الى أين ستجرنا السياسات الإقتصادية المتبعة في هذا البلد بعد ان ادركنا حجم التخبط الحاصل في السياسات العامة ؟ لقد دهشت للطلب الذي ساقه محافظ البنك المركزي برفع الدعم عن الوقود وهو يعلم ان السيد رئيس الجمهورية كان قد وجه من قبل بعدم المساس بسعر الجالون تخفيفاً علي المواطنين في بلد ظل يصدر البترول على مدى عشر سنوات دون ان ينعكس رفاهاً واستقراراً وراحة بال على عامة الشعب . إن نسبة الفقر في السودان ترتفع وسط السكان مع إشراقة كل يوم جديد بسبب السياسات الإقتصادية الخاطئة والتجارب العبثية من قبل الممسكين بملف الإقتصاد السوداني . ان محافظ بنك السودان اعترف في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير المالية بأن المصارف السودانية ظلت تمنح التمويلات لقطاعات غير إنتاجية، الامر الذي انعكس سلباً على الاوضاع الإقتصادية، وساهم مع عوامل اخرى في تدهور الأوضاع .. واذا استبعدنا مسؤولية البنك المركزي وقوامته على كافة البنوك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه ماهية تلك القطاعات هل هي حكومية وشركات إستثمارية أم مؤسسات خاصة تتبع لأشخاص بعينهم ؟ ان منح التمويل لجهات غير إنتاجية يعني تبديد المال العام ورإرتكاب البنوك وضلوعها في جرائم الأموال، وبالتالي السكوت على جرائم الجهاز المصرفي جريمة في حد ذاته، فياترى أين كان البنك المركزي طيلة هذه الفترة ؟. ان رفع الدعم عن الوقود يعني إرتفاع أسعار الضروريات تلقائياً، واذا كان سعر الرغيف الحالي وسعر رطل السكر وسعر تعريفة المواصلات خصوصاً البصات السياحية التي تتبع للحكومة وغيرها من الأسعار..إذا كانت كل هذه الأشياء لا تعني شيئاً للمحافظ ولمن يحذو حذوه، فإن هذا يعتبر بمثابة إعلان حرب على الفقراء واصحاب الدخل المحدود، وهم يمثلون تسعين بالمائة من الشعب السوداني . إن رفع الدعم عن اية خدمة تقدمها الحكومة للشعب مرفوض ، على الحكومة ان تبحث عن مخرج آخر يكفيها شرور الأزمة المالية الحالية ، عليها أن تراجع آداء شركاتها الإستثمارية التي تجاوز عددها الثمانمائة شركة، وعليها ان ترشد الصرف الحكومي وتعمل على إعادة المال المنهوب بواسطة منسوبيها - بحسب تقرير المراجع العام - الى الخزانة العامة، وعليها ان تحسم مسألة ديون السودان القديمة قبل إنفصال الجنوب، وتحول عائدات البترول الى الدولة الجديدة وإنتهاء ال( game) لقد حان الوقت لمراجعة كافة السياسات الإقتصادية بإعتبارها السبب الرئيسي في فشل الدولة السودانية ووصولها الى مرحلة الإفلاس فليس، من المعقول ان تمر عشرون عاماً كاملة تتخللها عملية استخراج البترول وتصديره في فترة ذهبية وصل فيها سعر البرميل الى اكثر من مائة وثلاثين دولاراً، وتمتلئ الخزانة العامة بالعملات الصعبة والمال المجنب، ثم نكتشف فجأةً على لسان صندوق النقد الدولي ان السودان يعاني من نقص حاد في مخزونه من النقد الأجنبي !!!.