٭ الساحة السياسية تفور الآن بحديث عن الانفصال.. وتباكي باصوات مختلفة على الوحدة وعلى السيادة.. والاستفتاء على المشارف ولم تبقَ له الا ايام معدودات والغالبية العظمى ان لم يكن الكل يتوقع الانفصال.. كأن الامر جديد امر تقرير المصير او امر اتفاقية السلام في نيفاشا. ٭ قبل عشر سنوات وقبل اتفاقية السلام والانقاذ تدير مشكل الجنوب بعقلية الجهاد كتبت في «صدى» بصحيفة «الرأي الآخر» وعلى مدى ثلاثة ايام بالعنوان اعلاه.. اردت ان اعيد نشره للتذكرة والذكرى تنفع المؤمنين. ٭ احداث الجنوب ظلت منذ عام 5591م تشكل محطات مزدحمة ومتشابكة وحساسة على خارطة العمل السياسي والوطني في السودان.. توريت كانت بداية الانفجار الكبرى. ٭ وكانت وما زالت قناعتنا بأن سياسات الاستعمار عمدت الى زروع تستعملها او تحركها عند الضرورة في ساحة العمل السياسي بهدف استمراره وتأثيره وبهدف تقسيم الوطن الى جنوب وشمال مستغلاً في ذلك الفوارق العرقية والمعتقدية والثقافية داخل الوطن الواحد. ٭ وبالفعل عمد الاستعمار الى تعميق مفهوم الانفصال الى ان تبلور في شكل اسئلة وقضايا انعقد لها مؤتمر جوبا 7491م وجاءت النتيجة خنجرًا حاداً انغرس في ظهر الاستعمار.. ذلك هو القرار الذي نادى بوحدة السودان شماله وجنوبه. ٭ لم يستسلم الاستعمار وهو يرى مسيرة الزحف الوطني نحو مشارف الاستقلال السياسي وبعد ثماني سنوات من مؤتمر جوبا وقبل بضعة اشهر من ميعاد اعلان الاستقلال انفجرت القنبلة الموقوتة في توريت... توريت التمرد... والدماء سالت.. دماء الشماليين بسلاح الجنوبيين ودماء الجنوبيين بسلاح الشماليين وبدأت المأساة. ٭ إعلان الاستقلال في يناير 6591م والجرح ينزف وقلوب تتقطع وبقعة سوداء اخذت مكانها في قلب اللون الابيض من العلم.. وتوالت السياسات الوطنية كلها مجمعة على الوحدة.. وحدة السودان وحدة الشمال والجنوب... ولكن تباينت الرؤى واختلفت المعالجات واخذت البقعة تكبر.. وتكبر الى ان صارت حرباً.. نعم صارت حرب عصابات.. وكبرت حركة الانانيا وشغلت اذهان السياسيين وغير السياسيين فالحرب عندما تحل بمكان تدخل كل بيت وتدمي كل قلب وتهدد كل مشروعات الطمأنينة والعمران. ٭ ولما رأى نظام السابع عشر من نوفمبر ان مواجهته المسلحة فشلت في احلال السلام والاستقرار اتاحت فوراً حرية الكلام التي كانت ممنوعة وعقدت الندوات وكانت مناقشة مشكلة الجنوب في اكتوبر 4691م مفتاحاً لتغيير انتظره الشعب السوداني مدة ست سنوات هي عمر نظام عبود. ٭ وعادت الديمقراطية الليبرالية باحزابها التي تؤمن كلها بالوحدة وتحارب الانفصال وتعترف بالداء وتبحث عن الدواء الذي تأخر صرفه وسط مشاكل الانتخابات وصراعات البرامج ونشاط القوى الاستعمارية التي لا تريد ولن تريد ان يكون السودان موحداً ومستقراً باية حال من الاحوال. اواصل مع تحياتي وشكري نشر في 02/7/0002م بصحيفة «الرأي الآخر».