الخطوط الجوية السودانية نالت من الاهتمام الشعبي ما لم تنله مؤسسة أخرى ونالت من تصويب واهتمام المهنيين في مجال صناعة الطيران ما كان كافياً أن يجعلها في مصاف الشركات الرائدة لو وجدت طريقها للتنفيذ والاهتمام من الجهات صاحبة القرار. حظوة الاهتمام هذه ، نابعة من دورها الرائد أو الذي ينبغي أن يكون كذلك في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية وغيرها من الأدوار التي يضيق المجال عن إلقاء الضوء عليها بصورة موسعة الآن. الذي حدث يؤسف له حقاً إذ أن كل هذه الأدوار ظلت مشكوكة فيها وتكتنفها كثير من عدم الثقة والتقليل من شأنها من معظم الحكومات حيث ظلت هذه النظرة السالبة تسيطر على عقول كثير من المسئولين دون مبررات منطقية ، علماً بأن تطويرها وترقيتها يعتبران من صميم مسئولياتهم .. معظم الدول المتقدمة منها والنامية والتي منحت شركاتها الوطنية مثل هذا الاهتمام ، تمكنت من إخراج شركات رائدة وقادرة على التطور و التنافس ومواكبة المتغيرات. هذه الجوانب مجتمعة افتقدناها في الخطوط الجوية السودانية وقد تسبب فقدانها في جعلها شركة قعيدة ، ومنهكة لا تقوى على التنافس وتلبية رغبات الزبائن بالصورة اللائقة وغير قادرة على التطور ولن استرسل في هذه الجوانب كثيراً لأنها وجدت اهتمام الحادبين والمهنيين ما يكفي . ولكن في هذه السانحة سوف اتطرق الى الأمور التالية : 1- لماذا فشلت مجموعة عارف هذا الفشل الذريع؟! 2- الاتجاه نحو تحويل مساهمتهم للشركة المصرية ، هل هو بمثابة كسر مركب إضافي في سيقان أنهكتها الجراحات الفاشلة ؟! 3- هل من بصيص للأمل عملاً بمقولة (لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس)؟! منذ أن تقرر دخول مجموعة عارف كمساهم رئيس في أصول الخطوط الجوية السودانية منذ أكثر من ثلاث سنوات تقدمت بسلسلة من المقالات في جريدة الصحافة كان الهدف من ورائها إلقاء الضوء على الجوانب الهامة والتي من الممكن - لو اتبعناها- أن تجعل من مشروع خصخصة الخطوط الجوية السودانية مشروعاً رائداً حيث تضمنت تلك المقالات توصيات ومحاذير والتي كانت معظمها مقتبسة من تجارب مماثلة لشركات طيران إفريقية وغيرها . بعضها سجل نجاحات باهرة والآخر سجل إخفاقات مؤثرة ، وبناء على ذلك وعوامل أخرى تحيط بالخطوط الجوية السودانية تحديداً اقترحت المسار الصحيح لخصخصة الشركة حيث اقترحت توصيات كنت وسوف أظل أؤمن بأنها تمثل المسار الصحيح والطريق الأوحد لإنجاح هذا المشروع والذي لا يخلو من تعقيدات متداخلة ، كما أوضحت في الجانب الآخر المحاذير التي ينبغي تفاديها والعمل على التقليل من انعكاساتها السالبة . في الواقع هنالك مساحة شاسعة تلك التي تفصل بين الخصخصة الراشدة والتي لها مسار حرج (Critical Path ) مثلها مثل أي مشروع متداخل ، وبين البيع كما هو (Where it is as it is ) ذلك أن الخصخصة الراشدة ينبغي أن تتم وفق معايير واضحة تضع في الحسبان المتغيرات التي تحيط بصناعة الطيران عالمياً واقليمياً باعتبارها صناعة متغيرة ومتحركة وذات استثمارات كبيرة وعائد متدني نسبياً كما أنها تواجه قوانين عالمية هي الأخرى في حالة حراك مستمر وارتفاع مضطرد في تكلفتها، هذا إضافة للأسواق التي تنفرد بمنافسة شرسة وتفتقر الى عنصر التكافؤ بين الشركات في كثير من الحالات . وكل ذلك يجعل من خصخصة قطاع الطيران أمراً في غاية الصعوبة ويحتاج الى جهد كبير لإخراجه بالصورة الناجحة. إن الذي حدث في موضوع شراكة عارف هو بيع يحيط به غلاف سميك وداكن لا تنطبق عليه أي من شروط الشفافية أو توضيح للمكونات التي أدخلت في صناعة المنتج ! وقد تم ذلك تجاوزاً لضبط الجودة المطلوب! وهذا مما حدا بإدارات الخطوط الجوية السودانية بالتهرب الواضح من المثول أمام المجلس الوطني حيث تم استدعاؤهم لأكثر من مرة دون جدوى ، بالطبع ربما نجد لهم العذر إذ لا يوجد من بينهم من يعرف تفاصيل الاتفاق - والله أعلم . حتى الذين أبرموا الصفقة لم يمثلوا أمام المجلس للأداء بإفادتهم ربما وفقاً للمقولة العامية (الشينة منكورة) وإن كان الأمر كذلك ينبغي أن تكون أكثر حذراً لتجنبها مستقبلاً. لقد أوضحت في مناسبات سابقة مع بداية مشروع عارف أن الحال لو استمر كما هو فإننا سوف نتجرع مزيداً من كأسات الفشل والإحباط. بكل اسف لقد سار الوضع عكس ما كان نرجوه والصورة التي أمامنا الآن تغني عن السؤال ! إضافة الى عدم الشفافية فإن تلك المساهمة قد جانبها التوفيق للأسباب التالية : أ/ مجموعة عارف لا تمتلك أدنى مقومات الدراية بشئون صناعة الطيران وهي صناعة تحتاج الى علم وتخصص وممارسة لا تنطبق أي منها على هذه المجموعة ومعلوم أن صناعة الطيران هي صناعة معقدة و متداخلة وتحتاج الى قدر وافر من المهنية للدخول فيها . ومن غير ذلك يصبح ارتيادها ضربا من ضروب المغامرة غير المحسوبة ونتيجتها الحتمية هي فشل بائن وإحباط متواصل وهو ما نراه ماثلاً أمامنا. ب- وبما أنها لا تمتلك مقومات الدراية المطلوبة ، لم يكن لديها برنامج للإصلاح ومن ثم إعادة إخراجها لتصبح شركة قادرة على التنافس والتطور ، ولكن بكل أسف قد تم التعامل معها على مبدأ تسييرها بوضعها الراهن وظروفها الحالية دون تغيير يذكر .. جدير بالذكر أن وضعها خاصة بعد عام 2004م قد أصبح مأساوياً وقاسياً ومظلماً بعد الإجراءات الفاشلة التي حدثت في أغسطس 2004م وما أعقبها من فوضى ضربت أطنابها .. وبالتالي فإن التعامل معها وهي في تلك الحالة ، يستحيل معه الإصلاح خاصة فيما يتعلق بالعنصر البشري والذي تم تعيينه بصورة عشوائية لم تراع أبسط أنواع المعايير الضرورية . ج- مجلس الإدارة وإدارتها التنفيذية هي الأخرى كانت ولا تزال بعيدة عن أبسط مقومات الشروط المطلوبة في إنسان الطيران مما جعلهم يتخبطون دون هدى في اتخاذ أبسط القرارات مما فتح المجال أمام تكتلات موازية للإدارة كل يتعامل وفق أهوائه دون رادع وذلك ناتج عن الضعف الإداري والمهنية المفقودة ، هذا بدوره أضاف عبئاً آخر على مشروع الخصخصة الفاشل أصلاً. د- لا أحد يعرف حتى الآن على وجه الدقة حسابات الشركة الحالية وأوجه الصرف منذ 2004م وحتى الآن ، كيف تم شراء الطائرات وإيجارها وما هي تكلفتها ومن هم من ورائها (مثل طائرات ثم شراؤها بين عام 2004 - 2007م وأخرى تم إيجارها خلال الشراكة الحالية). هنالك ايضاً مواقع الشركة في مطار هيثرو والتي تمثل أحد الأصول غير المرئية الهامة (لا تقل عن أربعين مليون دولار ) تم التعامل معها خلال الشركة الحالية بصورة تدعو الى الحسرة والإشئمزاز ، هذه مواقع حافظت عليها الشركة ولم تتخلَ عنها في أحلك الظروف والآن افتقدتها إلى الأبد حيث تم بيعها!. ه- خصخصة الخطوط الجوية السودانية كان من المأمول أن تعيد صياغة الشركة من جديد كما حدث لكثير من الشركات ولكننا انتهجنا النهج الخاطئ وأهملنا الضروريات ومن ضمنها الجوانب الآتية والتي كان من المفترض أن تمثل الاهتمام الرئيس لإنجاز المشروع بالصورة المطلوبة: * إعادة التنظيم الإداري .. وهياكله .. وصفه الوظيفي بما يتماشى مع الوضع الجديد والمتوقع للشركة. * إعادة التوظيف و هذا بالضرورة يعني إعادة الهيكلة على أسس موضوعية تراعى مصلحة الشركة من مؤهلات و خبرات . * تدريب و تأهيل الكوادر الجديدة و التي بدورها يتم إختيارها بعيداً عن الأهواء و إعادة تدريبها وتأهيلها و وضع الخطط لذلك بغرض إستدامة الكفاءات لتحمل راية المستقبل . * إرساء اللوائح و النظم و المعايير و إنضباط العمل و مرتكزاته و تجهيز المراشد في شتى المجالات . * إرساء شروط الخدمة واللوائح المتعلقة بها من ترقيات و تدرج و تحفيز ........إلخ . * دراسة الخطوط دراسة علمية و إقتصادية و تحليلها على ضوء متغيرات الأسواق و المنافسة و وضع خطط التوسع أفقياً بزيادة المواقع و رأسيا بتكثيف الرحلات المنتظمة و العارضة . * مراجعة الإتفاقيات الثنائية و تقويمها بإتاحة الفرص المتكافئة في الأسواق و تأسيس مفاهيم و علاقات واضحة مع الطيران المدني في هذا الصدد و النأي بمثل هذه الاتفاقيات من القرارات الفوقية . * دراسة إستراتيجيات الأسطول على المدى القصير و المتوسط و الطويل لتتماشى مع متغيرات الأسواق و المنافسة و إمكانيات الشركة الذاتية . * إعادة تأهيل كل الخدمات المساعدة ( تموين مناولة أرضية ) و غيرها بما يخدم مصالح الشركة و إقتصادياتها و وضع الخطط لهذا الغرض . * إعادة تأهيل إمكانيات الهندسة و الصيانة و تطويرها . * أتمتة ( Automation ) كل مرافق الشركة خاصة بما يتعلق بالهندسة و قطع الغيار و خلافها مع إستجلاب البرامج في المجالات الأخرى . * وضع السياسات المالية و الضوابط التي تحكمها داخلياً و خارجياً . * تأهيل مركز التدريب بكل المعدات الضرورية مع إمكانية تأسيس طيران تشبيهي لبعض الطرازات و وضع البرامج لهذا الغرض . * إعادة النظر في مكاتب الحجز و إعادة تأهيلها مع زيادة إنتشارها و وضع أسس جديدة للتعامل مع الوكالات داخلياً و خارجياً . * العمل على إخراج كادرجديد في مجال تقديم الخدمة ( حجز - مناولة - ضيافة جوية ) و تدريبية ووضع البرامج لذلك بغرض تجويد الخدمة و الإحساس لدى الزبائن بأن هنالك تقدماً يحدث في هذا المجال . * إعادة تأهيل إدارة البضائع و تجهيزها بالطائرات الضرورية و المعدات و تدريب العاملين مع دراسة الأسواق ووضع خطط التوسع في هذا المجال . * إجراء دراسات تنويع الخدمة المصاحبة ( مبيعات داخل الطائرة - فنادق - و غيرها ) و العمل على تطويرها و ترقيتها لتحسين العائد . * إعادة الخطوط الجوية السودانية لوضعها المنوط بين المنظمات العالمية و الإقليمية و تأسيس علاقات خارجية مع شركات الطيران الأخرى تقوم على أساس المنفعة المشتركة و تبادل الخبرات و الاستفادة الثنائية أو المزدوجة من الأسواق . * العمل على خلق كادر في مستوى و درجة من الإنتماء و الإنضباط يعكس الصورة المثالية للشركة و هذه عملية مستمرة و متصلة ينبغي وضع البرامج الضرورية لها . * العمل على إعادة السمعة الممتازة و المفقودة تماما للشركة مع الجمهور و ذلك عن طريق التدريب و التثقيف و العمل الدؤوب و مواكبة التطور . أستطيع أن أؤكد أن أي من الركائز العشرين الموضحة أعلاه لم تجد من يستشعر أهميتها حتى يتم اعتمادها وظلت كأنها لا تعنيهم أصلاً ولست أدري كيف يمكن لتجربة استخصاص أن يكتب لها النجاح ومقوماتها الأساسية أضحت في غياب كامل. قبل اختتام مسببات الفشل لمجموعة عارف أرجو أن أقولها بكل الصدق أن تجربة الدولة مع مجموعة عارف في الخطوط الجوية السودانية كانت مقياساً للفشل والاحباط، وادمانه والسعي نحوه حثيثاً ، وأقولها مجدداً التحذير ، أن عدم الاستفادة من هذه التجربة يعني بالضرورة إخراج مأساة بمسميات جديدة . وارجو أن أكون أكثر صراحة وأوضح أنه حتى هذه اللحظة أن أي من هذه المقومات المطلوبة لمسار الخصخصة الناجحة تسجل غياباً كاملاً وأنني في هذه السانحة أخاطب أصحاب القرار في الحكومة وأقول لهم (تريثوا قليلاً وأطلبوا المشورة من المهنيين في هذا المجال فهم كثيرون لكنهم لا يحبون الأضواء). قبل الاسترسال في سرد التوصيات التي نراها ملائمة أرجو أن أوضح أن ما أود أن أعكسه هنا هي توصيات يشاركني فيها كثيراً مجموعة مهنية ومستنيرة من الكفاءات المحبوسة في مجال الطيران وقد ظللنا خلال الآونة الأخيرة نتفاكر من خلال لقاءات خاصة ومتعددة في أوضاع الشركة وكيفية الخروج من هذا النفق المظلم .. وإنني وغيري من الزملاء أشهد الله ، وملائكته ، ورسله والمؤمنين أجمعين أننا لا نسعى من وراء هذه التوصيات الى كسب زائل أو تحقيق مآرب ذاتية مهما كانت لأننا نعلم علم اليقين أن من جعلوها هدفاً لتحقيق مكاسبهم الشخصية في أي من مستوياتها يمثلون السبب الرئيسي لتدهورها وفنائها. مساعينا هذه تنطلق من انتماء راسخ لهذه المؤسسة التي احببناها ونتطلع أن نراها كما نرى مثيلاتها في الدول الأخرى وأننا نتقدم بذلك النصح لوجه الله لا نريد جزاء ولا شكوراً ولوجه الوطن وللخطوط الجوية السودانية الحزينة المظلومة. 2-المساهم الجديد : بالرجوع الى الجزء الثاني من المقال واعتماداً على مصادر تفيد بأن مساهمات عارف والفيحاء في طريقها الى شركة مصرية وفي هذا الصدد نرجو أن أوضح أن مساهمة مجموعة عارف والفيحاء ينبغي أن لا تعامل كأنها واحدة من المساهمات الخاصة بعشرات أو مئات من الشركات أو الأفراد يحق لهم التعامل معها بيعاً وشراء كما يحلو لهم .. هذه المساهمة تحديداً ينبغي أن تخضع لشروط أهمها أن لا يتم التنازل إلا بموافقة المالك الأصلي وهو الحكومة. هذا الذي ينبغي أن يكون عليه الحال ما لم يكن قد ضاع هذا الشرط وسط مقولة (دفن الليل أبو كراعاً بره) والذي تم بموجبه التنازل من نصيب الدولة .. هؤلاء يملكون 70% من أصول الشركة ، إذا لا يعقل أن يفرض مشترٍ جديد على المالك الأصلي ربما لا يكون مقبولاً لديه . الذي يهمنا في هذا الصدد هو عدم إخراج مأساة جديدة مع مساهم جديد لهذا السبب وللأسباب التالية فإنني أدعو متخذي القرار بإتخاذ خطوة عاجلة لإيقاف إجراءات تحويل المساهمة اليوم قبل الغد. أسباب أخرى تدعم هذا الموقف ألخصها في الآتي أ/ الخطوط الجوية السودانية مؤسسة وطنية هامة ولها دور استراتيجي رائد قامت بأدائه على مر الحقب بكفاءة عالية وأقعدتها الظروف المحيطة بها الآن عن مواصلة المشوار بالصورة المرجوة . هذه المؤسسة لها استحقاقات من ضمنها حقوق النقل . إن فتح الاجواء الذي يتم الآن بهذه الطريقة أعتقد أنه تحرير أرعن وغير مفيد . لا أقول ذلك من أجل الخطوط الجوية السودانية فحسب ، ولكن من أجل الاقتصاد القومي للبلاد . إن الطيران المدني بهذا الأسلوب يتحصل على دريهمات معدودة مقابل الهبوط والإيواء ويترك الجمل بما حمل لشركات أخرى ، كان من المأمول أن يتحصل عليه الناقل الوطني لو تم تأهيله لهذا الغرض. ولكم أن تتصوروا كم من مئات الملايين من الدولارات تضيع من بين أيدينا نتيجة لهذه السياسة الهوجاء . ولذلك فإن أي طارق يأتي في خضم هذه المتغيرات المتداخلة لا اعتقد أنه طارق استراتيجي لكنني لن أتردد في أن أقول إنه طارق انتهازي .. ينبغي أن نتجنبه. (معلوم لغوياً ان الطارق هو الذي يتسلل ليلاً ويتجنب الظهور في وجه النهار) وطرفة الراحل عبد الله الطيب مع تلميذه في الآداب في هذا الصدد ليست ببعيدة عن الأذهان . الشاهد أن الخطوط الجوية السودانية قد أصيبت بمرض جديد لم تعانِ منه في تاريخها الطويل وهو ما أطلق عليه من قبلي مجازاً مرض (أم غمتي) وهو داء عضال ينخر في العظام ويطلع علي الأفئدة (نسأل الله السلامة) . إن شركة الخطوط الجوية السودانية مؤسسة ملكاً للشعب السوداني أو هكذا ينبغي أن تكون لذا فإنني أخشى أن تكون الزيارات الماكوكية التي لم تنقطع خلال الأشهر الماضية بين الخرطوم والقاهرة هي من أعراض هذا المرض. أقولها لإدارة الشركة العليا إن أعلنتم أهدافكم ومراميكم من البداية كان ذلك خير لكم لأنه لو سلكتم الطريق الصحيح وجدتم السند والتأييد وإن سلكتم طريقاً آخر وجدتم التصويب قبل أن يقع الفأس في الرأس ، وفي كلتا الحالتين تفوزون بإحدى الحسنيين (الله أكبر ولله الحمد). ب- شركة الطيران في كل أنحاء العالم تحمل علم البلاد واسم البلاد وثقافة البلاد التي تنتمي إليها فهي مؤسسات أن لم ترقَ الى مستوى السيادة فهي ليست ببعيدة عن هذا الوصف. ج- بما أنها تحمل علم البلاد فإنها في حالة الحاجة الماسة يمكن أن تلعب دوراً أمنياً هاماً في حماية مصالح البلد الذي تنتمي إليه ، وهذا أمر يعلمه المختصون بالأمن. نصيحة للقادم المرتقب : اننا ومن منطلق (الدين النصيحة) أتوجه للشركة المصرية التي تود الدخول في هذا المجال بأن تتريث قليلا أمامها درب شائك في طريق مظلم ونؤكد لهم أنني شخصياً لا اعتر ض على دخولهم كمبدأ لشريك إستراتيجي ولكن أقول بكل الصدق والأمانة إن الظروف المحيطة بالخطوط الجوية السودانية حالياً ظروف استثنائية تحتاج الى كثير من الإصلاح الداخلي قبل التفكير في مساهمات أو غيرها - هذا بالطبع لو كان الهدف الرئيسي هو إخراج شركة مقتدرة بمواصفات جديدة - ففي هذه الحالة فإن المأساة سوف تتكرر بلا أدنى شك ونحن لا نريدكم سبباً في ضياع الوقت وضياع مستقبل هذه الشركة .. أما إن كانت هناك أهداف أخرى فذلك أمر لا يمكنني التعليق عليه. 3-هل من أمل ؟ إضافة للتوصية الرئيسية أعلاه فإنني أتقدم بهذه التوصيات : أ- إعادة هيكلة الخطوط الجوية السودانية بصورة شفافة وعلمية بعيدة عن الأهواء . ب- اختيار إدارة مهنية متمرسة وكذلك مجلس إدارة على مستوىً عالٍ من المهنية. ج- توفير ضمانات بنكية بعد إجراء دراسات الجدوى لتمويل الطائرات والمعدات والخدمات التكميلية الأخرى. د- تقوم الإدارة المقترحة بإصلاح المسار وتدريب كوادر جديدة لحمل الراية مستقبلاً .. ولوضع خطط للتطور والتوسع في شبكة الشركة داخلياً وخارجياً وإعادة علاقتها الدولية والإقليمية مع الشركات المصنعة والمنظمات الى سابق عهدها.. ه- تمنح الإدارة المتعاقد معها مدة لا تتجاوز أربع سنوات مع منحها صلاحيات واسعة للإصلاح وتغيير الحال الى وضع أفضل. و- إن عملية الإصلاح ينبغي أن تتم بمفهومها الشامل وأن أي اتجاه لتغيير مدير عام بآخر لن يجدي فتيلاً ولن يؤدي إلا لمزيد من الاحباط والفشل ، الخطوط الجوية السودانية في وضعها الراهن تحتاج الى أكثر من ذلك ، تحتاج الى إعادة التنظيم والهيكلة وإعادة صياغة الإنسان بالتدريب والتأهيل والعلاقات والمفاهيم ونظرة الدولة تجاهها . أشياء كثيرة أخرى لا بد أن تتفاعل مع بعضها لتحدث التغيير المنشود. ز- أن أي اتجاه لاستبدال شريك بشريك آخر مستقبلاً يجب أن يستشعر أخطاء الماضي والتعامل مع هذا الأمر - إن حدث - لابد أن يتم بواسطة مهنيين مؤهلين يقومون بوضع التقييم المتكامل لكل الجوانب المتعلقة بالأمر . وإننا في هذا الصدد نحذر ونكرر التحذير من تكرار الأخطاء. ح- العمل على استجلاب الطائرات دون إحداث التغيير المطلوب في هيكل الشركة والعاملين بها سيكون هو الآخر بمثابة خطوة كارثية أخرى إذ أن اختيار نوع الطائرات وتشغيلها اقتصادياً وفنياً يحتاج الى الكوادر المؤهلة. * نائب المدير العام الأسبق والمستشار السابق لمنظمة الطيران الأفريقية (آفرا) نيروبي