكر الحر لا يرهن افكاره و اجتهاداته لمن يدعى امتلاكه للثورة بما ضخه من مال فى برنامجها . عند تتبع مسيرة الثورة الدارفورية فى خلال السبع سنين الماضية يستغرب المرأ اشد استغراب الى ما يحدث من تعنت فى الراى و تعصب وتمسك كثير من قادة الحركات المسلحة بعدم زيادة مساحة عقولهم الاستيعابية للتنوع الذى يتميز به المجتمع الدارفورى ، لماذا يصرون دائماً على التمترس خلف القبيلة والعنصر ؟ فالقضية شاملة لماذا يتم محاصرتها فى هذه الاطر الضيقة ؟ حتى تحقيق العدالة و القصاص من الظالم اقتصر استحقاقه على ثلاث قبائل فقط (الفور والزغاوة والمساليت) ، اين قبائل التنجروالميدوب والبرتى والتاما والارنقا والقمر ؟ اليسوا ممن قتلوا ودمروا وحرقت قراهم واغتصبت نساؤهم ؟ يجب وضع الضماد على الجرح بعد فتحه و تنظيفه وتطهيره ، لكن اذا ظل هذا الورم مطبطب عليه و مستهتر بازدياده سوف لن تكون النتيجة كما يصبوا اليها الناس ، هذه المتناقضات التى لا يعيرها الناشطون الدارفوريون اهمية تعتبر ذات اهمية كبرى فى التوازنات السياسية فى المجتمع الدارفورى ، معالجتها ضرورة قصوى ، فهى يمكن ان تكون بؤر للتوتر فى اى وقت ، وهذه البؤر يحركها الخطاب الاعلامى من الطرفين الحكومى والمعارض ، فما يجرى من احداث متسارعة ومتسابقة لا ينتظر احد و الزمن اذا تجاوز من هو بطئ فى فكره وتفكيره فما عليه الا ان يلقى باللوم على نفسه ، فادوات الصراع كثيرة وعلى الناس ان لا يعتمدوا فقط على اداة واحدة فى ادارة الازمة . الثورة الدارفورية ملك عام لاهل دارفور بمختلف اتجاهاتهم ، لا يجوز احتكارها لفئة ولا لجماعة دون اخرى ، لا يمتلك احد حق الاساءة الى الاخرين مهما اختلفوا معه فى الراى ، بل ديدن الناس يجب ان يكون النهج الديمقراطى و تقبل الرأى الآخر بكل رحابة صدر وسعة افق ، فعملية اطلاق الحديث على عواهنه و سب الناس ليس له مبرر سوى الافلاس فى الردود المنطقية وفشل فى التعبير عن هموم القضية بالأسلوب الذى تستحقه شرعيتها. * الإمارات - دبى [email protected]