خرجت الحركة الإسلامية السودانية الحديثة من عباءة جماعة الإخوان المسلمين المصرية وتتلمذت عليها فكرياً وحركياً وبدأت في وقت مبكر نوازع ترجيح كفة العمل السياسي والانغماس في التكتيكات الحزبية مع التخفف من أرث جماعة الإخوان الدعوي والتربوي النخبوي والتطلع نحو الحشد الجماهيري باقتباس التجارب التنظيمية للخصوم السياسيين كالشيوعيين والبعثيين واعتماد أساليب براجماتية في التعاطي مع الأوضاع القائمة وبرز ذلك من خلال التحالفات السياسية التي أقامتها الحركة في سبيل الوصول للسلطة والانفراد بالحكم . وظهر التباين داخل الحركة الإسلامية ما بين جماعة العمل الدعوي التربوي وأنصار الحشد السياسي الجماهيري واضحاً ما قبل انقلاب 25 مايو 1969م، حتى برز الخلاف إثر المصالحة الوطنية مع النظام المايوي في عام 1977م، حيث تمايزت الصفوف بين المنهجين وظهرت جماعة الأخوان المسلمين بقيادة الشيخ/ صادق عبدالله عبدالماجد وبقيت الكتلة السياسية الرئيسية بزعامة الدكتور/ حسن الترابي تنتقل في مسمياتها المتعددة من جبهة الميثاق فالاتجاه الإسلامي إلى الجبهة الإسلامية القومية ثم المؤتمر الوطني إلى أن وصلت إلى الانشقاق الشهير بين القصر والمنشية وخروج الدكتور الترابي من دائرة الحكم وتكوينه للمؤتمر الشعبي المعارض . ولم يقتصر الانشقاق على أهل السياسة بل لحق برجال الدعوة والتربية فانقسمت جماعة الأخوان على نفسها بخروج التيار السلفي بقيادة الشيخ/ عثمان سليمان أبو نارو في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى أن كوّن أبو نارو جماعة «الاعتصام بالكتاب والسنة» في حين بقي فصيل آخر تحت مسمى جماعة الأخوان المسلمين «الإصلاح» بقيادة الشيخ/ ياسر عثمان جاد الله، كما لم تكن جماعة أنصار السنة المحمدية بعيدة عن ظاهرة الانقسام والانشقاق التي طالت معظم التنظيمات السودانية نتيجة لغياب المشروع الجامع والقيادة الكاريزمية المُوحدة التي يلتف حولها أصحاب الفكر والفعل المنسجم . لعل ما يحمد لقادة الحركة الإسلامية السودانية بمختلف فصائلها هو حصر الخلاف السياسي والفقهي في نطاقه التنظيمي والفكري وعدم جره إلى مسلسل من عمليات العنف والعنف المضاد خاصة وأن بعض الصراع ارتبط بالخلاف على السلطة، وربما يكون ذلك متعلقاً بطبيعة الشعب السوداني المتسامحة البعيدة عن العنف غير المبرر كما حدث في أفغانستان بين فصائل المجاهدين بعد إجبار الاتحاد السوفيتي على الخروج من كابول أو مثلما يحدث عند فرقاء المحاكم الإسلامية في الصومال فمن الخطأ تعميم مظاهر العنف المدعوم من الخارج على جميع الحركات الإسلامية في العالم على النحو الذي ساقه د. عبدالمنعم سعيد في مقاله محاولاً خلط الأوراق بتأثير من حدة الخلاف الفكري والاستقطاب والخصومة السياسية وبعيداً عن الموضوعية التي ينبغي ان يتحلى بها خبراء مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية !! .