٭ شغلت شخصية سلاطين باشا حيزاً واضحاً وكبيراً في تاريخ السودان الحديث، وبالتحديد إبان فترة المهدية، وذلك لعدة اعتبارات ربما تتمثل أهميتها في الآتي: 1/ استسلامه دون قيد أو شرط للقائد المهدوي «عم الإمام المهدي، محمد زقل» ببارا في ديسمبر 3881م. 2/ انضمامه بعد استسلامه وإعلان تأييده الشكلي «للدعوة/ الثورة المهدية». 3/ قربه الشديد من الخليفة عبد الله الذي وضعه تحت رقابته الشخصية اللصيقة عبر ضمه لملازميه، وذلك لتشككه في نواياه، وتعد هذه الفترة من أقسى المراحل على سلاطين إذ عانى خلالها ما عانى- كما أورد بسفره، السيف والنار في السودان- الى أن تمكن في آخر الأمر من تدبير وتنفيذ هربه بعد تلقيه لمساعدات جد كبيرة قدمتها جهات شتى بالقاهرة وأروبا. 4/ عودة سلاطين للبلاد مرة أخرى كأحد أهم مستشاري قيادة الجيش الغازي بقيادة سردار الجيش كتشنر في عام 8981م.. الخ. بعض الأقوال ٭ رويت عن سلاطين باشا جملة أحاديث وأقاويل نورد منها- على سبيل المثال- بعض ما جاء بكتاب رفيقه في الأسر لسنواتٍ طوال امتدت لعقد من الزمان «ألاّ وهو الأب/ جوزيف اورڤالدر» الذي أورد عنه ما يمكن اختزاله على النحو الآتي: ٭ كان الحاكم العام «لدارفور» سلاطين باشا يحارب بصورة مستمرة ضد أهالي دارفور من رزيقات، وهبانية وغيرهم، فميدان قتال سلاطين نجده في مرة بشمال دارفور، وفي مرة أخرى بجنوبها، وقد كان يقاتل في شجاعة وبسرعة غير عادية ضد الثورات المتعددة التي اندلعت بجميع أنحاء المديرية «دارفور» وبذا يمكن القول عن سلاطين «على حسب رؤية اورڤالدر» أنه كان بمثابة الكارثة التي حلت بخصومه ممّن قام بمطاردتهم الى جبال ووديان «جبل مرة» وهى المنطقة التي تستعصي على الاقتحام لما تتمتع به من تحصين خصتها به الطبيعة. سلاطين والسرد ٭ يرى الأستاذ/ محمد هارون عمر عبر الورقة التي قدمها بمنتدى عد حسين الثقافي، والتي سنتطرق لها ونتعرض لأهم ملامحها في السطور القادمات، يرى أن سلاطين باشا سارد بارع، وهو في تقديره حاذق لعملية السرد، اضافة لتمكنه التام من الإلمام بفنيات هذا الجنس الإبداعي، وفي هذا الإطار نجده يورد رؤاه المتعلقة بهذا الشأن. في ما يمكن اختزاله «بشيء من التصرف» على النحو الآتي: أفاد المؤرخ السوداني الراحل/ عصمت حسن زلفو، عن كتاب السيف والنار في السودان، لسلاطين باشا، بما فحواه أن لهذا السفر أثرا عالميا كبيرا خاصة في انجلترا، إذ شكل- بما اشتمل عليه وتضمنه- من معلومات وقصص دموية مروعة ووحشية بالغ المؤلف في وصفها- كما يرى هرون- شكل صدمة كبيرة ومروعة في المجتمعات الغربية، وقد ساهم هذا الامر في دفع تلك المجتمعات للوقوف في قوة وحماس شديد مع حملة الجنرال كتشنر، على اعتبار أنها عملية إنسانية تعد بمثابة إنقاذ لأمة أضناها طغيان الخليفة عبد الله محمد آدم، ومما لا شك فيه أن الكتاب المعني لسلاطين يعد من أهم الكتب التي تناولت «الدعوة/الثورة المهدية» شهرة، وقد تباينت بالتالي تصنيفاته، إذ نجد أن هنالك من يرى أنه كتاب تاريخ، أو يوميات عسكري، أو كتاب في الادب والسيره الذاتية.. الخ بينما يرى البعض الآخر أنه كتاب مغرض «بالرغم من اشتهاره وعلو صيته»، إضافة لكونه أسوأ كتاب دعائي وعدواني سعى في قوة لهدم أهم فترة في تاريخ السودان الحديث، أما من جانبنا فإن الرؤى التي سوف نعبر عنها ونوردها عن هذا السفر من خلال هذه المداخلة، قد تختلف وتتباين في كثير من مفاصلها عن ما عبر به الغير، وتجيء رؤانا التي نرى من الأهمية بمكان أن نشير قبل الولوج الى عوالمها الى ضرورة تأكيد احترامنا المتعاظم لمجمل الرؤى المغايرة لها والتي جاء التعبير عنها بمتون متعددة. يورد المنظر الروائي «توماس مان» ما يلي: إن قدرة الروائي لا تكمن في السرد الجميل فحسب، بل في كونه يستطيع أن يخلق من الأحداث الهامشية المنسية أحداثاً ضخمة تبيض لها «أو لهولها» رؤوس الولدان. - غني عن القول أن الكتابة السردية قد صادفت تطوراً كبيراً خلال العقود السابقة وصار لها - كما هو معلوم- منظرون وكتاب كبار اجترحوا الكثير المثير من أنماط وأشكال الكتابة، بالذات السيرة الذاتية، إذ صارت رواية السيرة الذاتية من أجمل الروايات، وفي هذا الإطار نجد إن الروائي الراحل محمد شكري، صاحب الخبر الحافي والشطار، قد حقق بشكل لافت مكانة سامقة وكبيرة في مجال السرد، أما في ما يتعلق بسلاطين باشا فهو- كما أرى- فيمكن تصنيفه ضمن رواد كتابة السيرة الذاتية، وكتاب السيف والنار، اذا ما أزيلت عنه بعض أوجه القصور الطفيفة، وادخلت عليه بعض الإضافات ذات العلائق بالسرد، فسوف يتحول تلقائياً الى عمل روائي مميز، ليس هذا وحسب، بل إن هذا الأمر- إذ ما تم- سيجعل من سلاطين باشا أحد القامات الباهرات لهذا الجنس الإبداعي، مثله مثل فكتور هيجو، تولستوى، ديستوفسكي، تشيخوف، وفرجيناوولف، وفي هذا الإطار نورد «بحسب ما نرى» أن سلاطين باشا قد وقف على إبداعات سيرفانتس، جوجول، وشارلس ديكنز، إذ نلمح عبر متن نصه «موضوع المداخلة» بعض من أثر هؤلاء، نشير الى أن كتاب السيف والنار قد استوفى معظم شروط كتابة السيرة الذاتية، وقد تنقل كاتبه بشكل إبداعي، في حيوية وخيال جامح، بين ضمير المتكلم، والمخاطب الغائب، إلا انه اكثر من ضمير المتكلم مثال: عندما كنت ملازماً في كتيبة صاحب السمو الامبراطوري، في ذلك الوقت كان حاكم عام السودان اسماعيل ايوب.. الخ. - يمزج النص السردي لسلاطين بين جملة عناصر في تناغم وحرفية عالية تتماهى مع البعد الفني الذي رسمه وخطط له لمؤلف، أيضاً يمكن القول إن سلاطين لجأ للحوار الفني المتطور الذي ارتقى بالنص وحلق به للاعلى، إذ نجد الحوار عنده يتأرجح ما بين الخيال والواقع حسب ضرورات الحبكة القصصية والحيل الفنية، إن سلاطين الذي مارس الكذب على الخليفة كما أورد بالصفحة «622» من سفره ربما تعددت اكاذيبه «بمتن النص وسواه» جراء ما عاناه طوال سنوات أسره الذي تحول بسببه من خانة الأمير، الى الاسير، ومن الآمر الناهي كمدير لدارفور لأسير حقير- كما يرى- يرسف في بعض الفترات في الاغلال يستجدي سيده الخليفة كي يخفف من عذاباته بعفوه عنه. يبني المؤلف الشخصيات بناءاً فنياً راعى فيه فنيات السرد المشحون بالعاطفي وزخم الانتقام والممتلئ بالمرامي التي تسعى وتستهدف حرق الآخر المناوي لرؤاه. أحاديث الختام: ٭ تتداخل الأزمان وتتشابك، ويشتغل النص بالدائري والفلاش باك بكيفية جيدة، إذ حينما يأتي الحديث عن سقوط الخرطوم نجد المؤلف يمهد لهذا الحدث المهم والكبير بالرجوع القهقرى لبدايات المهدية، وفي أحيان أخرى نجده يلجأ للجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، وبالرغم من ان الكتاب قد تمت ترجمته عن الالمانية، إلا أن المترجم تباعد لحدٍ ما عن النقل الحرفي الميكانيكي، وقد جاءت الترجمة في اسلوب زاوج بين العلمي والادبي، مزاوجة جد رائعة عنيت- ضمن ما عنيت- بالمحسنات البديعية، من مجاز، واستعارة و...الخ. غنيٌ عن القول إن صياغات الجُمل «طويلها وقصيرها على حدٍ سواء» جاءت متماهية مع أسلوب السرد الروائي ومنسجمة معه تماماً. وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول إن المؤلف وفق أيما توفيق في الخاتمة التي جاءت كخلاصة لجوهر النص «السير/ذاتية»، فالرواية - أى رواية- يمكن القول عنها بشكل عام، إنها فضاء مفتوح يحتمل عدة قراءات، لهذا فإننا نرى أن قضية سلاطين الاساسية والمحورية التي قام بطرحها والتعبير عنها- بالسيف والنار- ما هى إلا قضية استعمار وصراع سياسي، فها نحن نراه يسعى في قوة لإشاعة أن «الثورة/ الدعوة المهدية» عبارة عن تجمع لعصابات، وقتلة، وسفاحين، يجب محوهم تماماً عن الوجود، وفي ظلال هذه المعاني نجده حين فلح في الهرب، وعندما وطئت أقدامه الأرض المصرية يورد الآتي: لا استطيع وصف مشاعر الفرح الذي غمرني، فقد انتهى كربي، ونجوت من قبضة البرابرة المتعصبين بوصولي الى بلد يحكمه القانون وعدالة الحكام. وبعد: كانت تلك وقفات مبتسرات مع بعض الرؤى والمداخلات المتعلقة بسلاطين باشا «وبكتابه السيف والنار في السودان» والتي اشتملت بين تضاعيفها على بعض الإشارات التي «عبرها ومن خلالها» تم تسليط الضوء على هذا السفر- عبر فضائه الواسع- من منظور عني - ضمن ما عني- بالجانب الإبداعي المتصل بالسرد الروائي، مع التركيز على رواية السيرة الذاتية، الأمر الذي دفع بنا للوقوف إزاء هذه الرؤى، وهذا الطرح «الجديد والمغاير ربما» علّ هذا الطرح يجد حظه من التحاور والتفاكر والنقاش المثمر والموضوعي، مع أكيد التقدير.