٭ ان كانت السياسة هي فن ادارة حياة الناس بما يؤمن لهم وطناً آمناً يعمه الرخاء ويسوده العدل.. يكون ولاة السودان ومنذ الاستقلال قد اخفقوا في هذه المهمة اخفاقاً آخذاً في التعاظم منذ ان جعل الاستعمار مناطق مقفولة في الوطن الواحد، وحتى معالجات مؤتمر جوبا والمائدة المستديرة واتفاقية اديس ابابا والخرطوم للسلام وفشودة ونيفاشا وابوجا وطرابلس.. والشرق والقاهرة.. وتعثرها كلها بسبب بسيط وواضح.. هو عدم انتباه الطلائع المثقفة والمهتمة بالفكر لواجبها في محو آثار سياسات المناطق المغلقة.. ولم تنتبه الى طبيعة المجتمع السوداني الفريدة المتميزة حتى تعمقت ممارسات الاستعلاء العرقي والثقافي والديني.. وهذا ليس بالنسبة للجنوب وحده.. وما ظهور الكتاب الاسود في عام 0002م متزامناً مع صراعات الاسلاميين الا تعبير صادق عن الفشل الذريع لكل الساسة والمتعلمين في ادارة الهم الوطني بعد الاستقلال.. وما يدور هذه الايام بشأن نتائج الاستفتاء يؤكد هذا الفشل بصورة اكثر خطورة واعمق مأساوية. ٭ عام 0002م نشر مركز عبد الكريم ميرغني للدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه كتاب «السودانيون والبحث عن حل لازمة الحكم»، تناول فيه موضوعات كثيرة اهمها موضوع وحدة السودان الجغرافية والسياسية واكد عليه ولكن ما لفت نظري هو ما جاء تحت عنوان «المؤشرات الباكرة لازمة الحكم». ٭ رأيت اليوم ان اهديها للاخ الاستاذ الطيب مصطفى الذي يرى الوميض او النار تحت الرماد، ولكل اعضاء منبر السلام العادل ولكل الذين ارادوا ان يقلبوا المعادلة ويخففوا من مسؤولية الذين تمادوا في نقض المواثيق والعهود منذ اديس ابابا وحتى نيفاشا الماثلة. ٭ «ان الايمان بوحدة السودان الجغرافية والسياسية والحرص على الابقاء عليها ينبغي الا يطمس حقيقة مهمة وهي ان مهددات هذه الوحدة كانت ماثلة في الافق قبل ان ينال السودان استقلاله في يناير 6591م، فمقررات مؤتمر جوبا 7491م لم تكن لوحدها كافية لاجتثاث الآثار والرواسب التي خلفتها السياسة الاستعمارية.. فقد عمقت تلك السياسة الاحساس بالتمايز العرقي والديني والثقافي بين الشمال والجنوب، وجعلت الجنوبيين يرتابون في نوايا ومقاصد الشماليين.. وبمطالعة مداولات مؤتمر جوبا نفسه نلاحظ ان بعض ممثلي الجنوب طرحوا فكرة انشاء مجلس استشاري للجنوب ليتدرب فيه ابناء الجنوب على شؤون الادارة والحكم قبل انخراطهم في الجمعية التشريعية، وطالبوا كذلك بضمانات لحمايتهم من تسلط الشماليين. ٭ وقد حاول سير جيمس روبرتسون، السكرتير الاداري لحكومة السودان ورئيس مؤتمر جوبا، تنفيذ كل هذه الريب والشكوك في الاقتراح الذي تقدم به في الاجتماع الذي عقده مجلس الحاكم العام في 91 يوليو 7491م، فقد طالب بضمانات لحماية الهوية الاجتماعية والثقافية لجنوب السودان ضد التسلط وسوء الادارة من قبل حكومة مكونة بصفة رئيسية من شماليين. اواصل مع تحياتي وشكري