في الندوة السنوية لبنك فيصل الإسلامي السوداني المقامة في قاعة الصداقة بالخرطوم تحت شعار (مآلات الاستفتاء وتداعياتها على السودان) دعا وزير المالية الأسبق الأستاذ/ عبدالرحيم حمدي إلى البعد عن الأجواء المشحونة بالتصريحات المتفلتة من قبل شريكي الحكم في السودان ونبه لضرورة الانطلاق من رؤية عقلانية نحو إقامة اتحاد اقتصادي يمنح الحريات الأربعة (الإقامة والتنقل والتملك والعمل) لمواطني الدولتين في حال الانفصال لضمان التواصل الطبيعي والتمازج الاجتماعي بين الشعبين دونما تعسف في المطالبة بترسيم الحدود والمماحكة حول مسائل التجنس والهوية الوطنية وغيرها من مواطن النزاع والخلاف بين تطلعات النخب الشمالية والجنوبية . ربما تعود أجواء الشحن السياسي والإعلامي إلى مسار الشراكة الملتبسة بين طرفي النقيض في المعادلة السياسية السودانية حيث بدت الحركة الشعبية ميالة لمشاكسة الحكومة التي وقعت معها على اتفاقية السلام الشامل، ولم تلتزم الحركة الشعبية بالحياد في صراع الحكومة والمعارضة الشمالية بل أخذت موضعاً متقدماً شكل رأس الرمح في المعارضة دونما إحساس بالتناقض بين موجبات الشراكة في الحكم والالتزام بمواقف المعارضة في آن واحد . . وقد دفعت القوى اليسارية في قطاع الشمال إلى تبني الخط المعارض للمؤتمر الوطني، وقد أشار الدكتور/ لام أكول في لقاء متلفز مع برنامج «مراجعات» بقناة النيل الأزرق إلى النزوع لمثل هذه المواقف المشاكسة منذ بدايات الشراكة خاصة في انتخابات نقابة المحامين عام 2005م . في المقابل حظيت الحركة الشعبية بشريك مرن ومتفهم في الجنوب ولم يبادر المؤتمر الوطني إلى مشاكسة حكومة الجنوب بذات القدر الذي يحدث في الشمال، بل أن مواقف الحركة الشعبية من تطبيق استحقاقات السلام كانت متناقضة ومربكة للشريك في كثير من الأحيان فهي التي طالبت بتأجيل التعداد السكاني في توقيت حرج وعبرت عن رفضها المسبق لنتائجه قبل إعلانها، كما حاولت عرقلة الانتخابات الماضية وعملت على تأجيل السجل الانتخابي والاقتراع بالتنسيق مع تحالف جوبا المعارض . . في الوقت الذي تعتبر فيه الحركة موعد إجراء الاستفتاء في التاسع من يناير 2011م، موعداً مقدساً دونما اعتبار لمبررات التأجيل الفنية واللوجستية الضامنة لإجراء استفتاء حر ونزيه وشفاف ومقبول محلياً ودولياً يأخذ في الحسبان طبيعة الجنوب المفتقرة لأبسط مقومات الترابط البري والاتصال، فلو استجابت الحكومة حينها لتحالف جوبا المعارض بقبول مسعى تأجيل إجراء الانتخابات إلى نوفمبر المقبل ومن ثم إرجاء الوفاء بالتزامات واستحقاقات السلام في مواقيتها المرسومة وفق جداول نيفاشا الزمنية فكيف سيتسنى الالتزام بإجراء الاستفتاء في موعده المقدس ؟!! . .لقد عجز مجلس الأمن لأكثر من أربعين عاماً عن تطبيق قراراته (242) و(338) وضمان حق تقرير المصير للفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة فهل جاء دعمه لإجراء استفتاء الجنوب في موعده من أجل سواد عيون الجنوبيين ؟!! .