أحسب أنه من الضروري ان نبسط القول فى هذه العجالة ، لتبيان حقيقة ان الانتخابات العامة بالنسبة للسودانيين كافة، أهم من الاستفتاء حول تقرير المصير بالنسبة للجنوبيين فقط . كما ان التأكيد على ان اختلاف الرأى حول هذه القضية مع سيادة النائب الاول لرئيس الجمهروية و رئيس حكومة الجنوب و رئيس الحركة الشعبية سلفاكير يحتاج الى أسانيد دامغة و براهين ساطعة و معالجة هادئة، إذ جاء فى الاخبار - و آفة الاخبار رواتها - ان السيد سلفاكير اكد ان استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان أهم للجنوبيين من الانتخابات العامة المقرر إجراؤها فى ابريل المقبل . أحسب ان هذه المقولة لا تدعمها بنود اتفاقية نيفاشا التى حرصت على تأكيد اجراء الاستفتاء من قبل حكومة منتخبة لتأخذ بنتيجة الاستفتاء ، وحدة كانت أم انفصالاً ، شرعيتها من حكومة منتخبة و صدقيتها من سلطة شعبية جاءت عن طريق انتخبات حرة و نزيهة . لذلك لم يكن من باب المصادفة ان تؤكد اتفاقية نيفاشا اهمية تقديم الانتخابات العامة على الاستفتاء , لذلك بات من الضروري إذا تم تأجيل الانتخابات ان يتم تأجيل الاستفتاء ، من باب المعلوم من اتفاقية نيفاشا بالضرورة. بالاضافة الى ان الانتخابات العامة شأن يُعنى به السودانيون كلهم شمالاً و جنوباً ، بينما الاستفتاء أمر يهم الجنوبيين وحدهم ، فالكل يقدم على الجزء و العموم يغلب على الخصوص تشريعاً و فهماً و سياسة . فى رأيي الخاص انه من المهم الحديث عن اهمية الاستحقاقات الانتخابية سواء كانت فى ابريل المقبل او تأجلت الى نوفمبر المقبل ، لأنها المدخل الرئيس و الحقيقي لإنفاذ استحقاقات التحول الديمقراطي فى السودان ،و الاستحقاقات الانتخابية تعد من التحديات الكبري التى تضمنتها بنود اتفاقية نيفاشا ، إضافة الى استحقاق الاستفتاء حول تقرير المصير فى جنوب السودان. و لا يخفي على مراقب الشأن السياسي السوداني خارجة و داخله ان هذا الحراك السياسي النشط الذى تشهده الساحة الساسية السودانية ان هذه التحولات و التطورات و التطورات غير المنكورة التى يشهدها الواقع السوداني الراهن ، بحثاً عن صياغة رؤية استراتيجية توافقية جديدة ترسم معالم الدولة السودانية مستقبلاً . و احسب ان اهمية الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها فى ابريل المقبل تأتي كونها اول انتخابات تعددية حقيقية منذ اكثر من عشرين عاماً ،و على ضوء هذه الانتخابات ستحدد معالم الخارطة السياسية للأحزاب و القوى السياسية من حيث الثقل التفويضي و التأثير الشعبي و انها اول انتخابات يشهدها السودان من حيث الاستحقاقات التنفيذية و التشريعية ، كالإستحقاق الانتخابي الرئاسي و استحقاق رئاسة حكومة الجنوب ، و انتخاب الولاة فى ولايات السودان المختلفة و استحقاقات انتخاب المجلس الوطني (البرلمان القومي) و المجالس التشريعية الولائية بالاضافة الى المجلس الترشيعي لجنوب السودان. اخلص الى انه يتضح لنا جلياً بعد التفصيل الموجز أهمية الاستحقاقات الانتخابية بالنسبة للجنوبيين قبل الشماليين، لأتنها مربط الفرس فى إنفاذ استحقاق الاستفتاء على تقرير المصير فى الجنوب ، حسبما جاء في بنود اتفاق نيفاشا. و لقد شغلت القضايا العالقة بين الشريكين (المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية ) عن تنفيذ جوانب مهمة فى الاتفاقية التى إن قُرئت قراءة متأنية نجد فيها عوامل كثيرة لجعل خيار الوحدة جاذباً للجنوبيين و الشماليين معاً ،و لكن يبدو ان تكريس المؤتمر الوطني جهوده كافة لدعم سلطته و سلطانه فى الشمال و الحركة الشعبية فى الجنوب ، جعل هذا الخيار تائهاً بينهما . و لكن يلاحظ ان الاستحقاقات الانتخابية فى اطار الحملات الانتخابية دفعت المؤتمر الوطني في الاتجاه الجنوب وكذلك الحركة الشعبية في اتجاه الشمال من خلال مرشحيها للاستحقاق الانتخابي الرئاسي وقد استوقف الكثيرون هتافات سلفاكير أمام حشد جماهيري خلال زيارة الرئيس عمر البشير المرشح الرئاسي للمؤتمر الوطني لبعض مدن الجنوب أخيراً، منها هتافه الصريح (مؤتمر وطني وييي..وهكذا رددت الجماهير الجنوبية المحتشدة ذات الهتافات، بينما السيد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية يؤكد لدي مخاطبته حشدا جماهيريا في الفاشر يوم الاثنين الماضي (أنه (اذا انتخب البشير رئيساً للجمهورية، فان الجنوب سينفصل وفي اطار مشاكسة الشريكين أوضح السيد ياسر سعيد عرمان مرشح الحركة الشعبية للاستحقاق الرئاسي خلال حملته الانتخابية في دارفور (أن الحركة كانت تقف مع الرأي المطالب بتأجيل الانتخابات، باعتبارها ستعقد الحل السياسي في دارفور وعزا موافقتها علي خوض العملية الانتخابية الي اصرار المؤتمر الوطني الذي رفض التأجيل). فالمراقب للشأن السياسي السوداني ولا سيما الحملات الانتخابية في حيرة من أمره بين هتافات سلفاكير ورخصة تجاه المؤتمر الوطني وشدائد أموم وعرمان تجاه دعم الشريك المؤتمر الوطني فربما تدفع هتافات سلفاكير الي تفعيل مقومات الشراكة الغائبة، من حيث دعم الحركة انتخابيا للمؤتمر الوطني في دعم الحركة انتخابياً في الجنوب. وهكذا يفعل بنيان الشراكة، ويتلاقي الشريكان انتخابيا بعد أن ظنا ألا تلاقياً! وبذلك تصدق بعض الأقاويل التي بدأت تتردد في دهاليز السياسة في الخرطوم وجوبا من أن هتافات سلفاكير مقدمة لمواجهة شدائد أموم وعرمان.. والمؤتمر الوطني عيل صبره من الانتظار. ولما كان الهم الأكبر بالنسبة للسيد سلفاكير من معالجة القضايا العالقة بين الشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية)، انفاذ استحقاق الاستفتاء، باعتباره نهاية استحقاقات اتفاقية نيفاشا، ولكن الهم الأكبر للأحزاب والقوي السياسية حكومة ومعارضة، هو انفاذ استحقاقات التحول الديمقراطي في البلاد من خلال اجراء انتخابات حرة ونزيهة في ابريل المقبل لذلك تأجيل الانتخابات بات من المستحيلات، ولكن السياسة لا تعرف المستحيل، فالسياسة هي فن الممكن. فلا غرابة أن ينفي السيد الصادق الصديق المهدي مرشح حزب الامة القومي لرئاسة الجمهورية باعتباره من أكثر المطالبين بتأجيل الانتخابات أن تكون دعوة التأجيل قد صرفت حزبه عن معركة الانتخابات معلنا جاهزية حزبه لخوضها ب 956 مرشحا في المستويات الانتخابية كافة. وكذلك عمل الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي ان يستعد حزبه ويكمل جاهزيته للانتخابات في أبريل المقبل، وفي الوقت نفسه يدعو الي ضرورة تأجيل الانتخابات حيث رجح تأجيل الانتخابات في البلاد حال التوصل الي اتفاق مع الحركات المسلحة في دار فور، ورهن الحزب الاتحادي الديمقراطي (الاصل) موافقته علي تأجيل الانتخابات بمعالجة ما أسماه بالخروقات. وقال حاتم السر مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية في تصريحات صحيفة أول من أمس (ان كان التأجيل مجرد زمن اضافي يصبح لا قيمة ولا معني له). أما المؤتمر الوطني فهو الحزب الوحيد الذي لم يتحدث في أي مرحلة من المراحل عن تأجيل الانتخابات بشرائط أو بدونها، لذلك حرص السيد علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني علي التأكيد بأن قمة الايقاد التي انعقدت في نيروبي أخيراً لم تطرح قضية تأجيل الانتخابات والاستفتاء، مؤكدا أن الانتخابات والاستفتاء علي تقرير المصير في جنوب السودان سيكونان في موعديهما المقررين حتي واشنطن رفضت أي تأجيل في الجدول الزمني المعلن للانتخابات حيث أعلن سكوت غرايشون المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي باراك أوباما الي السودان يوم السبت الماضي (أن الولاياتالمتحدة تؤكد اجراء الانتخابات السودانية في موعدها المحدد في ابريل المقبل دون تأجيل). مشيرا الي أن الولاياتالمتحدة تشجع الحكومة السودانية علي اجرائها. مشددا علي اهمية الانتخابات موضحا (انها الأولي منذ 24 عاماً التي يعبر فيها الناس في السودان عن رأيهم والمهم أن عملية التحول الديمقراطي قد تعطي الجيل المقبل الأمل في المستقبل). بان من الواضح بعد هذه التفاصيل التي نسأل الله تعالي الا يكون الشيطان فيها (الشيطان في التفاصيل). ان الاستحقاقات الانتخابية ستقام في أبريل المقبل والمأمول منها انفاذ استحقاقات التحول الديمقراطي ورسم معالم الخارطة السياسية السودانية. والمأمول أيضاً ان تكون هذه الخارطة السياسية الجديدة ذات سهول كثر وتضاريس قليلة. وان كنا من قبل قد كتبنا كثيراً عن مسوغات التأجيل فاليوم مسوغات الاجراء أصبحت أكثر الحاحاً، ولكن ما ندري ما يكون في الغد. ولنتذكر في هذا الخصوص ما قاله الشاعر العربي هدبة بن الخشرم بن كرز: فان يك صدر هذا اليوم ولي فان غداً لناظره قريب . نقلا عن صحيفة التيار السودانية 18/3/2010م