من أغاني التراث بعربي جوبا «1» مشروع الدولة السودانية إن مشروع الدولة السودانية الحديث اخذ مناحي عدة في التوجه ما بين الرهان على الآراء المستوردة، والآراء ذات الوجهة الوطنية. او بالاصح ما بين التماهي مع الوافد، والتمسك بما هو سوداني، وفي سبيل الوصول الى الاهداف، فقد هدت اصنام وازيلت قمم، بل تفككت بنيات، ومتى معيار زوال الحضارات، كما جاء في مقدمة ابن خلدون اذا ما قارناها بمعيار النهضة في السودان، فهو من واقع الحال قد ضرب الرقم القياسي، بما هو مسلم به، وما هو غير مرغوب فيه، وكل الذي يشار اليه لهو عاكس لصورة غير مقبولة «بمفهوم الدولة» ولا ندري لم هذه المفارقات اهي بسبب الاختلاف البيئي والتدخل الاثني ام بسبب الطقس وغير المناخ؟! وهل للمساحات الشاسعة والغابات الممتدة دور يذكر؟! واذا قلنا ان عمار الارض في عمار الانسان، فالانسان السوداني هو الانموذج منذ انسان «سنجة» وعبر عصور ما قبل التاريخ المكتوب بميلاد السيد المسيح ففي كل تلك الحقب، كانت الدولة السودانية سباقة وذات نفوذ طاغي بين الامم، والى العصر الحديث حيث النهوض المعرفي، وعبر كل الاكتشافات العلمية والحضارية، والتي احدثت النقلة النوعية والتطور في طبيعة الحياة ومن يومها كان انسان السودان، القريب من موارد المياه باشكالها المتعددة من انهار وامطار ومياه وجوفية ذو مساهمات جيدة في انشاء الحضارة المادية وغير المادية، والملاحظ ان الاعتقادات والعادات والتقاليد للحياة في افريقيا جنوب الصحراء والتي تمتد من الاقليم الصحراوي مرورا بشبه الصحراوي.. وصولا الى الاستوائي حيث الامطار التي تسقط على طول العام.. كانت وما زالت تمثل ارض الميعاد وقبلة «الامصار» لكل صاحب حاجة.. ومن هنا كانت وما زالت هي مدخل الاطماع للغير. «2» الاستفتاء ما بين الحرب والسلام لا يمكن الحديث عن مستقبل السودان بمعزل عن رحلة مشروع السلام ما بين الوحدة والاستقلال الكامل عن دول الجوار وتطلعات الرافع الدولي. لماذا؟ لان مشروع الرافع الدولي قد اثبت فشله منذ موتمر جوبا 4791م حينما كان الخيار المطروح هو ضم الجنوب الى دول شرق ووسط افريقيا، ام ضمه الى السودان، وكان الخيار الارجح ان تم ضم «الجنوب السوداني الى شمال السودان»، اي الى حضن الوطن الدافي، ومن يومها تم تفويت الفرصة على كل من رهن مستقبل الوطن الغالي، الى اماني واطماع الدول ذات المآرب وبدون استثناء، سواء من كانت مستعمرة للسودان باسم الشراكة «الثنائية» او مازالت طامحة في تحقيق الاستفادة من اراضي السودان الواسعة، باسم الاستثمار او اعمار الجنوب باسم «الدعم الاجنبي»!! والسودان العريض قد تم الاجماع على حدوده وبنياته، في العديد من مراحل التاريخ واحداثه، فمنذ الانتصار الذي حققته الدولة المهدية في القرن التاسع عشر وما تم من ترسيم للحدود لدولة السودان الحديثة بعد التحرير الذي تم للخرطوم من براثن المستعمر الخديوي في يناير 1885م.. وصلا الى الاجماع الذي ادهش كل من راهن على مفهوم الشراكة في اطار الوحدة مع دولة مصر الخديوية، لينتصر الشعب السوداني بقيام دولته المستقلة واعلان الاستقلال من داخل البرلمان في ديسمبر 5591م ومحتفلا بعيد الحرية في 1/1/6591م وبذا يكون كل من ما زال يراهن باحلامه الذاتية وتطلعاته على حساب الوحدة القومية لجموع الشعب السوداني سواء كان في الجنوب او في الشمال في الشرق او في الغرب فهو بالضرورة حالم وسيفاجأ كما تفاجأت دولتا الحكم الثنائي، وكل دول الغرب المستعمرة في القرن العشرين لحظة رفع ابنائه الوطنيين «استقلاليين واتحاديين» للعلم، وبرعاية كل الحادبين على الوصول بالشعب السوداني الى بر السلامة والسلام الحقيقي بالوحدة الجاذبة. «3» نيفاشا وأحلام السراب أو اللبن المسكوب على أرض الشراكة لم تحفل اتفاقية من اتفاقيات حرب الجنوب منذ العام 5591م وتجديدها في 3891م كما حفلت «نيفاشا 5002م» ولا حتى اجماع دونما توضيحات لا من معارضة ولا من حكومة، كما حفلت اتفاقية السلام الشامل. ولكن كل الاحلام التي بنى عليها الشعب من تحقيق للسلام، قد اصبح من باب احلام «ظلوط» وظمأ العطشان الملاحق لانهار السراب بسبب العطش، في عز هجير صيف الصراع ما بين «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» وآخرها ما حدث من تشبع باليأس لروح اكثر المنادين بالوحدة في الحركة الشعبية من جهود للمناداة بالانفصال، وهذا ما جرى على لسان «الامين العام للحركة القائد باقان اموم»، وتبعا لذلك قد راود الشك كل من راهن تاريخيا على مشروع ما سمى «بالسودان الجديد» كان عبارة عن منفستو وفكرة «آحادية» دفنت في حب الاماني السندسية برحيل «المفكر» لذا لا بد من التماس العذر للقائد «باقان» طالما ان المصداقية قد انعدمت والطرف الثاني ما زال يجدد مشاريع السراب «قمم واتفاقيات»، وبهذا احتوى كل الاتفاقية باسم المشروع الحضاري، وهو غير معني بالآخر حتى ولو ادى ذلك الى تفتيت السودان الى دويلات ولكن الامل ما زال معقودا على اشراقات التاريخ الناصع لقيادات الشعب السوداني وعبر العديد من الحقب، والتي فاجأ بها ابناء السودان البررة كل العالم، حينما اجمعوا على وحدة بلادهم واستقلالها في يناير 6591م وفي اكتوبر 4691م وحتى ابريل 5891م وامامهم اليوم التحدي الاكبر في يناير 1102م فهل يعيد ابناء السودان امجادهم الوطنية، ومفاجآتهم للواقع الدولي، ام سينجح الشريكان في نيفاشا على ضياع دولة السودان، ومن ثم إلقاء اللوم على احزاب المعارضة، كما أتى على لسان أحد مستشاري الرئيس في الايام السابقة وكأنما لسان حاله يقول «رمتني بدائها وانسلت».