قال مستشار الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية الدكتور فرانيسس دينق أن هم قيادة «الحركة الشعبية» بعد رحيل زعيم الحركة جون قرنق أصبح فصل الجنوب عن الشمال واعتبر ذلك تراجعا عن مبادئ قرنق ودليلا على الفراغ الذي أحدثه رحيله. وذكر فرانسيس في محاضرة في معهد دراسات الأمن في بريتوريا بجنوب أفريقيا مؤخرا عن كتابه الجديد الذي سيصدر نهاية العام الموسوم ب» السودان على المحك ? تقرير المصير والوحدة الوطنية» أن مشروع السودان الجديد كان يتبنى الوحدة كخيار وحيد إلا أن وفاة جون قرنق أبرزت ضعف القيادة في «الحركة الشعبية» وافتقد بعده المشروع إلى كاريزما القيادة التي كانت المحرك الأساسي له. ودعا فرانسيس شريكا السلام لاحترام الاتفاق محذرا من الأخطار التي ستترتب على خرق الاتفاق ودعا الذين يتحدثون عن المهددات التي ستطيح بالجنوب حال انفصاله إلى ترك هذا الحديث وتقديم دعمهم ومساندتهم بدلا عن تقديم صورة متشائمة عن مستقبل الإقليم. ورأى أن إبداء المرونة في قضايا الجنسية وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وتسهيل الحركة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين حال انفصال الجنوب هي الضمان لجوار آمن معربا عن قناعته بضعف فرصة الوحدة أمام الانفصال عبر الاستفتاء المرتقب. وأشار فرانسيس إلى إنه طوال فترات التمرد المتعاقبة لم توفق الحكومات المركزية في فهم أبعاد الصراع كما أن مطالب الجنوبيين لم تؤخذ بجدية من قبل تلك الحكومات ،ووصف الحقب التي مرت على حكم السودان بقصر النظر والافتقار إلى الحكمة في إدارة أزمات البلاد واعتبر أنها اقرب إلى حكومات أقليات منها حكومات قومية تراعي مصالح جميع المكونات العرقية والدينية في البلاد. وانتقد تصوير الصراع في البلاد بأنه بين مكون عربي وإسلامي في مقابل مكون أفريقي مسيحي واعتبر ذلك ضربا من التبسيط المخل والمضلل الذي لا يخاطب جذور المشكلة موضحا أن اللغة العربية صارت من العوامل المشتركة بين الشمال والجنوب. وأضاف فرانسيس أن الأسباب الحقيقية للصراع أبرزها تمركز السلطات والخدمات والتهميش والعزل الذي يمارس على الأطراف في توزيع الخدمات والسلطات مما خلق حالة من الحنق والنزع نحو المقاومة المسلحة مشيرا إلى أن هذه الحالة لا يختص بها الجنوب وإنما كل المناطق الطرفية والبعيدة عن المركز في الشرق والغرب والشمال. وتحدث عن دور الرق في تعميق الإحساس بالمرارات والظلم واعتبرها من العوامل التي عززت الرغبة في التمرد على الأنظمة الحاكمة في الخرطوم لكنه لم يحمل الشمال المسؤولية عن هذه الممارسة التي اعتبرها إرثا استعماريا من ضمن سياسات أخرى أدت إلى عزل الجنوب فترة من الزمن مما ساهم في تعزيز المفاهيم السالبة نحو الشمال. وعزا فرانسيس نشوء التمرد الثاني في الجنوب في 1983 إلى استمرار السيطرة السلبية قصيرة النظر للمكون الشمالي على كافة مناحي الحياة السياسية وقال أن التمرد الثاني كان أكثر نضجا وقدم للمرة الأولى في تاريخ الصراع مشروعا سياسيا قوميا لبناء سودان جديد يعتمد قيم المساواة والعدالة في توزيع السلطات والخدمات والتنمية في ظل نظام علماني.،وتابع أن المشروع أتي نتاجا لوعيه بالسوابق وصار مصدر الهام لكل الجنوبيين وعزز رغباتهم في أن ينالوا فرصتهم في الحكم وان يحظى الجنوب بنصيبه في الخدمات والتنمية بعدالة.