القارئ الكريم، هل الشعب السودانى مطالب باختراع العجلة كما يقولون؟ هل كتب علينا ان ندور فى حلقة مفرغة فى تجريب المجرب لحل مشاكلنا ومنها مشكلة مواصلات العاصمة؟ الخرطوم ليست هى العاصمة الوحيدة التى تدفق عليها اهل الريف فاكتظت بالملايين.. ان اختراع العجلة ليس حتميا، ولننظر كيف عالج الآخرون تلك المشكلة، ولنكف عن محاولاتنا التى لا تجدى مثل استيراد بصات ذات سعة اكبر او ترحيل المحطات الرئيسية من هذا المكان الى ذاك. إن أوضاع الخرطوم ينبغى أن تجد الاهتمام الذي تستحقه من الجميع: تخطيطها، انسياب مرورها، خضرتها وجمال ميادينها، أمنها، أسواقها، واماكن الترفيه فيها.. إنها المدينة التى تأوى ربع سكان السودان تقريبا، المدينة التى يوجد فيها القادمون من شتى انحاء السودان ومختلف قبائله لتتعايش وتتوحد على طريق تكوين امة سودانية واحدة «ذات رسالة خالدة»، هى كيف تنهض وتزدهر امة فتية لتستشرف المجد والفخار من خلال التنوع فى إطار الوحدة والحرية والديمقراطية. الخرطوم لها ما لها من مكانة فى تاريخ بلادنا الحديث، ولها ما لها فى الريادة والالهام لبقية الاقاليم. الأسطر السابقة مقدمة كان لا بد منها للدخول فى لب الموضوع، وهو كيفية حل مشكلة المرور والمواصلات فى عاصمة بلادنا. فى مطلع الثمانينيات عايش كاتب هذه السطور بداية العمل فى حفر الجزء الأول من نفق مترو انفاق القاهرة الذى اضطلعت به شركة فرنسية، وشارك فى تدشينه الرئيس الفرنسى. ليتخيل القارئ الكريم كمية ما يحتويه باطن أرض القاهرة فى موقع الحفر من كوابل وأنابيب مياه وصرف صحى «جاءت لاحقا انابيب توزيع البوتاجاز»، كل ذلك لم يعوق العمل وانطلق المشروع الى نهاياته.. ليس ذلك بغريب على مصر، وحقيقة انها بلاد شهدت وتشهد المشاريع العملاقة من لدن الاهرامات مرورا بقناة السويس والسد العالى وغيرها. لو كلف السودانيون تلك الشركة لانشاء مترو الخرطوم، فما أظن انها ستجد عشر ما واجهته من صعوبة عند إنشاء مترو القاهرة. ولنتخيل قطاراً ينطلق بتلك السرعة العالية من الكدرو الى وسط بحرى متوقفا عند محطتين فقط او ثلاث، وقطار آخر يتحرك من هذه المحطة الرئيسية الى منطقة شرق الحاج يوسف.. هل ستكون هناك ازمة مرور او مواصلات بمدينة بحرى؟ قطعا لا، لأن المواصلات بين محطات المترو وانحاء المدينة المختلفة مقدور عليها بعدد قليل جدا من المركبات لن تشكل زحاما او اختناقات. وإذا طبق هذا فى الخرطوم وأم درمان، فإن أزمة المرور بولاية الخرطوم ستنتهى تماما. إن الأوضاع الحالية تكبد الناس مشاقاً لا قبل لهم بها، وقد يتعذر عليهم الوصول إلى أماكن العمل والمدارس والجامعات، وقد ذكر أحد المواطنين فى استطلاع تلفزيونى بقناة «النيل الأزرق» أنه ذهب سيراً على الأقدام من الخرطوم لأم درمان..!! إذا كانت الحكومة تزعم أنها اتت بالمعجزات وشيدت المشاريع والسدود والطرق والكبارى، فعليها أن تزيل معاناة الشعب وتشرع اليوم قبل الغد فى انشاء مترو الخرطوم، الذى اتصور أنه سيكون فى معظم اجزائه سائرا فوق سطح الارض عدا اوساط المدن، تماما مثل «قطار المشاعر» بالسعودية الذى اكتملت التجهيزات لتشغيله بحسب جريدة «المدينة» السعودية ليوم الخميس 4 نوفمبر. إن قطار المشاعر هذا مزود بأحدث الوسائل التكنولوجية والأمان والاتصال وكاميرات المراقبة والتحكم التلقائى. فهذا القطار سيسهم فى تخفيض «30» ألف مركبة كانت تزحم الطرقات. وحسب جريدة «المدينة» فإن الطاقة الاستيعابية لنقل الحجاج بواسطة هذا القطار أكبر طاقة استيعابية للقطارات فى العالم، اذ تصل الى «72» الف مسافر فى الساعة فى الاتجاه الواحد. وللعلم فإن الشركة الصينية التى تقوم بهذا العمل بدأته منذ سنة واحدة تقريبا. الأعزاء القراء، أتصور أن بعضكم سيخاطبنى قائلا: إنك تحلم، فمن أين سيمول هذا المشروع؟ لا أقول لكم لا تسألونى «واسألوا العنبة» بل سأقول لكم اسألوا المراجع العام لجمهورية السودان الذى سوف يدلكم على بعض أموالكم المنهوبة. أو اسألوا وزير المالية ليكشف لكم حجم مرتبات ومخصصات جيوش المستشارين والوزراء ووزراء الدولة والولاة ومستشاريهم ووزرائهم ومحافظيهم و «خلوها مستورة»..!!