العيد في جوانحنا هذه السنة يقف عند حدوده الإيمانية.. فرحة الصائم الذي أنجز فرضاً وأقام ركناً من أركان الإسلام الخمسة.. فرحة المؤمن الذي اكتحلت عيناه بضياء الصوم، وهامت روحه في فضاءات الإيمان الحق.. ظمأ ثم حمد.. وجوع يغالبه الوجد وعيون دامعة تنشد المغفرة وتهفو للرحمة والعفو. ذاك هو العيد الحقيقي ولا شئ سواه.. أما الفرح الدنيوي فقلوب معظم أبناء الشعب موصدة أبوابها في وجهه .. أين الفرح والجيوب الخاوية تقتل آمال الأطفال الغضة؟ أين الفرح ومعظم أبناء الوطن في جوع سرمدي وصوم ميقاته من الحول الى الحول؟ بطون خاوية تكتفي بمغازلة الأرفف المكتظة بما لذّ وطاب، دون أن تملك جرأة الاقتراب. أين الفرح وعائل الأسرة معطوب في رزقه وفي صحته وعافيته؟ أين هو العيد والهموم تتراكم والمال يتقاصر عن جرعة دواء ومصاريف دراسة وقطعة خبز؟ أين الفرح والناس بعد أن كانوا يصحون على طرق«سيد اللبن» على ابوابهم، صاروا يصحون على طرق «سيد الموية».. يعطيهم فواتير وينتزع من جيوبهم الخاوية مالاً ومن أفواههم جرعة ماء؟ أين الفرح والقلوب واجفة تحاصرها فرق الضرائب وأهل الجباية، والعتمة ماحقة بعد أن أطفأ الناس حتى وميض ارواحهم كي يرشدوا فاتورة الكهرباء؟ أين الفرح وأهل السوق في كساد يتخطفون الزبائن ويكادوا يمسكون بخناقهم كي يشتروا.. كسروا كل أعراف التجارة وقوانين العرض والطلب.. و«كسروا» بضاعتهم اتقاء جوع أطفالهم خوفاً من جدران سجن قد يطول فيه انتظار فرج السداد. أين الفرح والملاريا والإسهالات المائية تفتك بجموع النازحين في أحزمة الفقر والنزوح التى تطوق المدينة.. أدركت رحمة المولى سبحانه وتعالى «رواكيبهم» المتهالكة من فيوض الخريف والسيول، ولكن تقاصرت رحمة المسؤولين عن إدراك جوعهم ومرضهم وعذاباتهم. أين العيد وأرباب المعاشات في صفوف المعاش الضامر الهزيل يتوكأون على عصيهم بسيقان واهنة مرتعشة.. وبعبرات تكاد تسد حلوقهم، وبحزن وقنوط لو زفرته صدورهم العليلة لضج الكون كله بالبكاء ! اي زمان هذا الذي نعيشه؟ اي جحود وعقوق يمارسه بعض المسؤولين تجاه هؤلاء الآباء والامهات؟ ماذا يقول المسؤولون الذين يرفلون في بهاء السلطة وحريرها الوثير، ويتمتعون بالمخصصات الباهظة من سكن وأسطول عربات وتلفونات مجانية ونثريات دولارية وعلاج بالخارج.. ماذا يقولون لرب العباد حين يسألهم عن دعوات المظلومين المهانين من أرباب المعاشات؟ أين الفرح وأين العيد.. وعمال «اليومية» ينفقون ساعات النهار كلها وهم جلوس على قهوة العمال بانتظار فرج قد يجيء او لا يجيء.. ويبيعون قوة عملهم بأدنى الأسعار حتى يعودوا آخر النهار بكيس متواضع فيه بضعة أرغف وحبات من البصل بعد أن تعذر عليهم حتى الطماطم والليمون..؟! أين الفرح والبلاد والعباد في محنة يليها عقد منظوم من المحن.. فلا نيفاشا أثمرت.. ولا دارفور لملمت جراحها.. وبذرة السلام والوحدة عطشى تهفو إلى سقيا العدل والإنصاف؟ أين الفرح وحلم الرفاه البترولي قد تناثر إلى أشلاء يتعارك عليها الجميع في طاولات اقتسام الثروة والسلطة..؟! أين أنت أيها الفرح.. أين أنت ايها العيد؟؟