تمر بلادنا العزيزة بمرحلة تاريخية بالغة التعقيد، وذلك نتيجة للعوامل الداخلية والخارجية التي افرزتها اتفاقية نيفاشا بجانب تصاعد الأوضاع الأمنية في دارفور، اضافة للوضع الداخلي المتردي نتيجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي افرزتها حكومة الانقاذ، إذ جعلت المواطن السوداني يلهث خلف لقمة العيش ولا يجدها الا بعد جهد جهيد وعناء لا أول له ولا آخر.. والحكومة المركزية في صراعها مع الحركة الشعبية تقيم العديد من المشاريع الخدمية في الجنوب والتي تكلف مئات المليارات، وقد كان الأحق بها إنسان الشمال.. ولكن وفي سبيل «الوحدة الجاذبة» تقوم الحكومة بإراقة ماء وجهها وحرمان المواطن في الشمال من حقوقه الأساسية في سبيل إرضاء الحركة الشعبية.. والحركة تعلم كل ذلك ولكنها تريد ابتزاز الحكومة. وبالأمس قدمت الاذاعة السودانية مقابلة مع الدكتور كمال عبيد وزير الإعلام والدكتور لوكا بيونق وزير وزارة مجلس الوزراء، وذلك في برنامج «مؤتمر اذاعي»، وقد ادار الحوار الاذاعي المقتدر الاستاذ نجم الدين محمد أحمد.. في ذلك البرنامج حذر الدكتور كمال عبيد سكان جنوب السودان من فقدان حقوق المواطنة والوظيفة والبيع والشراء في سوق الخرطوم، وكذلك العلاج وكافة الامتيازات المرتبطة بمواطنيتهم، اذا قرروا الانفصال خلال الاستفتاء.. ورغم أن حديث الدكتور كمال عبيد حديث منطقي وواقعي وينبغي أن يكون مفهوماً ومتقبلاً من جانب الحركة، إلا ان الذي حدث انه قد ثارت ثائرة الحركة واقامت الدنيا ولم تقعدها.. وشن كل من الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب والاستاذ أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني هجوماً كاسحاً على حديث الدكتور كمال عبيد، وانبرى الدكتور عبد الله تية جمعة وزير الصحة باصدار بيان شديد اللهجة هاجم فيه الدكتور عبيد ليس بصفته ناشطاً سياسياً، ولكن بصفته وزير الصحة في سابقة الاولى من نوعها، وقال إن وزارة الصحة قد تضررت من تصريحات كمال عبيد..!! وقال ان الجنوبيين قد فقدوا الثقة في التعامل مع المستشفيات عقب تصريحات الوزير! الدكتور عبد الله تيه ليس جنوبياً ولا يحق له التصويت في الاستفتاء سواء بالوحدة أو الانفصال فلماذا يقحم نفسه في موضوع كهذا ويصدر بياناً كهذا نيابة عن وزارة الصحة..؟! إن تصريحات الدكتور كمال عبيد قد جاءت في وقتها معبرة عن رأي الشارع السوداني في الشمال والشرق والغرب والوسط لتوقف هذا الابتزاز المتواصل من الحركة الشعبية للحكومة المركزية، وهو ابتزاز رخيص لن يجنوا من ورائه شيئاً.. تصريحات الدكتور عبيد جعلت الدكتور رياك مشار يخرج عن صمته في الفترة الاخيرة ويقول «إنه يمكن تطبيق اتفاق الحريات الأربع بين الطرفين»! لأنه يعلم قبل غيره أن قادة الحركة الشعبية يمتلكون اليوم منازل وعقارات ومزارع وعربات بالخرطوم بمئات المليارات.. لذلك فإن تصريحات كمال عبيد قد ازعجتهم ايما ازعاج واقضت مضاجعهم. إن الحركة الشعبية تعلم جيداً أن قبائل النوير والشلك والمورلي والفرتيت والزاندي وكل القبائل التي تعاني من سيطرة الدينكا وهيمنتهم على كل المراكز السياسية والاقتصادية، لن تصوت لصالح الانفصال الذي يعني بالنسبة لهم المزيد من المعاناة والاضطهاد والتهميش، ولهذا فإنها تقوم باعتقال كل العناصر التي تدعو للوحدة. إن المواطن السوداني عندما يدعو للوحدة وحدة التراب لا يدعو لها من منطلق المصلحة الذاتية او لأنه سيموت اذا ما انفصل الجنوب.. فالجنوب ومنذ الاستقلال والى يومنا هذا يعيش عالة على الشمال، ورغم ذلك فإن المواطن السوداني لم يتضايق أو يتبرم من ذلك.. لأنه ينظر نظرة واقعية مؤادها أن الجنوب قطعة منه، وأنه لا بد أن يتطور وينمو ويتقدم.. هذه النظرة السامية ما تزال هي نظرة المواطن السوداني رغم دعاوي وانتهازية الحركة الشعبية، فهل يفهم هؤلاء هذا الدرس البليغ؟! ابراهيم ابوشنب صحفي وباحث