- لقد حضرنا مصادفة في الدوحة الاسبوع الثقافي السوداني، وقبل ذلك دعانا السفير إبراهيم عبد الله فقيري لختام الدورة الرياضية التى بدأت في رمضان ، ونحن لم نحضر لهذا ، وإنما جئنا لاستئناف المفاوضات الخاصة بدارفور، ولكن من باب إجابة الدعوة المقدمة من السيد السفير ، رأينا أن نحضر هذه المناسبات السودانية المطعمة بالحضور القطري ، والذي يدل على عمق أثر التعاون بين السودانيين والقطريين ماضياً وحاضراً ، ومستقبلاً إن شاء الله . - لقد بدأ الاسبوع الثقافي بمعرض لتراثيات السودانيين الإجتماعية والصناعية التي أستقت وترعرعت من طيف ألوان الثقافة والفنون السودانية، ولقد كان حضور القطريين مميزاً إذ شرف المعرض والليلة الغنائية الساهرة حتى نهايتها الدكتور حمد بن عبد العزيز الكوارى وزيرالثقافة والفنون والتراث القطري ، كذلك الشيخ مبارك بن ناصر آل خليفة الأمين العام بوزارة الثقافة والفنون والتراث ، وعدد من السفراء المعتمدين بدولة قطر ، وكان ذلك ضمن احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية لعام 2010م ، أما الحضور السوداني المتمثل في الجالية السودانية ، فكان رائعاً ومميزاً ومنظماً ، لقد إكتظ مسرح الدوحة إلى خارجه بأعضاء الجالية السودانية وبالذات الأسر . - وأكثر ما أعجبني وشدني العرضات الشعبية والتي شملت معظم الجهات السودانية إذا إعتبرنا أن الفنان عمر إحساس «الرائع» كان يمثل دارفور بأغانيه الدافورية رغم قوميته فقد رأينا أيضاً عرض الجهات النوبية من جنوب كردفان ، ورقصة الزاندي ، وانتقلت بنا رقصات السيوف إلى شرقنا الحبيب ، الجهة الوحيدة الغائبة على المسرح هي التراثيات الشعبية في شمال السودان ، وذلك لضيق الزمن و ستقدم لاحقاً خلال الاسبوع . - وعلى كل، كانت عروضا رائعة عبرت عن معظم أعضاء الجالية ، وكذلك نحن الضيوف حيث كانت مميزة من خلال معظم فقراتها الناجحة كمقدمة البرنامج المميزة والتي نشاهدها لأول مرة، وكما قدمت بأنها الشاعرة إبتهال محمد مصطفى. كانت بحق مقدمة برامج ناجحة لتمكنها من الإمساك بناصية اللغة ، وكذلك لجرأتها وشجاعتها التي لم نلاحظ فيها لجلجة ، كما لأول مرة نلتقي بالشاب بشرى البطانة ، الذي أكد للقطريين ومن خلال لهجته البدوية أنه لا يزال لكل أهل السودان ولقد لاحظت أن الوزير القطري كان دائم الابتسام عندما قدمت الرقصات الشعبية لشرق السودان لاسيما رقصة السيف التى قدمها شابان قويان متدربان . ولم يكن الفنان عمر إحساس بعيداً عن ذلك النجاح فقد كان خفيف الدم ، نزل من خشبة المسرح ليستنطق بأغنيته نعيشوا سوا حتى الوزير الكوارى وعدداً من جالسي الصف الأول ، كما أن مقطع أغنيته من الدوحة للخرطوم إن شاء الله المحبة تدوم هز مشاعر القطريين قبل السودانيين ، كما أن الفنان محمد الأمين ختم الحفل بأغان هادئة طروبة «وتماوج» معه السودانيون الحضور لدرجة الذهول . - أقول وجزى الله خيراً أصحاب الفكرة المتمثلة في وزارة الثقافة والفنون السودانية والتى قاد وفدها وزير الدولة على مجوك الشاب الطموح الذي كان في جنوبنا الحبيب بعض ثقافات وطنه كمدخل لعرض الوحدة الطوعية ، ونقول لمجوك ويكفي إسمك يابن عمي أن تكون هناك وحدة بين الشمال والجنوب ، ونقول لك جئت متأخراً وكما قال الشاعر : وإنى وإن كنت الأخير زمانه*** ولكن أتيت بما لم يأت به الأوائل - وكذلك جزى الله خيراً سفير بلادنا الرجل المجتهد الاستاذ ابراهيم فقيرى وأعضاء سفارته ، فهذا الرجل نشهد له بالاجتهاد والتواضع ومحاولة الالتحام مع كل أعضاء جاليته ، ولقد شهد له بذلك معظم الذين قابلناهم من السودانيين وهذا دور مفقود عند كثير من زعامات سفارتنا في الخارج ، فهو ونائبته وأعضاء سفارته هم الذين وقفوا وراء نجاح الاسبوع الثقافي السوداني . وحضور الوزير الكواري المكثف ، رغم تمثيلنا للوفد السوداني بوزير دولة فهذا يدل على المكانة الخاصة في قلوب القطريين للشعب السوداني والتى عبر عنها الكواري فى كلمته بأن السودانيين هم الذين بنوا معنا قطر وهذه أعظم كلمة حق سمعتها علناً من خليجي قيادي كبير ، رغم أننا قدمنا لآخرين أكثر مما قدمناه لقطر ، ولكن لم نسمع هذه الكلمة إلا في «الدس» في الغرف المغلقة والصوالين البعيدة عن عيون الناس ، كل هذا يدل على تواصل سفارتنا مع الأخرين فجزاهم الله خيرا . - بقى أن نقول إن الثقافة والتراث والفنون هي التى تجمع بين الشعوب وتجعلهم يؤمنون بالوطن الواحد ، أكثر مما تجمع بينهم السياسة والأديان والتجارة والإقتصاد ، ومنذ نزول الاسلام قالت الاية» لكم دينكم ولى دين « فلماذا الزج بالدين ليكون العنصر الاساسي والغرفة اللازم دخولها حتى تكون وطنياً ، هذه الأمور يجب تركها حتى ندخل بهدوء في النفوس ويجب عدم زجها وإحراجها ، وقالت الآية «ما جعل الله لكم في الدين من حرج « . - تجربة الاسبوع الثقافي جعلت السفير الموريتاني عندما شاهد العروض الشعبية قال يجب أن تقولوا وطننا الفنون الشعبية وعاصمتنا الخرطوم، بل أن احد الاخوة قال لي إن مكتب وزير الثقافة هو المكتب الوحيد في القصر الجمهوري الصيني ، فالصينيون هم الوحيدون الذين عرفوا أهمية الثقافة منذ حضارتهم الكنفوشوسية ، ونحن وكثيرون منا لا يعرفون أين تقع وزارة الثقافة والفنون ، بل من كثرة الوزراء الذين تعاقبوا عليها لا يفرقون بين كمال عبيد والسموأل خلف الله بمعنى من هو وزير الثقافة ومن هو وزير الإعلام ، كله صابون . - أرجو أن تعمم فكرة الاسبوع الثقافي لعموم الولايات السودانية وليست الجنوبية فحسب فالثقافة والتراث والوطنية أشياء مستمرة لا تستثمر ولا تتوقف لحياة أحد أو موته ، ومن ثم نفكر في الخارج، أما قطر فهي شئ مختلف خالص ، فهل نقول مستقبلاً قطر ولاية سودانية أم السودان ولاية قطرية ؟.