تنتظم هذه الرواية في اربعة فصول هي: اللعبة الصغيرة: سيرة أولاد قرف، اللعبة الخطيرة: سيرة المدينة، اللعبة الكبرى: سيرة السراب، لعبة الارض: سيرة الحلم. والرواية تقوم إذن باللعب وبالسيرة، فلنسرع الى القول: سيرة البلاد والبشر، السيرة المجتمعية، مهما خلت من أو انطوت على الذاتي، ولنسرع الى القول ايضا إن هذه الرواية تستهوي اللعب بما هو أس لهذا الفن ولكل فن، وبما ينطوي عليه من نظر إلى الحياة بحلوها ومرها، والعلامة الفارقة للعب هذه الرواية هي السخرية التي تفتقر اليها الرواية العربية بعامة، على الرغم مما أبدعه اميل حبيبي وغازي القصيبي، او يسعى اليه آخرون مثل محمد أبو معتوق والميلودي شغموم وامير تاج السر. ويقدم الفصل الاول من هذه الرواية عصبة التلاميذ في المدرسة الشرقية الذين يذكرون بعصبة المسرحية الشهيرة «مدرسة المشاغبين»، وستتابع الرواية مصائر أولاد عبر التحولات العميقة للمجتمع السوداني من انقلاب عسكري إلى انقلاب. انهم القادمون من القاع الريفي والمديني، مقابل عصبة «أولاد كموش» من أبناء الذوات، والتي ستتلاشى امام «اولاد قرف» الذين سيقل عددهم في المدرسة، مقابل تكاثرهم في المجتمع، ويتصل بأولاد من أبناء الجنوب السوداني مابان دينق ابن ضابط البوليس وجيمس ايول ويول أشيول، وإذا كان عثمان شربات من العصبة يستغرب وجود جنوبيين في المدرسة، واذا كان ايضا احمد سالم ابو خميس يستذكر من قريته اشتهار الجنوبي بلقب «الجنقاوي» وعمله فقط في الري أو التحطيب أو الشجار.. فإن ما يؤرق جومو الذي سيستأثر بالكثير من الرواية، هو أن الجنوبيين مسيحيون، ولذلك يعتزم هداية صديقه جيمس ايول الى الاسلام، ويستعير منه التوراة، وسيكون لقراءاته لها فعل حاسم في تكوينه الروحي. ومن الكتابة على جدران المراحيض الى مغازلة فتيات المدرسة الاميرية والتدخين في الفصل، والتردد على حانة «تام زينو» وماخور «زوبا»، تتوالى سيرة أولاد قرف في المدرسة، بقيادة علي اسماعيل «الكضاب» الذي اكتسب لقبه بسبب ما كان يروي للعصبة من قراءاته ومشاهداته قبل أن يتقاعد ابوه وتهدأ تنقلاته، وعشق «الكضاب» لزهرة هو أيضا امتيازه على العصبة، ومثل هذا من قرارات المراهقة سيكون ما بين جومو ونازك ابنة مدير المدرسة، مما سينسج مؤامرات العصبة وزهرة وصديقاتها ونازك وشقيقتها الكبرى سلمى. وعلى الحب بين جو مختصر جومو ونون اي نازك سيقوم رهان الرواية، فقد «انبجس النداء الانثوي الذي كان يتعرج بين الأوامر الأزلية وكهوف التغييب الأصم، ليجد نفسه دفعة واحدة في البرية». وهذا ما سيشكل عصب حياة العاشقين، ابتداءً من مرض جو بالملاريا الى مسلسل الرسائل، وشكوى زهرة من المدرسة «او من السجن الاحنا فيهو ده» كشكوى نازك وشقيقتها من المنازل السجن. وبانتقال المدير زين العابدين الى كسلا الفصل الثاني تنعطف الرواية بالعاشقين منعطفها الحاسم الذي سينعطف بالرواية ايضا الى الاشتغال بالتوازي على خط نازك وأسرتها ومن سيجد، وعلى خط جو والعصبة ومن سيجد، فيما السخرية تتفجر، وهي التي ترى فيها من قبل «شعب جمهورية قرف» أو «جنرالات قرف» وقراءة العصبة لرسالة نازك إلى جو، استنادا الى «قوانين الاشتراكية الطبيعية» وتجاوزا «نزعة الملكية الفردية»، ومن قبل نرى «قانون الحضور المنزلي» في بيت نازك، و«طاولة المفاوضات بين نازك وسلمى التي تحولت الى مؤامرة حضور حبيبها طارق إلى المنزل.. ثم يأتي وداع المدير في موكب كموكب ديكتاتور في عيد انقلابه الذي اسمه الثورة»، وتأتي خطبة المدير وبلاغته وقد ترقى في الاتحاد الاشتراكي الحزب الحاكم، من فئوية المدينة الى أمين المنظمات الفئوية والجماهيرية بمديرية القاش. ويلحق جو بالعربة التي تنأى بحبيبته ويفتضح امرها، ويقع في المرض، وتفشو في المدينة حالة من العشق الجماعي له، ويغدو ونازك أسطورة رمزها الحرفان الأولان من اسميهما، وبعد هروب جو من المستشفى الى مرتع زوبا التي تعمل ساعتها البيولوجية بالتوقيت القمري، ولها شهورها الخاصة، وسيلي عودته إلى المدرسة الاحتفال السنوي الذي يقدم فيه أولاد قرف مسرحية «الشماشة» باشراف الاستاذ عساكر الذي يغطي أمام مدير المدرسة على افعال العصبة ايمانا منه بجوهرهم المتمرد النظيف. وفي الطريق إلى المسرحية تقدم الرواية ما تحمل والدة جو لابنها من رمل قبة الشيخ أبو مفاريك، والحجاب «محاية مركزة» التي كتبها الفكي اساخا «اسحاق»، كما تقوم الرواية قصة خال جو الزعيم الطلابي الذي جاب البلدان ورفض الزواج الذي يهيئه أهلوه له من خدوج، وتزوج من زميلته في الجامعة ثم مات في حادث غامض. وتستوفي مسرحية «الشماشة» خمس عشرة صفحة من الرواية، وسيلون ما يؤول إليه جو من كتابة المسرح أسلوبية الرواية، كما تلونها المتناصات من الغناء الشعبي ومن القصة ومن المفردات المحلية التي تستغلق غالبا على غير السوداني، كما يستغلق عليه كثير أو قليل من الحوار المكتوب بالعامية فقط، وفي هذا كله ما يجدد إشكالية الخصوصية والعامية، بل واللهجية التي ما فتئت تنشأ منذ «عرس الزين» للطيب صالح إلى آخر رواية كتبها مغاربي.