أصدر الدكتور بيتر ادوك نيابا وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس القومي للتعليم العالي القرار رقم (41) لسنة 2010م، والخاص بتعديل المادة (28) من لائحة التدريب الموحدة لمؤسسات التعليم العالي لسنة 2003م، حيث يسري تنفيذ هذا القرار من تاريخ التوقيع عليه من قبل السيد الوزير في 2010/5/12م، وفحوى القرار هي انه (نسبة لازدياد معدل المبعوثين الذين يتقدمون بطلبات لتمديد فترة بعثاتهم بالخارج، وحيث أن هذه الحالات تبدو في ظاهرها مستوفية لشروط المادة (18) من اللائحة، ولكن يصعب على الإدارة المختصة التحقق من مدى صحتها، ولما يرتبه هذا الامر من مدلولات مالية تزيد من العبء الواقع على ميزانية التدريب، ويحد من فرص ابتعاث أساتذة آخرين ينتظرون دورهم، عليه تُعدّل المادة أعلاه كالآتي: يجوز تمديد فترة البعثة المصدق بها للمبعوث بحد اقصى لا يتجاوز ستة اشهر في حالات الضرورة، بسبب ظروف قاهرة حقيقية وخارجة عن ارادة المبعوث، ويثبتها بشهادة موثقة من جهات الاختصاص، وتُمنح للمبعوث أثناء فترة التمديد المذكورة علاوة العازب). هذا القرار صدر استنادا إلى احكام المادة 9 (د) من قانون تنظيم التعليم العالي لسنة 1990م، وبناءً على توصية الأمين العام. وهذه ليست المرة الوحيدة التي يتم فيها اتخاذ قرارات من هذا النوع بخصوص شريحة المبعوثين من التعليم العالي، لأغراض التأهل لدرجات علمية مطلوبة بإلحاح، مع الواقع البائس للجامعات السودانية أكاديميا وبحثيا واجتماعيا. فقد سبق للوزارة أن قررت وقف الابتعاث للخارج لأسباب تتعلق بضعف الميزانية المخصصة للتدريب، ثم اتبعت ذلك بأن الوزارة سوف تلتزم بتذاكر السفر فقط للمبعوث، على أن يتولى الأخير تدبير بقية المستلزمات المالية لدراسته مع جامعته، أو من تدبيره الخاص، او من اية جهة.. المهم ان مسؤولية الوزارة لا تتجاوز تذكرة السفر، علما بأن هناك رسوماً دراسية وتأميناً صحياً، ومواصلات وسكناً، واعاشة وخلافه، هذا الاجراء ادى الى تقييد حركة الابتعاث وسط الأساتذة، وعوّق خط الجامعات الخاصة بتأهيل أعضاء هيئة التدريس فيها، لمقابلة النقص الحاد الناتج عن الهجرة وسط الأساتذة، وتقليص السن المعاشية، وعدم وجود ميزانيات كافية للتعاقد مع أساتذة من الخارج، وعدم تفعيل بند التعيينات من وزارة المالية لسنوات عديدة وهكذا، واهم ما في الامر ان الوزارة قد رفعت يدها عن مسؤولية التدريب، وعلقت الموضوع في رقبة الجامعات المغلوبة على أمرها، وبالتالي فإن هذا القرار الأخير يثير الغرابة من نواحٍ عديدة. لقد عللت الوزارة قرارها بأن هناك أساتذة آخرين ينتظرون دورهم للابتعاث، في حين أنها قد تركت المسؤولية للجامعات واكتفت فقط بتذكرة السفر للمبعوث، فهل قُصد بهذا القرار أن الوزارة تريد توفير قيمة تذكرة السفر للمبعوث، ام انها غيرت سياساتها في ما يتعلق بالتدريب وتحملت مسؤوليها الكاملة كما ينبغي؟! المعروف أنه حتى الآن فإن حركة الابتعاث تكاد تكون متوقفة تماما، وتسبب لذلك احباطا كبيرا لقطاع واسع من أساتذة الجامعة الذين هم في بداية الطريق، وتضيع سنواتهم في الانتظار غير المبرر المجهول، وحتى اذا افترضنا جدلا ان هناك منتظرين على الصف الوهمي للابتعاث، فلماذا تكون المعالجة على حساب زملائهم الذين هم في منتصف الطريق، يعانون ما يعانون في سبيل الانتهاء من دراستهم، بما فيها من معاناة غربة وتأخر استحقاقات ومهام اكاديمية شاقة. لماذا لا تقوم الوزارة بواجبها اللازم باقناع مجلس الوزراء ووزارة المالية بضرورة زيادة ميزانية الوزارة حتى تقابل مثل هذه الأعباء الثقيلة. فمن المهم للدولة أن تحصل على كوادر مؤهلة تأهيلا عاليا، كيما تلعب الجامعات دورها الحقيقي فيها، وهذا يتقدم من حيث الاهمية تخصيص مليارات الدولارات لاستيراد سيارات فارهة لقبيلة ما يُعرف بالدستوريين. ومن ناحية ثانية فإن الحيثيات التي انبنى عليها القرار نفسه تُعتبر كلها واهنة وغير مدروسة بأية درجة من العقل والعقلانية، فمبرر التضييق على المبعوثين في عملية الحصول على تمديد للبعثة بحسب نص القرار، هو أن الحالات تبدو في ظاهرها مستوفية للشروط، ولكن يصعب على الادارة المختصة التحقق من مدى صحتها...إلخ. وهذا اتهام لهؤلاء الاساتذة بعدم الامانة دون وجه حق.. هناك خطوات اجرائية حسب نظام البعثات يتم اتباعها لتمديد مدة البعثة الدراسية بهذا القدر او ذاك. ودائما تكون هناك مكاتبات رسمية من الجهة التي يدرس فيها المبعوث ومنه ايضا ومن ادارة التدريب في جامعته التي اُبتعث منها واجتماعات وقرارات وهكذا... لأن الجامعة تكون حريصة من جانبها على أن يعود المبعوث حتى يشارك في العملية الاكاديمية بها بكفاءة أعلى تخفف عليها كثيرا من الأعباء، والمبعوث نفسه يهمه ان ينتهي من دراسته بأعجل ما يكون، لأن المعاناة التي يعيشها سواء بسبب الدراسة نفسها او بسبب ظروفها، لا تغري انسانا أن يبقى فيها لفترة اطول إلا اذا كانت بالفعل هناك ظروف قاهرة فرضت ذلك. إذن كل اطراف الاجراء هم حريصون على انجاز مهمتهم في وقتها، فضلا عن أنهم على قدر من المسؤولية بحكم مواقعهم وبحكم تأهيلهم وأهليتهم، لذلك فقرار الوزارة هذا يجرد كل هؤلاء من الاحساس بالمسؤولية، ويحصرها فقط في الجهة التي اوصت بهذا القرار (الامين العام)، وهذا تقدير في حد ذاته لا يتوفر فيه الشعور بالمسؤولية. كما أن القرار انبنى من ناحية على أن الادارة المختصة يصعب عليها التحقق من مدى صحة حالات التمديد، بمعنى أن جهة القرار قد اتخذت الحل الساهل وهو افتراض أن المبعوثين، وادارات الجامعات التي يدرسون فيها وادارات الجامعات التي ابتعثتهم كلهم (مستهبلين) ويكذبون. وعليها ان تحسم الامر بهذه الخطوة المتهورة.. اذا كانت الادارة المختصة لا تستطيع أن تدقق في صحة الاجراءات الخاصة بها في مثل هذه الأحوال، فعليها ان تراجع نظامها وتعيد النظر فيه وتبحث عن صيغ لمعالجة الخلل فيه، او تعترف هذه الادارة المختصة بأنها فاشلة وغير مؤهلة لأداء واجباتها وتستقيل أو تُلغى... هذا افضل من هذه الحلول العشوائية. اما تعديل المادة بما يجوّز التمديد لمدة لا تزيد عن ستة اشهر وايراد شروط من نوع حالات الضرورة وظروف قاهرة حقيقية، وخارجة عن ارادة المبعوث، فهل هناك حالة واحدة من حالات طلب تمديد البعثة لا يتوفر فيها هذا النوع من الشروط؟ وهل هناك ظروف قاهرة وهمية؟! والمطالبة بشهادات موثقة لا ندري ما جدواها اذا كانت كل المكاتبات تتم بعلم السفارة المعنية في البلد المعني وبعلم وزارة الخارجية. اما مدة الستة أشهر كحد اقصى، ففيه تناقض مع الشروط المذكورة أعلاها، حيث أن المدة تحددها الظروف التي استوجبت التمديد للدراسة، وبالتالي لا يجوز منطقا تحديد المدة، طالما أن الامر كله مربوط بظروف حاكمة له. وأخيراً فقد حدد القرار انه تُمنح للمبعوث أثناء فترة التمديد المذكورة علاوة العازب، اذا كان التمديد قد تم استيفاؤه وفقا للشروط المذكورة (ظروف قاهرة خارجة عن الارادة...)... فما المقصود بأن يُمنح المبعوث علاوة العازب والتي تختلف تماما عن علاوة من يصطحب معه أسرته. هل المقصود خلق ظروف ضاغطة جديدة تعوق هذا المبعوث عن أداء مهمته، ام معاقبة له بأن سمح للظروف ال (الخارجة عن الارادة) من فرض نفسها عليه، ام رغبة في الانتقام والتشفي من كونه مبعوثا من وزارة التعليم العالي ذات (البخت المايل)...؟!! فوق هذا وذاك فإن تطبيق مثل هذا القرار على اي مبعوث قبل تاريخ التوقيع عليه (2010/5/12م) فيه إجحاف وإرباك شديدين على هؤلاء، فالقرارات يجب ألا يتم تطبيقها بأثر رجعي. ومن الممكن ان تُطبق على من يتم ابتعاثهم بعد هذا التاريخ (إن وُجدوا).. هذا إذا وافقنا على هذا القرار غير الموضوعي من حيث الأساس. بتقديرنا أن هذا القرار لا معنى ولا مبرر له، وهو يضر أكثر من كونه ينفع، لأن فيه تحاملا وتضييقا على المبعوثين واثقالا شديدا عليهم فوق ما هم عليه، فضلا عن كونه انبنى على افتراض عدم الامانة وعدم المسؤولية فيهم، وهذه إهانة ما كان ينبغي أن تصدر من الوزارة التي عليها مسؤولية رعاية المبعوثين ومساندتهم أثناء عملهم حتى يعودوا بدافع اكثر وطنية واخلاصا لبلدهم ولواجباتهم.. ومن واجب ادارة التدريب تحديدا أن تتحمل مسؤولياتها بجدية، وتحرص على ايصال مستحقات المبعوثين ومتأخراتهم المتراكمة لهم في اقرب وقت، وتقيهم شر الحرج وغلبة الدين وبؤس الحال في بلاد لا تعرف عبارة «إن شاء الله وربك يحلها».. هذا أفضل وأكرم من أن تلقي الوزارة وادارتها (المختصة) بلاويها وفشلها وعجزها، على هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة.