كان المشهد مهيباً ويعبر بصدق عن محبة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في ساحات المولد النبوي الشريف احتفاءاً ومحبةً وتعظيماً لسيد الخلق اجمعين، حيث إنتظمت الطرق الصوفية على اختلاف طوائفها وفرقها وجمعياتها في (سوح المولد) في كل ارجاء العاصمة المثلثة في ميدان عقرب ببحري وحوش الخليفة بأمدرمان وميدان المولد بالسجانه، متوحده الفكره والمنهج من اجل تقاسم المحبة، والطرق الصوفية علي اختلافاتها الا ان اصلها واحد ومقصدها واحد ولايأتي ذلك التعدد الا من باب التنوع كما (المذاهب الاربعة) مصدرها الكتاب والسنه، ويقول العارف بالله الشيخ عبدالباقي المكاشفي (تجمعنا الطاعه وتفرقنا المعصية)، وفي قاموس الصوفية ايضاً مقوله مشهوره توضح معنى التوجه ووحدة المقصد وهي بسيطة الكلمات ولكنها عميقة الأثر والمعني (حب الكل، وافرز شيخك) هي لافته عريضة في كل ابواب الطرق الصوفية تؤكد ما أشرنا اليه. وبينما كنا نتجول في ساحة المولد العامره بالمحبة، كان كل مشهد يذكرنا بعبقرية الشاعر الصوفي محمد المهدي المجذوب والذي رسم بكلماته وصفاً عميقاً و دقيقياً لكل تفاصيل المولد في قصيدته المشهوره (ليلة المولد) والتي جسدها الفنان عبدالكريم الكابلي بصوته والحانه. (خيام في كل مكان) ليلة المولد يا خير الليالى والجمال وربيعا فتن السحر بالسحر الحلال ذلك الحسن حياه الغمام بجموع تلتقى فى موسم والخيام قد تبرجن وأعلن الهيام. وفي كل سحات المولد انتظمت خيام الصوفية بكامل زينتها تتوافد اليها الحشود في حراك مستمر حتى ملامح الفجر، وكل خيمه ظلت مكتظه بالحشود من المحبين الذين يتبعون الى الطريقة المعنية بجانب الزوار، وكل طريقة داخل خيمتها حرصت على اعطاء اللوحات التعريفية بالطريقة ومؤسسها مساحة مقدره من مساحة الخيمه وذلك بعرض خلفيات تاريخية عن الطريقة وكيفية دخولها الى السودان ورموزها ومشايخها واقطابها، بجانب الفعاليات المختلفة والتي تبدأ دائماً بقراءة المولد وراتب الطريقة، بجانب حلقات الدرس والإرشاد ومن ثم حلقات الذكر والتي اصبحت سمه غالبه علي المشهد العام في كل خيمه. (حلقات الذكرمشهداً حاضراً) وهنا حلقة شيخ يرجحن يضرب النوبة ضربا فتئن وترن ثم ترقص هديرا أو تجن وحواليها طبول صارخات فى الغبار حولها الحلقة ماجت فى مدار نقزت ملء الليالى تحت رايات طوال كسفين ذى سوار فى عباب كالجبال وفي خيمة الطريقة القادرية المكاشفية بالسجانه كان المشهد مختلفاً تماماً وكان كل شئ ينبئ عن عظمة المناسبة والإحتفال وذلك للحشد المهيب للمشايخ والمحبين الذين توفدوا في (موسم الهجره الى رحاب المصطفى) من البقعه الطاهره (الشكينيبة) معقل الطريقة المكاشفية، الى ميدان المولد بالسجانه وذلك للمساهمه الفاعلة في التجمع الصوفي الطوعي السنوي محبةً وتشريفاً في سيد الخلق اجمعين، وفي خيمة المكاشفية كان الحشد شيوخاً وشباباً واطفالاَ نساء ورجالا، كلهم يرددون الأهازيج والمدائح ويتمايلون نشوة مع اصوات المنشدين، وضربات الطبول (النوبة) والغبار يتصاعد من تحت تلك الاقدام الطاهره الى مافوق الرايات الخفاقه التي كتب عليها (لا اله الا الله محمد رسول الله مكاشفي ولي الله) وهناك تذكرنا ابيات المجذوب.. والمقدم يتغنى يرفع الصوت عليا وتقدم يقرع الطبل الحميا ورمى الذكر وزمزم وانحنت حلقته حين انحنى واستقامت وهوت الطبل نار تتضرم وصدى ولد لشيخ وترجم حيث للقطب حضور وتداعى وتهدم. (عروس المولد) فعروس المولد الحلوة جلاها التجار لبست الوانها شتى أميره ما أحيلاها صغيره وقفت فى كرنفال فوق عرش دونه الحلوى كنوز ولآلئ من اساطير الخيال وفي مشهد مختلف حيث الدكاكين المتراصه والتي شيدت في وقت قصير وبصوره مؤقته لتكمل مذاق المولد وتعطيه بعداً آخر، فتنوعت عرائس المولد من حيث الحجم والشكل والثمن بعد ان الحقت بها كامل زينتها لتكون عرائس من الحلوي تغازل الأطفال وهم في حالة إلحاح مستمر وطلبات موجهة للأباء (اشتري لي عروس كبيره)، وبجانب بنات المولد شكلت الحلوى بأشكال مختلفة (حصين، والعاب، وطيور....الخ) اضافة الى (السمسمية، والفولية، والحمصية، والجوزاء) وتراوحت اسعار الحلوى مابين (4) جنيه للرطل والعرائس مابين(5) الى (30) جنيه، ومازالت قصيده المجذوب تتبعنا ونحن نقف امام الحلوى وبعض الاطفال ينظرون اليها من وراء (حجاب) لهفتا كم عصفت البؤس بأطفال صغار وردوا المولد بالشوق وعادوا بالغبار.