قال السيد عمر حسن أحمد البشير رئيس جمهورية السودان في ختام الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان السوداني في 27 مايو 2010 خلال مراسم تنصيبه رئيساً للجمهورية بعد الانتخابات التي جرت في أبريل 2010 : (أعلم كم هو هين ويسير أن يسوق الواعدون وعودهم إن لم يكن في قرارة أنفسهم عزم على الوفاء بها ..ولكنني مع كلّ وعدٍ وعدته .. وكل عهد قطعته ، أستشعر عظم المسئولية وجسامة التحدي ، وما ذاك إلا لصدق عزيمتي في إنفاذ ما وعدت به - جهد المستطاع - فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.. عليه أتوكل .. وبه أستعين إنه ولي ذلك كله والقادر عليه ) . وباختصار يقول عمر البشير إنه صادق العزيمة لإنفاذ ما وعد به، فهل يفعل ؟ أعطى عمر البشير في خطابه المشار إليه أعلاه وعوداً تتعلق بسبعة محاور سماها أطروحات وهي :- أولاً - استكمال شرائع الحكم الرشيد وآلياته. ثانياً - قيام الاستفتاء في الجنوب وإعظام فرص الوحدة الطوعية . ثالثاً - إعطاء الوضع في دارفور اعتناءً استثنائيا . رابعاً - تمام البرنامج الاسعافي لشرٌق السودان . خامساً - استدامة النماء . سادساً - تأسيس الوئام الاجتماعي والوحدة الوطنية . سابعاً -اتخاذ سياسة خارجية تقوم على المرونة والاخذ بالحسنى والتسامح والاحترام المتبادل والتعاون . ويقع الجزء الأكبر من المسئولية عن متابعة الوفاء بتلك الوعود وعدم النكوص عنها أو التقصير في الوفاء بها ، يقع على البرلمان القومي. ونأمل أن يقوم اعضاء البرلمان القومي الذين يدفع لهم المواطن السوداني المسكين أجوراً و امتيازاتٍ عالية ليقوموا بالإشراف على اداء الجهاز التنفيذي للدولة وعلى رأسه رئيس الجمهورية عمر البشير ويحاسبون على القصور في الاداء وعلى الفساد ؛ نرجو أن يفعلوا ذلك حتى لا ينطبق عليهم وصف ( تأكل بلاش ) الذي استخدمه السيد مكي علي بلايل في إحدى مقالاته . و سوف اتناول في هذا المقال الذي سوف يتكون من حلقات أرجو من الله أن يمد في عمري حتى أواصل كتابتها حتى نهاية ولاية عمر البشير الحالية في 26 مايو 2015 ، سوف أتناول ماذا فعل عمر البشير حيال تلك الوعود . وأقول ابتداءً إنني غير متفائل ولا أرى أية بشائر خير . فقد إستهل عمر البشير عهده الجديد بتضخيم الجهاز التنفيذي للدولة بدل تقليصه ولم يصدر حتى اليوم برامج وسياسات مفصلة حول المحاور السبعة التي وعد بها كما أن ما قام به حتى اليوم تجاه التحدي الأكبر الذي يواجه السودان وهو الاستفتاء حول وحدة السودان دون المستوى المتوقع بكثير جداً. ترجيح كفة الانفصال بدل كفة الوحدة يقول عمر البشير في خطاب تنصيبه رئيساً للجمهورية :- «وهناك العمل من أجل الوحدة ، فلئن كنا راضين بأن يمارس الجنوبيون حق تقرير المصير فإن موقفنا هو الإيمان بالوحدة .... ندعو لها .... ونعمل على ترجيح كُفتها «. وصحيح أن الرئيس عمر البشير يدعو إلى وحدة السودان ولكن لم نر الخطة التي اعدها للحفاظ على وحدة السودان كما أن بعض مواقفه تعمل على ترجيح كفة الانفصال وليس كفة الوحدة .و يعرف الكبير والصغير في السودان أن واحدة من القضايا الخلافية الرئيسية بين حكومة البشير والحركة الشعبية والاخوة الجنوبيين عموماً هي تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية على الإخوة الجنوبيين الذين يقيمون في الشمال إلى الحد الذي جعل السجون السودانية تكتظ ببائعات الخمور . ويطالب الإخوة من جنوب الوطن بضرورة احترام خصوصيتهم الدينية والثقافية وأن لا تطبق عليهم عقوبات تقوم على قاعدة دينية هم لا يؤمنون بها أصلاً ولا تنطبق عليهم وهي إن الخمر مثلاً حرام . ويرد رموز الحكومة المركزية وعلى رأسهم عمر البشير بأن دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005 ينص في المادة 5 (1) بأن تكون التشريعية الاسلامية والاجماع مصدراً للتشريعات التي تسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات شمال السودان . كما تقول المادة 156 (د) بأن تراعي المحاكم عند ممارسة سلطاتها التقديرية في توقيع العقوبات على غير المسلمين ، المبدأ الراسخ في الشريعة الاسلامية أن غير المسلمين من السكان لا يخضعون للعقوبات الحدية المفروضة وتطبق عليهم عقوبات تعزيرية وفقا للقانون . والذي يحيرني هو احتجاج رموز حكم الانقاذ وعلى رأسهم عمر البشير بنصوص دستور وضع من قبل أجانب أشك جداً فى معرفتهم لأحكام الشريعة الاسلامية كما اشك في نواياهم لانهم بتقسيمهم للسودان إلى شمال اسلامي وجنوب علماني قد زرعوا بذرة الانفصال . فتلك النصوص التي يحتج بها عمر البشير واعوانه لا تعلو أو تسود (Prevail )على كلام الله الذي يأمرنا في كتابه القرآن الكريم بأمور ثلاثة أساسية فيما يتعلق بالعلاقة بين أتباع الأديان وهى: أولاً:-أن نؤمن بكل الكتب السماوية وبكل الرسل وان لا نفرق بينهم بالقول إن ذلك الكتاب أفضل من غيره أو أن ذلك الرسول أفضل من غيره . يقول تعالى في سورة البقرة الآية 136 : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل و إسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) ويتكرر نفس النص أو معانيه في سورة آل عمران (84) والبقرة (285) والشورى (13) والعنكبوت (46) والنساء(136) (150) (151) (152) . ثانياً :-إن الله قد أراد تعدد الملل والنحل كما يقول في كتابه في سورة المائدة (48) (لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ) ويتكرر نفس المعنى في يونس (47) وهود (118) والنحل (93) والرعد (5) والحج (67) والتغابن (3). ثالثاً :-يأمرنا الله بأن نحترم حق أتباع الديانات الأخرى في التصرف وفق معتقداتهم الدينية كما يقول تعالى في سورة سبأ(25)و(26) ( قل لا تسألون عما أجر منا ولا نسأل عما تعملون *قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) وكما يقول تعالى في سورة الشورى الآية 15 ( فلذلك فأدع وأستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ) والمقصود بالحجة (الخصومة و النزاع ). ويقول تعالى في سورة البقرة 139 : ( قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا و لكم أعماكم ونحن له مخلصون ) ويتكرر هذا المعنى الخاص بأن لأتباع كل دين أعمالهم وأنه لا يحاسب اتباع دين على أعمال اتباع دين آخر ، يتكرر في سورة القصص (55) وسورة الحج الآيات (67) و (68) و (69) . وعلى الرغم من وجود النصوص الواضحة في كتاب الله بأن نؤمن بكل الرسل والرسالات وأن لا نفاضل بينها وأمره تعالى بقبول تعدد الرسل والرسالات وأمره باحترام الخصوصية الدينية وحق إتباع كل دين أن يتصرفوا حسب معتقداتهم الدينية ولكننا نجد أن رموز نظام الانقاذ قد تعاملوا مع الديانات الأخرى وأتباعها منذ اليوم الأول لاستلامهم الحكم في 30 يونيو 1989 تعاملوا معهم وكأن تلك الأديان من تأليف السيد الصادق المهدي . وكانت أولى حماقاتهم مصادرة النادي الكاثوليكي في الخرطوم وشن الحملات على بيوت الجنوبيات بائعات الخمور البلدية والتضييق في منح قطع الأرض لتشييد الكنائس وصولاً إلى إعلان حرب دينية في الجنوب تقام لها أعراس الشهداء . مما ألب على السودان المتدينين المسيحيين واليهود واللبراليين الذين يؤمنون بحرية الأديان. وإذا كان عمر البشير يعني فعلاً ما يقول في خطاب تنصيبه بأن هذه المرحلة (هي صفحة جديدة تخط أسطرها إرادة جديدة) فإن عليه أن يصحح موقفه الخاص بالإصرار على معاقبة غير المسلمين على التصرفات والأفعال المحرمة على المسلمين ولكنها ليست محرمة على غيرهم بمقتضيى دياناتهم وعاداتهم الاجتماعية و أن لا يتمسك بنصوص في الدستور تخالف شريعة الله وربما وضعت منذ البداية بنية تمزيق السودان.