دعا خبراء وأكاديميون، الحكومة الي اعلان استقلال الجنوب فوراً دون اجراء الاستفتاء، وتشكيل حكومة قومية برئاسة عمر البشير للترتيب لانتقال السلطات لحكومة الدولة الجديدة بعد سنتين، وعقد مؤتمر دستوري تشارك فيه كل الاحزاب الشمالية والجنوبية لاقرار استقلال جنوب السودان دون استفتاء تفادياً لنشوب حرب بين الشمال والجنوب علي ضوء القضايا العالقة الآن بين الطرفين، والسعي لخلق علاقة مبنية علي اسس مشتركة بين الدولتين لحفظ المصالح المشتركة، ولمنع حدوث أي احتكاكات بين الشمال والجنوب عقب الانفصال. وقدم بروفيسر الطيب زين العابدين ثلاثة خيارات لمستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، وذلك في ندوة «مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب» التي نظمها مركز دراسات المستقبل أمس، وحذر زين العابدين من نشوب نزاع واضطراب بين الشمال والجنوب، وقال ان الانفصال يحمل مخاطر ليست سهلة وهناك بعض القضايا المشتركة اذا لم تعالج بشكل سليم ستقود الي التوتر، مثل المشورة الشعبية واقتسام عائدات البترول، وترسيم الحدود، مشيرا الي ان الحدود المختلف عليها تبلغ حوالي «400» كيلو متر في اربع مناطق هي كافيكانجي وجودة وكاكا وأبيي، وتوقع ان يقود ترسيم الحدود الي مشاكل بين الجنوب والشمال لأن معظم سكان هذه الحدود شماليون ومسلمون والترسيم يعني انتقالهم، وأشار زين العابدين الي تاريخ التعايش بين الشمال والجنوب والذي قال انه لم يحدث ان شهد احتكاكات بين الطرفين سوي مرتين في التاريخ عامي 1965م و2005م وكانت تصرفات لبعض الافراد ولم تستمر لأكثر من ثلاثة ايام، وأضاف «السودان عنده تاريخ جيد من التعايش السلمي نأمل ألاينتهي بنا الي نزاع واضطراب ، ولكنه اشار الي هذا التعايش يحتاج لتدخل سياسي حتى يستفاد من هذا التراث، ولكنه قال ان السياسة يمكن ان تفسد هذه العلاقة الجيدة كما يحدث الان في منطقة أبيي» ، وقال «رغم ان مشكلة الجنوب مستمرة منذ الاستقلال ولكنها كانت بين القوات المسلحة وحركات التمرد في الجنوب ولم تنزل لمستوي القواعد من المواطنين في الشمال والجنوب بعكس ما يجري الان». وطرح زين العابدين ثلاثة خيارات لمستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، تمثل الخيار الأول في تحقيق الوحدة علي اسس جديدة، مشيرا الي ان الاسس التي أرستها اتفاقية السلام الشامل ليست أسسا عادلة او شاملة، واقترح لذلك قيام مركزية واسعة بقيام حكومتين مركزيتين ترتبطان بمؤسسة تشريعية ومؤسسات رئاسة تتكون من الرئيس ونائبه، ورئيس حكومة الجنوب ونائبه، وان تتبادل الرئاسة بشكل دوري بين الشمال والجنوب، وان يكون هناك مجلس استشاري من 8 شخصيات للرئاسة، وأن تكون الوزارات اتحادية فقط «المالية والتعاون الدولي، والنفط، والعلاقات الخارجية، والأمن والدفاع» وان يكون القرار في مؤسسة الرئاسة بالاجماع، ومن حق مؤسسة الرئاسة إنشاء مؤسسات تابعة لها، وينشأ مجلس فيدرالي من «60» عضواً يختص بمراجعة المؤسسات والوزارات الاتحادية فقط، ويتخذ القرار داخله بالاجماع داخل كتلتي الشمال والجنوب، وان تتم العودة الي الاقاليم القديمة التسعة. وفيما يتعلق بتقسيم عائدات البترول دعا المقترح الي ان تأخذ حكومة الجنوب كل منتجات البترول في الجنوب وتدفع للشمال فقط تكلفة الانتاج والنقل، وفيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية ان يكون التطبيق علي اساس شخصي، وان يحدث تغيير جذري في القوانين وقانون النظام العام وان تلتزم الدولة بالتحول الديمقراطي، وقال زين العابدين «اذا قبل هذا المقترح يعني ان تدعو الحركة الشعبية الي الوحدة، وتكون الوحدة خيارا متفق عليه ويضمن في مواد الدستور، وان لا يكون الاتفاق ثنائيا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بل تشارك فيه كل القوي السياسية في الشمال والجنوب. ومن ثم طرح زين العابدين الخيار الثاني لمستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب وهو في حالة التصويت للانفصال، وقال لاينبغي الا يعني الانفصال انتهاء العلاقات بين الشمال والجنوب، بل ينبغي علي حكومة الشمال قبول نتيجة الاستفتاء بالانفصال واحترامه والسعي للتعاون مع حكومة الدولة الجديدة، وهذا يتطلب إنشاء اتحاد هيكلي تكاملي يقوم علي اساس شراكة متكاملة تكون موثقة دوليا، لرعاية المصالح المشتركة، وينظم هذا الاتحاد اجتماعات دورية بين الرئيسين، وان يتم اتخاذ القرار فيه بالاجماع. وان تكون في هذه الحالة الحدود مفتوحة بين الدولتين امام حركة المواطنين وان يتم ترسيم الحدود بهدوء ودون استعجال، والمياه والبترول وحسم موضوع الجنسية وحفظ السلام والأمن، وان تنشأ للاتحاد أجهزة مشتركة تحت لوائح وقواعد توضع لهذه الأجهزة، ويمكن ان يؤسس البلدان عملة مشتركة وسوقا مشتركة، ولتقوية العلاقة يتكون مجلس منتخب من الطرفين، وتعزيزا لذلك ينبغي تطبيق الحريات الاربع بين الدولتين، ويمكن لوضيعة التعامل هذه ان تتكامل لتأسيس دولة كونفيدرالية. وقال ان فترة ال»6» اشهر المحددة للفترة الانتقالية من يناير القادم الي يوليو لترتيب اجراءات الانفصال غير كافية ويجب مدها لمدة سنة او سنتين حتى تكتمل معالجة القضايا المطروحة. اما الخيار الثالث هو الحد الأدني في العلاقة بين البلدين اذا وقع الانفصال، ينبغي ان يكون التعايش بين شعبين عاشا سويا، وتتطلب هذه العلاقة عقد اتفاقيات لفض النزاعات علي الحدود، وتنظيم الرعي، والتبادل الثقافي، وان تنشئ الحكومتان لجانا مشتركة لمعالجة القضايا. وقال زين العابدين ان هذه الخيارات تتفق علي سلام بين الشعبين، لكن التصريحات المتشنجة والدعوة لاستخدام الكروت لدي كل طرف هذا المنهج قال «سينتهي الي نتيجة سيئة». من جهته، قال السفير حسن عابدين، انه لابد من ان نخلق وفاقا قوميا وطنيا الآن يتفق علي اعلان استقلال الجنوب بدون استفتاء وتحديد فترة انتقالية جديدة لتنظيم الاستقلال، علي ان ينفذ الاستقلال بعد عامين، وانه لابد من عقد مؤتمر دستوري سياسي جامع لكل القوي السياسية بما فيها الاحزاب الجنوبية يؤطر لدولة الشمال ولدولة الجنوبالجديدة، حتى يطمئن الجنوبيون بأن القضية ليست الوحدة الجاذبة وانما يطالبون بالاستقلال، مشيرا الي ان الحركة الشعبية اشبه بحركات التحرر الوطنية أكثر منها حركة تمرد، وقال السفير حسن عابدين علي المؤتمر الدستوري ان يعلن موافقته علي استقلال الجنوب، ويؤطر الاستقلال من الهيئة التشريعية في الشمال والجنوب، وقال لابد ان تكون حكومة قومية من الشمال والجنوب برئاسة عمر البشير، وتتولي هذه الحكومة الانتقالية ادارة الشأن الوطني العام بما لا يتعارض مع اختصاصات حكومة الوحدة الوطنية، والاشراف علي انتقال السلطات للحكومة الجديدة في الجنوب، والتفاوض بين الحكومتين حول القضايا العالقة الان بين الطرفين والتي استبعد ان يتم التوصل فيها لحلول الان، مشيرا الي انه بعد اعلان استقلال الجنوب بهذا الشكل سيتفاوضون بحسن نوايا، ودعا في هذه الفترة الي ابداء حسن النوايا، بأن يمد الجنوب الشمال بنصيب من البترول لمدة سنتين حتى يعوض الشمال الفاقد النفطي، وفي نفس الوقت تلتزم حكومة الشمال بان تستمر مشاريع التنمية في الجنوب. وقال السفير حسن عابدين ان ميزات سيناريو منح الجنوب الاستقلال، انه يمكن من تنفيذ المتبقي من اتفاقية السلام الشامل بطمأنينة، لأنه الان لدي الجنوبيين عدم ثقة في تنفيذ الاستفتاء، كما انه يعني ضمانة لاستدامة السلام، كما يعطي فرصة للتخطيط الاستراتيجي العقلاني للعلاقة بين الطرفين، مشيرا الي ان هذا السيناريو هو الوحيد الذي سيضمن ان لا عودة للحرب سواء كانت قبل الاستفتاء او بعده، خاصة اذا ساعد الشمال الدولة في الجنوب في تأدية مهامها وواجباتها من غير انتظار فشلها. وقال حسن عابدين، انه في حالة الانفصال لابد من رؤية استراتيجية قومية للدولة الجديدة والدولة القديمة في الشمال وان يكون هناك شكل دستوري للعلاقة بين الدولتين خاصة ان السيناريو الماثل أمامنا انه الوحدة الآمنة فرصتها ضعيفة، وان الانفصال السلس في ظل القضايا العالقة احتماله ضعيف، كما ان انفصال تسبقه حرب خاصة اذا اعلن من جانب واحد وارد، لذا يجب ان نرتب للانفصال بقناعة ونرتب لوحدة مستقبلية يكون هذا اوفق من تضييع الوقت في محاولة منع الحرب أو اجراء الاستفتاء. من ناحيته، قال الدكتور خالد التجاني، ان الحكومة فشلت في الاجابة علي السؤال الذي طرحته في ميجاكوس 2002م المتعلق بأن وحدة البلاد لأول مرة يتهددها الخطر، وقال الآن نحن نعمل في الزمن الضائع، واشار الي ان هناك سيناريوهات عقلانية كثيرة ولكنها لا تعمل، يجب ان يكون هناك سيناريو واحد نمضي في تنفيذه، واضاف «مع كل هذه التعقيدات محتاجين ان نفكر بهدوء» مشيرا الي ان المشكلة ليست في اتفاقية نيفاشا التي ولدتها ظروف سياسية معينة بل في انها طرحت اسئلة لم تتم الاجابة عليها، وقال التجاني ان الحكومة لم تقم بعمل جاد وحقيقي في الجنوب خلال السنوات الست الماضية، ولم يكن هناك تواصل طبيعي بين الشمال والجنوب حيث لم نجد اي طريق رابط بين الشمال والجنوب وان النقل النهري معطل وكذلك السكك الحديدية، مشيرا الي انه مع فقدان الثقة هذه طرح أية سيناريوهات عقلانية لا يسمع لها، وقال ان قرار الانفصال قرار نخبوي تتحكم فيه الحركة الشعبية، وقال يجب اعلان استقلال الجنوب بدون استفتاء، واضاف «لكن هذا يحتاج لترتيب حتى يتأكد الجنوبيون بأنهم نالوا استقلالهم» ، وقال التجاني ان التوترات بين الشمال والجنوب ليست لها اسباب موضوعية، مشيرا الي ان الحركة الشعبية حسمت امرها في الانفصال، ولكن المؤتمر الوطني لم يحسم امره بعد، وقال ان المبادرة بالانفصال تساعد في ازالة التوتر بين الشمال والجنوب، واضاف «الا اذا كان المؤتمر الوطني لم يسأم من الحرب» واشار الي ان الجنوب انفصل منذ نيفاشا واصبح الان مرتبطا اقتصادياً بشرق افريقيا ولايوجد عمل اقتصادي بين الشمال والجنوب سوي عائدات النفط، وقال ان الحل يمكن في القبول بالانفصال مباشرة، وتقوية العلاقة بين الشمال والجنوب بعد ان تم قطع جميع الروابط الاقتصادية بين الشمال والجنوب.