قال الدكتور كمال عبيد وزيرالإعلام فى برنامج مؤتمر إذاعي الجمعة الماضية: (لن يكون الجنوبي في الشمال مواطناً ولن يتمتّع بحق المواطنة والوظيفة والامتيازات ولا حق البيع والشراء في سوق الخرطوم ولن نعطيه «حقنة» في المستشفي). هذه التصريحات جاءت مقابلاً موضوعياً لمعادلة الشفافية التي ظَلّت تتعامل بها الحركة مع رغبة الشمال في الوحدة، وكلنا يَتَذَكّر تصريحات مارتن ماجوت ياك السكرتير القومي للتنظيمات الجماهيرية والفئوية بالحركة الشعبية، التي نشرتها هذه الصحيفة في مايو المنصرم، وقال فيها إن الانفصال قادم ولن نعطي الشمال «جالون بنزين واحد». أنا لا أرى فرقاً بين (حقنة) كمال و(جالون) مارتن، خاصةً وإنّ حسابات الربح والخسارة يفترض أن تكون حاضرة في مخيلة السياسيين وهم يحشدون ذاك الطرف للانفصال وهذا للوحدة. أكبر أزماتنا كسودانيين تتجسّد في أعمالنا للعواطف في قضايا استراتيجية وحساسّة، ومستقبل الجنوب نال حظه من التداول العاطفي بعيداً عن القلم والورقة وحسابات الربح والخسارة. استراتيجيات الدول تبنى على المصالح وتركز على حيثيات الخصم والإضافة في التعامل مع القضايا الكبيرة، لذا فإنّ خطاب الدكتور كمال عبيد فتح سيلاً من الهواجس المترتبة على عملية الانفصال وعالج بوضوح وموضوعية ما يُمكن أن تؤول إليه الأوضاع في حال اختيار الجنوبيين للانفصال، وهذا من حقه كرجل دولة مطلع على خبايا الوضع الراهن واستراتيجيات الدولة في التعامل مع المستقبل. وكذلك جون مارتن كان شَفّافاً وهو يدلق (جالونه) في وجه الشمال باعتبار أن النفط واحد من (الكروت) التي يمكن أن يستخدمها الجنوب في إذكاء روح التطلع للانفصال. النظرة الموضوعية لحسابات الربح والخسارة في مشروع الوحدة والانفصال ينبغي أن تكون حاضرة في مخيلة السياسيين قبل أن يعرضوا بضاعتهم على شعب الجنوب الذي تطالب الحركة بمنحه الحريات الأربع في الشمال. تخطئ الحركة خطأً استراتيجياً إن ظنت أنّها ستفصل الجنوب وتظل أوضاع الجنوبيين في الشمال كما هي، فالانفصال هو قيام دولة جديدة لن يكون مواطنوها جزءاً من السودان الشمالي بأيِّ حال من الأحوال ومن الطبيعي أن تتقلص امتيازاتهم ويعاملون ك (أجانب) وفقاً لإجراءات منطقية تتعامل بها كل الدول. المؤتمر الوطني سيرتكب خطأً تاريخياً إن تساهل في إقرار ترتيبات تبقي على (الوضع كما هو) في التعامل مع مواطني دولة ستكون جارة في حال الانفصال، ولست أدري ما الذي يجبر الحركة على المضي في خَط انفصالي تضطر بعده لمطالبة الشمال بتفعيل قانون الحريات الأربع مثلما جاء على لسان الدكتور رياك مشار في تصريحات له بالأمس، فإصرار الحركة على مثل هذه المطالب يعزز الأدلة القائلة بأنّ إنفصال الجنوب ليس في مصلحة المواطن الجنوبي خصوصاً ذلك الذي ارتبط بمصالح حيوية في الشمال. يجدر بنا أن لا نستمر في تمثيل الدور الذي ظل يلعبه (ديك المسلمية) في ثقافتنا المحلية (يحمِّرو في بصلتو وهو يعوعي)، علينا ترك العواطف جانباً والإمساك بالورقة والقلم لتحديد ما نريد وفقاً لحسابات الربح والخسارة، المكاسب والمصالح، لأنّ خيارات الشعوب لا تقودها العواطف ولا تؤسسها الأماني، فإمّا انفصال كامل، يحتم على الجميع القبول بتداعياته ومقتضياته، وإما وحدة تعزز ما هو قائم من تعايش نتمنى أن يدوم وفي الحالتين (حقو الكلام يكون واضح) على طريقة «الحقنة والجالون»..! محمد عبدالقادر [email protected]