في صورة أشبه بجلد الذات مارس عدد من قادة التجمع الوطني الديموقراطي نقداً صريحاً للتجربة التي صادقت عليها أحزاب التجمع، الى ان توجتها بمقررات أسمرا عام 1995م، في محاولة لتشريح اسباب الفشل أو عدم النجاح حسب وصفهم، رغم انه يمتلك كثيرا من عوامل الاستمرار، ولكن لم يستطع ان يحقق أهدافه، مستندين الى ان الشخصية السودانية بثقافتها لها قدرة هائلة على التشرذم والانقسام، وعدم القدرة والتحمل وتكملة العمل الجماعي، مما القى بظلاله على التجربة التي توقفت عجلة دفعها وتحولت الى مسخ مشوه لا يشبه الديمقراطية الحقيقة، بجانب انعدام الثقة بين فصائله، وضعف التناغم والتفاعل والتنافس غير المرشد داخل الكيان الديموقراطي. حيث ناقش مركز الدراسات السودانية بمقره بالخرطوم أخطاء التجمع والمعوقات التي وقفت في مسار تحقيق طموحاته العريضة في ندوة حملت عنوان «اسباب فشل التجمع الوطني الديمقراطي»، وابتدر النقاش مقرر الندوة الدكتور حيدر ابراهيم رئيس مركز الدراسات السودانية، بعدد من الأسئلة، من بينها الشخصية السودانية وقدرتها على العمل الجماعي. وكشف القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي الشفيع خضر، ان التجمع ظل في صراع مستمر في إطار التحالف، الى ان وصل الى مرحلة الشلل، وان بعده عن المسرح السياسي الفاعل او إقصاءه ساهم في ضعف التناغم وتعطيل التجربة. وقال خضر كنا نتمنى أن يكون كل ممثلي التجمع حاضرين لتتسع دائرة النقاش حتى نسلط الضوء من كل الزوايا على نقاط الإخفاق، ليكون التقييم اكثر موضوعية. وأضاف خضر ان الحديث عن التجمع ليس سهلاً، لأن اهدافه وطموحاته عريضة جداً ومستقبل لوطن، وذلك بالوصول الى معادلة جديدة لحكم السودان تحفظ وحدته في المقام الأول بعد إزاحة النظام الشمولي القائم. وأشار الى ان الحركة الشعبية لم تكن عضوا في التجمع منذ بدايته، والتحقت به بعد مناقشات طويلة تلخص مضمونها في أسئلة مهمة، هل يمكن أن نقدم نموذجاً لوحدة السودان على أسس جديدة؟ وما هي المطلوبات لذلك؟ وكيف تدير القوى السياسية حوارا واسعا فيما بينها لكي تتوصل الى محتوى بديل للإنقاذ. واكد خضر ان الهدف ليس ازالة النظام القائم من السلطة، بل القضية الأساسية تنبع من تغيير جوهري يلامس قضايا الحكم منذ الاستقلال، مشيراً الى ان التجمع لم يأخذ شكله المنظم الا بعد يونيو 1995م، وكانت تلك الفترة عبارة عن بحث لإيجاد صيغة جديدة لنظام الحكم في السودان، وعلى هذا الفهم حدد التجمع بالخارج اهدافا محددة، ومن ثم العمل على توفير الدعم المادي والسياسي وتعبئة الدعم الخارجي لدعم توجيهات الإنتفاضة بداخل البلاد، وتحريك النشاط العسكري لتجمع الخارج لإسقاط النظام، بجانب النشاط الإعلامي ومحاصرة النظام سياسياً، وقال خضر إن مؤتمر اسمرا في 15 يونيو ناقش كل تفاصيل الدولة السودانية وتقرير المصير ووحدة السودان، إضافة الى البرنامج الاقتصادي، وكيفية العمل الدستوري في فترة الديمقراطية القادمة، ونوَّه الى ان مؤتمر أسمرا معلم بارز في تاريخ الحركة السياسية السودانية، وان كل فصائله اعترفت بأن مواثيق مؤتمر 1995م مقررات وثوابت ولبنة لصياغة دستور السودان الدائم عقب الفترة الانتقالية، واستشهد خضر بحديث الراحل دكتور جون قرنق حينما قال «ان هذه المواثيق اذا حلت محل النظام الحاكم فإننا سنكون مطمئنين على وحدة السودان على الأسس الجديدة التي نريدها». وأوضح خضر أن مثلث التجمع لتحقيق اهدافه تمثل في القوى السياسية والقوات المسلحة والنقابات في الداخل، وذكر ان اسباب الفشل ترجع الى أن درجات الصعود لم تتواصل بنفس الطموحات والأهداف التي رسمت منذ 1995م والى الفترة الانتقالية في عام 2005م، واشار الى الحركة الشعبية لتحرير السودان كانت تعتمد على استخدام كرت الضغط بالدخول في مفاوضات منفردة مع النظام، باعتبارها الجناح العسكري الفعال في التجمع اذا فرضت عليه الظروف ذلك. وقال خضر ان الموقف السليم يرجع الى انه مادام اي فصيل ارتضى باهداف التجمع عليه ان يبني تكتيكاته على المواثيق التي ارتضاها الجميع، ولكن البعض لم يلتزم بذلك الى ان وصل التجمع الوطني الديمقراطي الى مرحلة الشلل بسبب تمسك البعض بمواقفهم واصبح وجودهم في الكيان شكلياً، واضاف ان من ابرز السلبيات ضعف التوقع لقدرات النظام، وبلا استثناء فإن الفصائل المختلفة كانت تنظر الى النظام بانه «شوية كيزان» لن يستمروا كثيراً، وذلك من دون ان يقللوا من بطولاتهم الخارقة، واكد خضر ان التجمع تنظيم مفتوح الا انه في فترة من الفترات انه حدد معايير للعضوية، مما اثر سلباً، في الوقت الذي كان فيه عدد كبير من غير المنتمين لأحزاب التجمع يحلمون بعودة الديمقراطية، بجانب ان الكيان افتقد للتفاعل ولازمه البطء في مواقفه، الأمر الذي دفع بعض الفصائل الى ان تعمل خارجة مما افقده للمؤسسية، واكد الخضر ان التجمع لم يجتمع منذ عام 2005م، ووصف التصريحات التي صدرت عن قيادته بالذاتية. وقال القيادي بالتجمع الدكتور ابراهيم الأمين إن نزعة العمل الجماعي في الشخصية السودانية ضعيفة، وانطبق هذا الحال على روح التجمع، بجانب الطابع القبلي الذي توغل في المؤسسية السودانية، واشار ابراهيم الى ان كل فصائل التجمع كانت تنظر الى الإنقاذ على انها لن تستمر اكثر من شهور معدودة، مما أدى الى حالة من الاستكانة حتى تمكنت الإنقاذ من إضعاف القوى السياسية نفسها، واوضح الأمين ان الإنقاذ استثمرت بذكاء مواقف التجمع في الوقت الذي كانت تعاني فيه أكثر منه بسبب أنها كانت محاصرة داخلياً واقليمياً وعالمياً، لكنها كانت حريصة رغم ذلك على ألا يحقق التجمع اهدافه، ولذلك عمدت الى إضعاف القوى السياسية في الداخل، ومن ثم التركيز على كسر اجنحة العمل النقابي، وفعلاً نجحت في ذلك، بجانب ضعف اهتمام القوى الخارجية بالتجمع. وكشف الأمين أن المستشار السياسي للسفارة الأمريكية اتصل بأحد قادة التجمع، وافصح له عن مفاوضات بعد ستة أشهر بين الحركة الشعبية والنظام الحاكم، وان التجمع ومصر لن يكونا طرفاً فيها، وهي كانت بمثابة رسالة توضح عدم اهتمام المجتمع الخارجي بالتجمع، وذلك بسبب صراعاته الداخلية على الرغم من انه كان يدعم توجهاته، بجانب ان الحركة الشعبية أدارت علاقاتها مع التجمع وصراعها مع النظام بصورة واضحة، وانها كانت تفاوض النظام وتمنع الآخرين من الدخول في مباحثات معه، الى ان صارت الحركة الشعبية الوريث الشرعي للتجمع، بعد ان اصبحت الفصائل الأخرى في مساطب المتفرجين. وقال الأمين العام السابق بالتجمع مبارك الفاضل إن التجمع بلا شك في الفترة من 1990م 2000م حقق عدداً من النجاحات وأخفق في جوانب كثيرة، الا انه نجح في بناء هيكل ضم معظم القوى الوطنية لأول مرة في تاريخ السودان، رغم وجود الحرب الأهلية، في تحالف عريض ضم الشمال والجنوب، وبعد نقاشات طويلة تمكن من وضع برنامج تفصيلي لمستقبل السودان، ورغم العقبات والإخفقات الا انه ظل يشكل الساحة السياسية السودانية وقضاياها، وان كثيرا من قضايا اليوم مع اختلاف المسميات ناقشها التجمع في مؤتمراته مثل المشورة الشعبية، اضافة الى نجاحه بفتح جبهة عسكرية كان لها اثر كبير في التأثير على النظام، بجانب دعم قضايا حقوق الإنسان وعزل النظام دولياً وإقليمياً، مما اجبر الإنقاذ على مراجعة مواقفها وتكتيكاتها، والتراجع عن المشروع الحضاري، ومن ثم الدخول في مفاوضات. وأقرَّ الفاضل بأن انعدام الثقة بين فصائل التجمع كان له اثر كبير في تعطيل أهدافه والفشل في تحريك الجبهة الداخلية، بسب ضعف التنسيق وعدم الاستفادة من سودان المهجر وإمكانياته المادية، بجانب التنافس الحزبي الضيق والزعامي في الأدوار، وعدم رغبة البعض في الالتزام بالبرامج المستقبلية، وتعطيل من اقتربوا من تحقيق مكاسب التجمع. وقال إن الحال اشبه بمباراة للفريق القومي، ويمتنع لاعب من الهلال عن تمرير الكرة الى لاعب المريخ رغم انه في موقع يمكنه من احراز هدف، مضيفاً ان النتائج ادت الى مسخ مشوه لا يشبه الديمقراطية الحقيقية. وفي مداخلة قصيرة قال الكاتب الصحافي يس حسن بشير إن تجربة التجمع الوطني الديمقراطي يجب أن تناقش من خلال التطور السياسي للحركة الوطنية بصورة عامة، بعد أن وصف مكوناتها من الأحزاب السياسية بالهشَّة. ونوَّه الى انه لا يجب أن نحكم على نجاح التجربة بالنتائج الآنية، وأن هناك نتائج وثماراً غالباً ما تحصد بعد فترة طويلة، واضاف بشير ان اول نقطة ادت الى ضعف التجمع العمل من الخارج، الأمر الذى عزل فصائله وقادته عن قواعدها وجماهيرها بالداخل، بجانب ان العمل الخارجي له سلبيات وإيجابيات، خاصة ان المجتمع الإقليمي والدولي له بصمات توجه المعارضة لاهدافه الخفية والاستراتيجية، وأوضح بشير أن التجمع كان عبارة عن تحالف تكتيكي قصير المدى وسطحي، لأن البرنامج الذي وضع للسودان بشكله الجديد سينسف بعض الأحزاب التي تنتمي إليه، والتي كانت ترى أن التجمع مرحلة ووسيلة لغاية وطموح ذاتي، حيث أفرز ذلك الوضع الصراعات بين فصائل التجمع.