كالعادة سجلت الدراما السودانية حضوراً باهتاً في الفضائيات خلال شهر رمضان المعظم، حيث ازدحمت قنوات التلفزة السودانية بكم هائل من الأغاني والطرب حتى كاد المشاهد أن يفتقد روحانية الشهر الفضيل شهر الصيام والقيام الذي أنزل فيه القرآن. وتربعت إبداعات الشعراء والمطربين على صهوة كافة البرامج، مما سرب الرتابة والملل في نفوس المشاهدين المتنقلين بين الفضائيات السودانية التي فرضت نسخا مكررة من المنوعات الغنائية يستضاف فيها الشاعر والملحن والمطرب مع فرق المؤدين لأعمالهم الأدبية والفنية. هناك رغبة في التقليد عند أغلب مقدمي البرامج الحوارية والمنوعات على الشاشة الصغيرة، لدرجة يصعب فيها تميز الفرق ما بين برامج «بيني وبينكم» على الفضائية السودانية و «تواشيح النهر الخالد» على قناة الشروق و «وبنات حواء» على قناة هارموني التي جاءت لتنافس برنامج «أغاني وأغاني» بقناة النيل الأزرق على جمهوره المنهمك في متابعة تجليات العصر الذهبي للأغنية السودانية من خلال ذاكرة مقدمه الأستاذ السر أحمد قدور المتقدة وتعليقاته مطلقة العنان أمام الحسان.. وربما تكون هناك بعض أوجه التمايز بين هذه البرامج في تناول صنوف الإبداع الفني بحسب شخصية وثقافة معدي ومقدمي البرامج، ولكن يصعب على المتلقي التمييز بين مضمون ومغزى الحلقات على شاشات التلفزة. ولم يحالف التوفيق واضعي الخارطة البرامجية في الشهر الفضيل بالفضائيات السودانية، حيث غُيبت البرامج الدينية والمسلسلات التاريخية، وتصدرت المنوعات الغنائية للمشهد ما بعد الفطور إلى صلاة التراويح في تفرد سوداني غريب لاستغلال ذروة المشاهدة التلفزيونية في الطرب والغناء، وإشغال اللحظات المفعمة بالروحانية والذكر والاستعداد لصلاة القيام باللهو، خاصة أن أهل الفن عموماً لم يعرفوا بالتدين والالتزام الصارم بشعائر الإسلام، بل ظلت الجفوة قائمة بين دعاة التدين العميق والمبدعين من أهل الفن، حيث يعتقد معظم مشايخ المدرسة السلفية بحرمة العمل في مجال الغناء والطرب والتمثيل ويعدون صوت المرأة عورة.. وعليه فإن تقديم برامج المنوعات الغنائية في شهر رمضان سيستفز المشايخ ويزيد من الجفوة بين الجانبين. وليس بمستغرب أن ترتفع أصوات المنابر في النقد والاعتراض على هذا المسلك الذي يرفع من نجومية أهل الفن في الشهر الفضيل، لدرجة تطيح بالتوازن المطلوب ما بين البرامج الدينية والترفيهية ومواقيت عرضها. وعزا الأستاذ السر أحمد قدور نزول الإيقاع في بعض ألحان أهل الشمال بتعمد المؤدين خفض أصواتهم بدلاً من رفعها اتقاءً لتأنيب مجتمعهم وتمشياً مع أعرافه. ولا أحسب أن الخلاف الفقهي على الفن ودوره في الحياة سيحسم بمجرد فرض أعمال المبدعين والمطربين على شاشات التلفزة، ولن يزول التباين بين المطربين والمشايخ بمجرد ولوج بعض المطربين لمجال المدائح النبوية، ما لم يحترم الطرفان الرأي الآخر ولا يُتعمد استفزازه .