هاتفنى الاستاذ علي حامد فى 23مارس 2003 للاستعد للسفر الى نيروبى للمشاركة فى محادثات السلام بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى مواصلة لحرصه على اشراكي في امر اهلي رغم انى لست مؤهلا لذلك اكثر من الشهداء التوم محمد ناصر وحسن كانقر وابراهيم مقدم وضيفان من حجير النار بتالودى ولربما« شيخنا الكلام تمه» وعبد الرحمن الصبرة وقجة بطل ملحمة منزل قمر حسين رحمة، كلهم بذور للسلام. الاستاذ علي حامد فور عودتى من بعثتى بلندن فى اواخر 2003 استقبلنى بشوق شديد وصرخ فّي وعيناه تلمعان بالذكاء « لقد جئت فى وقتك». سافرنا الى نيروبى ثم ضاحية كرن حيث دارت جولات المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية برعاية الحكومة الكينية ممثلها اللواء سمبويا. و قسمنا الى ثلاث مجموعات مجموعة ابيي بقيادة عمر سليمان« والي جنوب كردوفان السابق» وسكرتارية أحمد علي سبيل «خبير بالامم المتحدة الان »، ومجموعة جبال النوبة بقيادة دكتور كبشور كوكو« مدير دائرة الوثائق المركزية» وسكرتارية الكاتب. استمرت المفاوضات لمدة شهر دونما تقدم فى نتائج تفضى الى سلام ملموس ، لكنها قربت كثيرا من نقاط الخلاف كاشفة الضوء حولها. تخللت جلسات المفاوضات استراحات حيث يتم تبادل الحكايات، فذكرت لهم هذه الحكاية التي وقعت في الستينات من القرن الماضي بتالودي، حيث اعجب بها الحاضرون، ابرزهم دكتور امين حسن عمر ودكتور مندور المهدى الذي ما زال يسألني كلما التقينا ان كانت بطلة القصة على قيد الحياة ام لا؟. أخوالى بدون ترتيب محمد الملقب بباطل وينادينى بالشجرة مكين وجمعة الملقب اكس ويريس كما جاء وورد في احدى مقالتي وهنوه و هو مشهور بابنائه عمر كبر«« الدلميس »» فارس الصراع وابنته ملكة جمال البقارة فى زمانها وتلقب«« بالكمالة»» خيت الدلميس اي اخته. جاءوا فى زيارة حيث بيتنا الكبير بتالودى وخرجوا الى سوقها من اجل الفرجة وغيرها حتى عندما بلغوا سوق الروب ضرب احدهم الكورراك1 فى شدته وكيف لا وهو شاب شارب لبن،كان هنالك شرطي يراقب الموقف فاتجه نحوه بسرعة حتى لا يتمادى فى الكورراك وامره بالسكوت، لكنه لم يأبه لذلك، فأحس الشرطي أن الرجل يستفزه ويتحداه ، يعني يتحدي السلطة، فقال له وهو ممسك بيده : تمشى معاي فوق _ يعنى مركز الشرطة _ فاندهش الخال وقال : فوق شنو؟؟؟!!!! رد الشرطى: انت عملت ازعاج عام يعني«public nuisances» قال : الروروى ازعاج عام؟!!! مالي، انا كتلت زول؟؟!!! نهره الشرطي وكرر أمره ان يصطحبه الى المركز ووافق شريطة ان يرافقه أخوانه. البقارة عموما وغيرهم يكرهون الشرطة لانها مرتبطة بالسجن حيث قيد الحرية وهم مجبولون على الفضاءات الرحبة الواسعة المفتوحة. عندما بلغوا مركز الشرطة دون بلاغ فى مواجهته بتهمة الازعاج العام ، لكن استدرك احد الضباط الحاضرين من الشرطة وسأل صاحب الكورراك ان كان له اقرباء بالمدينة، فذكر والدي ابراهيم كرشوم. فارسل اليه ضابط الشرطة وكان بالمحلج حيث يعمل في وظيفة «« فراز قطن»» ولما كان الموسم بداية خريف فليس هنالك عمل كثير يمنعه من الحضور. جاء والدي الى مركز الشرطة وهو يركب عجلة ، فقص عليه الضابط القصة. استأذن والدي من الضابط الانفراد بخالي فوافق له على الفور . اختلى به في ركن قصي داخل مركزالشرطة الواقع في منطقة«« كاسورة»» في تل اسفل جبل«« تاكورة»» شمال مدينة تالودي سأله والدي عن سبب الكورراك؟؟؟!!!. فرد عليه وهو يبتسم و بهمس حيث قال: كنا فى السوق مع اخوتي قنبورا وسويريس فشفت النقو .....ابقي ول «ولد» نجس...قلبي و عقلي انا غيب تب، بتنا ماتشوف الا النقو وما شعرت الا وانا بكوريك حتي اخواني ديل جنبي ما شايفهم .. الله يسألني ، حتي البوليس العندك ده واسم زول بتن انا كو«لا» ماشايفه ..... خلي السوق ده كله!!!. التفت والدي وقال للضابط« عندنا عادات وتقاليد اذا الواحد شاف البنت التى تعجبه ونادر مايشوفها يكورك بأعلى صوته للفت الانظار والتحدي، دليل على رجولته وعدم خوفه من اي حد كائنا من كان» فشكر الضابط والدي وامر باطلاق سراح خالي. هذه الجفوة بين اهل المدينة والبادية هي احدي العقبات التي تقف امام التقدم الاجتماعي ، حيث انه ليس هنالك لغة مشتركة. اذكر ان مسؤولا كبيرا زار اهلي بالفريق وشرع يتحدث لغة عربية فصحى لم يفهم منه احد شيئا كثيرا ، عندها علق احدهم بانه يتكلم مثل الراديو!!!!! قامت في السودان عدة طبقات، منهم طبقة الاغنياء وهي طبقة اصحاب المال أو الملاك كانت هذه الطبقة تعتلي هرم السلم الطبقي في السودان،كانت لا تهتم كثيرا بالعلم اذ تورث ابناءها حرفة التجارة هذه الطبقة لها لغتها الخاصة بها وتقاليدها الخاصة وهي ترتبط بالسلطان لحماية مصالحها او تتكون نتيجة له. طبقة الافندية واحيانا تسمى« بالوسطى » هم الذين يكسبون رزقهم من العمل في دواوين الحكومة والاهتمام بامر الثقافة والفن والرياضة وهؤلاء لهم مصطلحاتهم الخاصة التي تحملها اذواقهم الخاصة ويسمونهم اهل البادية بافندية حتي ولو لم يعملوا في الحكومة!!!. هذه الطبقة فقدت ملامحها حتي يصعب التعرف عليها بواسطة الذين وهبوا الحس الطبقي!!!! بل ذهب بعض المفكرين الي القول بانهم ذابوا وتمزقوا وتطايرت اشلاؤهم بين الطبقات الاخري التي منها طبقة الفقراء الذين يقول فيهم الدكتور التجاني عبد القادر في كتابه عن الفقر « الذين يؤجرون ابدانهم» . هذه الطبقة يندرج تحتها المصنعية اصحاب الحرف، ومنها طبقة العتالة الذين بار سوق بيع ابدانهم لبروز الآلة الرافعة،و اذكر حينما كان صغارا بتالودي كان العتالة يحملون بالات القطن بالمحلج علي ظهورهم!! فقد سرت موجة تفسر سر هذه المقدرة اذ قيل انهم يحيلون هذا البال الي وزن الريشة بفعل السحر!!!هؤلاء لهم لغتهم الخاصة بهم التي تحمل مصطلحاتهم!!! طبقة الشماسة « وهي كلمة يصف بها طبقة رفيعة من المتدينين المسيحيين» استغلت هذه الكلمة ليوصف بها المتشردون الذين لفظتهم أسرهم او لا أسر لهم البتة، هؤلاء لهم لغتهم الخاصة بهم ايضا تحمل في طياتها كثيرا من ملامح حياتهم و هم في قاع السلم الطبقي. عزيزي القارئ هل لك حس طبقي من أي الطبقات انت، فكّر و تاّمل ؟؟؟ نعم ان بها تداخلا مثل تداخل الليل والنهار، في البلاد الاخري يحسبونها بالارقام المالية للدخل لا بطبيعة العمل وهذه قد تحشر بعض الشحادين في الطبقة العليا!! وكثير من الرعاة مثل « قاقارو» وهو من اغنياء قبيلة« امبررو». كثر الحديث المثير للغثيان عن الطبقات في المجتمع هذه الايام في بعض المجالس الخاصة ومؤثرة جدا كآخر« تقليعة» بشهادة المنسبات الاجتماعية وهو امر يجافي قيم الاسلام والقيم السودانية....لماذا ولو ولي عليكم عبد حبشي كأن شعر رأسه ذبييبة « كوركودي»- سلك يعني، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم!!!؟؟؟ 1 صوت يحدثه الرجل بضغط باصبعيه السبابة والخنصرعلي خديه بالنفخ مع خروج الصوت