تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    الخارجية القطرية: نجدد دعمنا الكامل لوحدة وسيادة استقرار السودان    الاعيسر:استخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    حزب الأمة القومي: نطالب قوات الدعم السريع بوقف هذه الممارسات فورًا والعمل على محاسبة منسوبيها..!    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    مصطفى تمبور: المرحلة الحالية تتطلب في المقام الأول مجهود عسكري كبير لدحر المليشيا وتحرير دارفور    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    انتر نواكشوط يخطط لتكرار الفوز على المريخ    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المندكورو مطالبون بترتيب أوضاعهم بالجنوب !؟
نشر في الصحافة يوم 03 - 10 - 2010

أثار حديث الدكتور كمال عبيد وزير الإعلام والقيادي بالمؤتمر الوطني بشأن وضع الجنوبيين بالشمال في حال قرر الجنوب الانفصال والذي أدلى به من خلال مايكروفون اذاعة امدرمان جملة واسعة من الانتقادات ،ليس من قادة الحركة الشعبية وحدهم بل من شماليين كثر،ولعل كل تلك الانتقادات تؤكد اننا معاشر السودانيين شعب عاطفي حد الثمالة،فملخص ما قاله الرجل ببساطة شديدة هو أن إخواننا الجنوبيين المقيمين بين ظهرانينا في مدن الشمال كافة إن اختاروا( فرز عيشتهم )من خلال التصويت لصالح إقامة دولتهم الجديدة ، عليهم أن يبحثوا عن سماء غير سماء السودان الشمالي وأراضيه؟لماذا؟لأنهم ببساطة لم يعودوا من مواطني الدولة الأم حسب القوانين الدولية، بمعنى آخر، أنهم في أحسن الأحوال سيكونوا لاجئين ،هذا إن قبلت الدولة الشمالية اعتبارهم كذلك ، وقطعا لن يكونوا نازحين كما كان الحال منذ اندلاع حرب الجنوب وحتى توقيع اتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ،صيف عام 2005، حيث كان يحق للمواطنين الجنوبيين التمتع بكافة حقوقهم في الشمال، بحسبانهم مواطنين سودانيين ،عليهم ما على المواطن الشمالي، ولهم مثل ما لمواطن الشمال.
البعض وصف حديث الدكتور كمال عبيد، بأنه حديث يفتقر للدبلوماسية،وحديث حاد اكثر من اللزوم، كوننا في هذا الوقت ما نزال نبحث عن قشة للوحدة ،كي نتعلق بها ويصفنا قادة الحركة الشعبية، بأننا نرتعب، ونرتبك كثيرا،ونتخبط يمنة ويسرة ، كأنما مسنا جن ، وأننا نشارف على الغرق، لتيقننا من أن الجنوب سوف ينفصل لا محالة، سواء تم إجراء الاستفتاء في موعده، أو أجلناه عاما كاملا، هذا هو ما توصل إليه أبناء الجنوب ، من خلال معايشتهم لوحدة قسرية ،على مدى اكثر من نصف قرن من الزمان، وبالتالي من حقهم أن ينفصلوا بدولتهم ،لأنهم ببساطة كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، حسب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ورئيس أول دولة جنوبية بعد الانفصال ، الفريق سلفاكير ميارديت، ومواطنون من الدرجة العاشرة ،حسبما تعتقد وتجزم الدكتورة مريم الصادق المهدي ،ولأنهم بالدرجة الأولى لا يريدون العيش في ظلال شريعة دولة المؤتمر الوطني، أو دولة التوجه الحضاري، بل في ظلال دولة مواطنة مدنية على خط الاستواء.طالما رفض المؤتمر الوطني دولة السودان الجديد وظل متدثرا بعباءة السودان القديم .
الدكتور أتيم قرنق، نائب رئيس المجلس الوطني، القيادي في الحركة الشعبية، كأن أكثر ذكاء من د/ كمال عبيد عندما سألته مذيعة قناة الجزيرة ،فيروز زياني ،عن وضع المواطنين الشماليين في الجنوب، حال الانفصال فقال بصريح العبارة ،إنهم سوف يعيشون في أمان ولن يطردوا، حتى يرتبوا أوضاعهم ،او يطلبوا الرحيل،بمعنى أنهم لن يكونوا لاجئين في الجنوب، ومعلوم أن أعداد الشماليين الذين يعرفون( بالمندكرو )قليلة جدا معظمهم يعمل بالتجارة، وفي بعض المنظمات هناك، لكن هناك اختلاف كبير حول أعداد الجنوبيين بالشمال، خاصة في العاصمة السودانية الخرطوم ، فهناك من يقول ان أعدادهم تفوق ثلاثة ملايين، وهناك من يرى أن عددهم ما بين مليون الى مليوني مواطن لكن أتيم قرنق يقول إن عددهم في حدود نصف مليون جنوبي، ونفى أن تكون حركته قد عقدت صفقة مع المؤتمر الوطني لبقائهم في الشمال، مقابل أن يستمر تصدير النفط عبر الشمال، وأضاف أنهم على إستعداد لترحيل الجنوبيين بالشمال الى مناطقهم، و أن كل من لم يعد الى الجنوب حتى شهر يوليو الماضي، لن يتسنى ذلك ، وعلى كل حال نرى أن الحركة الشعبية في الوقت الراهن، ليست حريصة على مواطنيها بالشمال، الا بالقدر الذي يمكنها من الاستفادة من أصوات الانفصاليين منهم، في الاستفتاء القادم للحصول على نسبة 51% التي تضمن لها فصل الجنوب ،ثم بعد ذلك الى الجحيم، ولا أرى ان مشكلة الشماليين في الجنوب معقدة، كما هو حال إخوانهم الجنوبيين بالشمال، لكن مهما يكن من أمر فإنه ينبغي عليهم توفيق أوضاعهم، حال انفصال الجنوب ، وقد يكونون أهدافا لمتهورين حال وقوع أية هزات او توترات بين الدولتين، وقد رأينا ما فعله الجنوبيون في الخرطوم ،غداة مقتل زعيم الحركة الشعبية جون قرنق، من تقتيل وتدمير وتخريب متعمد، لممتلكات المواطنين في الشمال، وردة فعل إخوانهم بعد أيام ،لذلك لا ينبغي أن نعرض أرواح مواطني شطري السودان بعد الانفصال بل يجب على الشريكين حسم هذه القضية بشكل جلي وواضح، بحسبان أن أرواحهم أهم من النفط والسلطة وكافة الثروات التي كانت وستكون سببا في تمزيق السودان الواحد الموحد ، وعدم حسم هذه القضية قبل الاستفتاء يعني أن قنابل شديدة الانفجار، قد تركت هنا وهناك ، يمكن أن تنفجر في أي وقت،ولكم أن تتصوروا مثلا وجود ملايين من أخواننا الجنوبيين في الشمال ،لا يحق لهم العمل، ولا يحق لهم إدخال أبنائهم في مدارس وجامعات الشمال، أو تلقي العلاج في المؤسسات الصحية الشمالية،أو السكن في عقارات المواطنين بالإيجار أو حتى السكن في منازلهم التي شيدوها بتعب شديد،الأمر الذي سوف يضطرهم الى بيعها بأبخس الأثمان، تخيلوا معاناة الجنوبيين إن أرادوا الدخول الى مدن الشمال، ومعاناة الشماليين إن أرادوا العمل في الجنوب النفطي ، الذي ربما يصبح بمثابة الخليج للبعض، تخيلوا المصاعب التي سوف يجدها رعاة المسيرية، حال دخولهم الى مراعي الجنوب ، تخيلوا حجم الحساسيات التي سوف تنجم جراء تقييد حركة ماشيتهم ،تخيلوا ما سوف يخسره اقتصاد الشمال جراء انفصال الجنوب بنفطه وثرواته، إنها قضايا كثيرة بل قنابل كثيرة تركها الشريكان دون تفكيك .
وبالعودة لحديث د/ كمال عبيد ، بشأن أوضاع الجنوبيين في الشمال بعد الانفصال ، نرى أنه حديث طبيعي لن يغير من قناعات الجنوبيين شيئا، فالذي يريد الوحدة لن يصوت ضدها والذي آمن بضرورة الانفصال لن يصوت الا للانفصال ،ولو لم يقل د. عبيد حديثه ذاك الآن كان سيقوله فور ظهور نتيجة الاستفتاء ،ومن حق كل دولة أن تتخذ من الاجراءات والتدابير، التي تمكنها من أن تحافظ بها على سيادتها وحق مواطنيها .
قادة الحركة الشعبية عملوا منذ أن وطأت أقدامهم الخرطوم، وجوبا وملكال وغيرها من مدن الجنوب، على فصل الجنوب ،ولم يبدوا أي حرص على الوحدة ، قالوا: إنهم يريدون وحدة جاذبة !؟ لم نفهم كنهها، قالوا نريد دولة مواطنة مدنية، رغم أن الشريعة لم تطبق في الجنوب ، بل ليست مطبقة في الشمال نفسه، قالوا: إن الحديث عن صيغة كونفدرالية، حديث سابق لأوانه،قالوا إن اتفاقية نيفاشا منحتهم 50% من نفطهم وهم الآن يريدون( الجمل بما حمل) ولايريدون أن يعطوا شيئا من سنامه للشمال،يريدون للشمال أن يشرب من ذات الكأس التي سقاهم منها طوال خمسين عاما، لم لا ؟ طالما البترول يتدفق من أراضيهم ، التي استغلها المندكرو، ردحا من الزمن، قالوا : إنهم يريدون إنشاء مصانع للبيرة كما أنشأوا أكبر مصنع لها في جوبا ،لم لا ؟هكذا هي الدولة المدنية في نظرهم، ويحق لكل من يريد أن يسكر أن يسكر ويتحاكم الى قوانينه الأرضية وليس الى قيم السماء، ومحاكم العدالة الناجزة ، قالوا : إنهم حكموا كل الجنوب، وشاركوا في حكم كل الشمال،ثم قالوا: إن ذلك كله لا يكفيهم، بل يريدون الانفصال تماما عن الشمال،لأنه لم يحقق لهم الوحدة الجاذبة، التي حلموا بها منذ الاستقلال . وبالتالي فإنهم لن يتأسفوا على وحدة قهرية فرضها الشمال عليهم، ويقولون: إن الجنوب لو انفصل لن يكون دولة في المحيط الهادي، بل دولة تجاور السودان الدولة الأم ، ويقولون :إن أطفال المدارس في الجنوب الآن بدأوا في حفظ النشيد الوطني الجديد، وعلم الدولة الجديدة قد خيط من زمن بعيد، وهو علم الحركة الشعبية نفسه ، لكن الحركة الشعبية وقادتها يناقضون أنفسهم حينما يتحدثون بأن اتفاقية نيفاشا لم تحقق لهم ولمواطنيهم وحدة جاذبة ،ثم يدعون أن ما أنجز في الجنوب خلال الخمس سنوات الماضية لم يتحقق منذ فجر الاستقلال!! أليس هذا دليلا على أن الجنوب نال حقه وزيادة من خلال هذه الاتفاقية؟ ألم يحكم الجنوبيون أنفسهم بشكل كامل خلال الفترة الماضية؟ هل تدخل الرئيس البشير أو أي من قادة الشمال في تسيير دولاب الحكم في الجنوب؟رغم استفراد الحركة الشعبية الكامل بالسلطة والثروة ،ورغم إبعادها حتى لمواطنيها الذين يخالفونها الرأي ، ورغم الاتهامات التي وجهت لقادتها بالفساد ، والثراء الحرام ،ولم يكن المؤتمر الوطني قادرا على محاسبتهم ، لأن الاتفاقية أعطتهم حق محاسبة أنفسهم ، أو عدم محاسبتها ،ويعلم الكل أن الحركة الشعبية أقامت هي الاخرى دولة التمكين في الجنوب،تماما كما يتهم البعض ،المؤتمر الوطني بذلك،بل تعسفت الحركة الشعبية كثيرا ،في استخدام القوة ضد خصومها، ليس من الشماليين فحسب بل من أبناء وقادة الجنوب، بل قادة الحركة الشعبية أنفسهم الذين شقوا عصا الطاعة ،على ديكتاتوريتها ،أمثال د/ لام أكول، الذي أنشأ الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي، بعدما ضاق ذرعا بأساليب وألاعيب وبطش إخوانه الممسكين بتلابيب السلطة وعرقوب الثروة في الجنوب، ولذلك نرى أن الحركة الشعبية كانت جادة في الانفصال، ولم تكن في يوم من الأيام وحدوية بل نحن من كنا نخدع أنفسنا ،حينما كنا نظن أن بعض قادتها وحدويون حتى النخاع ،هؤلاء القوم إمعانا في تكريس مفاهيم دولتهم المدنية الجديدة ، وسودانهم الجديد، ووحدتهم الجاذبة ، عملوا على إقصاء العروبة والإسلام من مناهج تعليم، التلاميذ والطلاب في الجنوب استعانوا بمدرسين من كينيا ويوغندا، وغيرها من دول الجوار، ولم يستعينوا بإخوانهم في الشمال ،وأقاموا شركات اتصالات لا علاقة لها بشبكة الاتصالات في الشمال ، وظفوا جل مال النفط لشراء احدث الأسلحة لجيشهم،لم يتركوا الصواريخ ولا الدبابات ولا الطائرات، وغيرها ،بحجة أان الاتفاقية منحتهم هذا الحق متناسين أن ذات الاتفاقية كانت تلزمهم بتنمية الجنوب تنمية حقيقية ، من خلال بناء الطرق والجسور والكباري أكثر مما فعلوه ،ولكن لأن النية لديهم كانت مبيته أصلا علي تحميل الطرف الشمالي،سواء كان المؤتمر الوطني أو الكيانات الشمالية كلها ، أوزار عدم تحقيق الوحدة الجاذبة ،حسب مفهومهم ،ولأن نصيب الجنوب من النفط كان موظفا أصلا لتمكين الحركة الشعبية، وجيشها من التغلغل في نسيج الحياة كلها في الجنوب ، كان طبيعيا أن تجنح الحركة الشعبية للانفصال، ولم يكن فيها حمائم في يوم من الأيام ، يدافعون عن الوحدة، ولذلك من الطبيعي أن لايكون للوحدة بمعناها القديم بواكي اليوم، والدليل أن عشرات الاحزاب الجنوبية الكرتونية، التي يستفيد أعضاؤها من عطايا المؤتمر الوطني، يتحدثون ويذرفون دموع التماسيح على استحياء، من وقت لآخر مدافعين عن الوحدة التي شبعت موتا و أصبحت في خبر كان .
ليس مهما اسم الدولة الجديدة ،ولا علمها أو نشيدها لأهل الشمال ،بل على أهل الشمال أن يعملوا منذ اليوم لبناء دولتهم طوبة طوبة،صحيح أن الشمال فيه بنيات لابأس بها، ولكنه رغم ذلك يفتقر الى الكثير، وما نحتاج إليه هو التالي:
أولا: منح السودانيين المزيد من الحرية ، وممارسة الديمقراطية بصورة راشدة، والتواضع على حد أدنى من التوافق الوطني، الذي يجعل كل أحد منا يفكر في كيفية النهوض بهذا البلد، الذي سوف يفتقد لعائدات البترول.وعلينا الاهتمام بالزراعة، في المقام الأول ،لأننا دولة زراعية، قبل أن نصبح دولة نفطية،ولن يكون اهتمامنا بإطلاق شعارات النفرة الخضراء، التي يرددها أخونا د/ عبد الحليم المتعافي ،وزير الزراعة ، وأخشى معها أن تكون أراضي السودان الشمالي بور بلقع، صحراء جرداء قاحلة تنعق فيها البوم والغربان ، تماما كصلعته الأنيقة اللامعة، ولن تفيدنا غيرها من الشعارات الطنانة الرنانة،سيما وأننا ما نزال نستورد قمحنا وطحيننا من خلف البحار،ونبيع أرضنا في الجزيرة للأشقاء في شمال الوادي بعدما منحناهم حلايب وشلاتين عربون محبة وتكامل .
ثانيا : ينبغي علينا إعادة النظر في كيف نحكم دولتنا الشمالية،فالعبرة ليست بكم المساحات التي ورثناها من الآباء والأجداد،(وطن حدادي مدادي) بل العبرة في الكيفية التي نحكم بها البلد ،وعلى أي أسس ومنهاج ، ولذلك فربما نحن فعلا بحاجة لدولة مواطنة مدنية عصرية؟ أم هل نحن بحاجة الى دولة توجه حضاري ودولة تمكين،أذلت رقابنا جميعا، هل يمكننا توليف نظام حكم يجمع بين الدولة المدنية و التوجه الحضاري إن كان تفسير أصحابه، يعني تطبيق الشريعة الاسلامية (رغم اقتناعنا أنها غير مطبقة على أرض الواقع بل مجرد نصوص تقبع في أدراج الساسة والقضاة)
ثالثا:آن الأوان بعد أكثر من خمسين عاما من الاستقلال أن ننظر في من يحكمنا،لماذا يظن البعض أنهم ولدوا ليحكموننا، مع احترامنا لمقاماتهم السامية،وبيوتاتهم الموقرة، وكياناتهم العقائدية، آن الأوان فعلا أن نختار من بيننا القوي الامين، الذي يعمل لتحقيق طموحاتنا في العيش الكريم، وليس القوي اللئيم، الذي يبطش بنا ويملأ جيوبه من حقوقنا ،فيعيش هو وزمرته في بحبوحة من العيش، ويطلب منا أن نصبر ونعيش في كفاف وبؤس ، آن الأوان لأن نكون قادرين على اختيار من يحكمونا بعيدا عن التعصب للحزب، والولاء الأعمى لتعاليمه كأنها كتاب مقدس، وبعيدا عن القبلية ونعرتها التي لن تزيد السودان الا تفككا وتمزقا، آن الأوان لأن نحارب جميعا الفساد، الذي نخر في عظام ومفاصل الدولة، ان لنا أن نشهد إعدام كبار المفسدين، الذين يعيثون في أرض السودان فسادا ، في ساحات عامة حتى يكون في إعدامهم عبرة لمن تسول لهم أنفسهم ، ولوج بحر الفساد والسباحة فيه، ومن المؤسف حقا ،أن لا تطبق الحركة الاسلامية التي تحكمنا اليوم بالحديد والنار، مقولة كان يرددها قادتها على مسامعنا حينما كانت الحركة معارضة للأنظمة الديمقراطية، وهي مقولة بل حديث من أين لك هذا؟ اذا لا يعقل أن نسمع أن كثيرين منهم شيدوا مباني فخمة وركبوا الفاره من السيارات ، ولبسوا الثياب الناعمة،بعد أن كانوا فقراء معدمين،صحيح يؤتي الله الملك لمن يشاء وصحيح أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء،هكذا يريدوننا أن نعيش أذلة صاغرين وهم أعزة منعمون ،يتحدثون بأنعم الله عليهم، ولا يعقل أن تتم مكافأة المفسدين بترقيتهم، بدلا من الزج بهم في غياهب السجون ، صحيح ربما كانت أيادي الكثير من قادة الحكم طاهرة، ولكنهم يغضون الطرف ،عن من تلوثت أياديهم وتلطخت جيوبهم بالمال الحرام . وبالتالي فهم في الجرم سواء.
رابعا: آن الأوان لصياغة مناهج تعليمية جديدة من شأنها أن تخرج رجالا ونساء، يطلعون بأعباء بناء دولة عصرية جديدة في كل شئ، فجامعاتنا ومدارسنا لم تعد تعلم سوى تلقين بعض المواد النظرية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، آن لنا ان نراجع مسيرتنا ، صحيح ان فعل ذلك يحتاج إمكانات مادية مقدرة، ولكنه أيضا في المقام الأول يحتاج الى إعادة نظر في العقليات التي نسلمها ملف التعليم في بلادنا، فلم يعد المعلم اليوم هوذاك المعلم الذي كنا نقف له بالأمس إجلالا،ونوفه حقه من التبجيل ،ولم يعد الاستاذ الجامعي مؤهلا بما يكفي، لربط جامعاتنا بما يحتاجه سوق العمل المحلي والعالمي ،فأصبح لدينا كما كبيرا من الرجال والنساء، الذين يسبق حرف الدال أسماءهم وأسماءهن ولكن معظمهم كأن على رؤوسهم الطير، يجب أن نعيد لبخت الرضا سيرتها الأولى، إن أردنا أن نرضي عن مخرجات تعليمنا العام والعالي ،آن الأوان لأن نفكر في إلغاء العديد من الجامعات ومعاهد التعليم العالي ، لان الاهتمام بكم الطلاب الذين نخرجهم سنويا ليس الهدف والغاية، بل نوعية الطلاب،وهم الذين سيحدثون ويصنعون الفرق المرتجى .
خامسا: إنه من الأهمية بمكان، أن تعمل دولة الشمال وتكف عن إشعال المزيد من الحروب، في إرجاء البلد ، لأن أي يوم نضيعه فيها ،سيكون خصما على تقدمنا المأمول ،وأية قطرة دم تراق منا عزيزة الوطن بحاجة اليها، وعليه فإن العمل على إطفاء البؤر المشتعلة في دارفور، ينبغي أن يكون من الأولويات القصوى للدولة الشمالية، وقادتها وليس التفكير في الدخول في حرب مع الدولة الجنوبية حال ولادتها، لأن ذلك من شأنه أن يكلفنا المزيد من الأرواح، والمزيد من الموارد ، ويجعل خزينة دولة التوجه الحضاري، خاوية على عروشها .
سادسا :علينا نحن معشر الشعب أن نربط ونشد منذ الآن على بطوننا، لماذا ؟لان دولتنا لن يكون لها بانفصال الجنوب موارد مالية تذكر، لا نفط أو سيكون لنا القليل منه، لا انتاج زراعي يصدر ،ثروتنا من الأنعام هي الاخرى سوف تعاني، في دارفور وفي مناطق المسيرية، وما نصدره منها لن يكون ذا قيمة،وعائدات الصمغ والذهب،هو الآخر قليل، ولن يسد الرمق،والقطن وزهرة الشمس والسمسم وغيرها من المنتجات الزراعية، يعلم الكل أنها لا تساهم بشئ يذكر في موازنة الدولة ، ولذلك لن يكون هناك مبرر لاستمرار الدولة في استيراد سيارات صغيرة ملاكي ذات موديلات قديمة ،بمبلغ مليار دولار سنويا ،وليس منطقيا أن نستورد اسماكاً من سريلانكا وغيرها من الدول الآسيوية بمئات الملايين من الدولارات ، ولدينا أطول انهار العالم (نهر النيل) ، وبحيرة سد مروي والبحر الأحمر،ونستورد أحذية وملابس، بملايين الدولارات ولدينا ثروة حيوانية مقدرة، ومدابغ قديمة للجلود،وكان بإمكاننا أن ننشئ مصانع للأحذية، بدلا من استيرادها من دول عربية وغيرها، لأن ذلك يعني مزيدا من العملة الصعبة(الدولار) وعلى الحكومة في دولة الشمال أن تعيد النظر في قوانين ،ووسائل جذب الاستثمارات العربية والأجنبية،كيف لدولة تستورد من الإبرة و الصلصة وصولا إلى الطائرات أن تكون دولة عصرية،كل شئ في حياتنا ونمط تفكيرنا ،في بناء الدولة الحديثة التي نتطلع إليها، مطلوب تغييره ، مطلوب تغيير الوجوه ،والأفكار والأساليب والمناهج، وكل شئ جعلنا منذ الاستقلال دولة كبيرة في حجمها ضعيفة في كل شئ ،حتى بدأت تتشظى وتتمزق ولعل ساستنا يعون درس انفصال الجنوب عما قريب.
* كاتب وصحافي سوداني مقيم بقطر:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.