عثمان ميرغني يكتب: «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود    مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والحريات
نشر في حريات يوم 12 - 06 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام والحريات
ماهية كلمة الحرية :-
تستخدم العرب كلمة الحرية للدلالة علي /الانفكاك من العبودية/ والبراءة من العيب والنقص ,يقال هو حر بين الحرورية والحرية ، ويقال طين حر لا رمل فيه والحر من الناس أخيارهم وأفاضلهم ، وحرية العرب أشرافهم , والحر كل شئ فاخر من شعر أو غيره ، وحر كل أرضٍ أوسطها وأطيبها , والحرة والحر الطين الطيب , والحر الفعل الحسن ، يقال ما هذا منك بحر أي بحسن ولا جميل (ابن منظور لسان العرب ،مادة (ح رر) ،ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة .
وهذا المعني اللغوي لكلمة الحرية يلتقي في جانب كبير منه مع مصطلح (الحريات) في الأدبيات الحقوقية المعاصرة للدلالة علي حقوق وواجبات تدور حول / إنسانية الإنسان /وكرامته / وإنفكاكه /وخلوصه من أي قيد يحجر عليه أو نقص يلتحق به أو يصدر عنه .
ووردت في القرآن بمعني المشيئة ، فالإسلام لايري قيمة للحياة الإنسانية بدون الحرية(قل الحق من ربكم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وأن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) الكهف 29
، فلا يقبل من الفرد أن يقع في هاوية العبودية ، ولا من الجماعة أن تقع في هاوية الإِستعباد ومن هنا أوجب بعض الفقهاء علي المسلم تعليم الناس طلب الحرية
الحرية ومعني التوحيد :
من عقيدة التوحيد إسلام الربوبية والحكم والسلطة لله والإيمان بأن البشر سواسية وذلك موقف تلقائي بعد أن يؤمن بالله ويتحرر من التعبد وإِسناد السلطة المطلقة للملك أو الوالي أو القوي السياسية المتمكنة واقعياً .
فالحرية تنبثق عن معاني إِستواء عباد الله في فضله فمن وحدة المعبود يتحد العباد وبوحدة المعبود والعباد تفشو و تنتشر الحرية فهي حكم يصدر عن أصول الدين وقواعده الكلية قبل أن تقرره القواعد الفرعية من نصوص الشرع. فهي أصل من أصول الدين في بناء الحياة وتأسيسها فى كل الشعاب والمناحي .
الأُسس الفكرية التي تنهض عليها الحرية:-
1/ الحرية والإرادة أصل في تأسيس الحياة ولازم من لوازم التوحيد والاستخلاف والأعمار والنهضة .
2/ أن التنوع والاختلاف سنة ماضية وقانون تاريخي ومنطق الحياة كما أنَّ طبيعة الخلق تعددية ومتنوعة في إطار وحدة الأصل (من آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعَالِمين) 22 الروم . وكما يتمايز الناس في الألسنة والألوان يتمايزون في الشرائع والمناهج والثقافات والحضارات (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) المائدة 48
كما تتنوع عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم ومداركهم وعقولهم داخل الحضارة والثقافة الواحدة (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملان جهنم من الجِنةِ والناس أجمعين (118-119) هود
كما يقر القرآن الإِختلافات العرقية واللسانية والإِجتماعية والدينية الفكرية يدعو في نفس الوقت للتواصل والتعارف (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات (13) .
3/ لولا صراعات العقائد والمذاهب الفكرية وتدافعها لما تبلورت حقيقة الإيمان بها ولما أتضح المسار الفكري العقلي و الروحي نحو الحقائق الإيمانية (ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض) البقرة (250) ، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهد مت صوامع وبيع وصلوات ) الحج (39).
4/ أن الفضائل النفسية بحاجة في فضيلتها إلي الإرادة والاختيار فالتقوى والعفة والأمانة لاتعد فضيلة إلا إذا أختارها الإنسان بنفسه .
5/ الحب والعقيدة يخرجان طبيعةَ وخِلقةً عن إطار الإِجبار.
6/ إنحياز الإسلام نحو حرية الفكر في أصول الدين ، ولا تتحقق هذه الأصول إلا عن طريق التفكير الحر لذلك فإنِّ منهج القرآن يحمى الحرية كتابة ومشافهة (لا يضار كاتب ولاشهيد ) البقرة (282) . ويجادل المشركين (قل لاتسئلُون عما أَجرمنا ولا نُسئلُ عما تعملُون ) سبأ (25) ويخاطبهم (وإناّ أُو إياكم لعلى هُدًى أَو في ضلال مُّبين ) سبا (24) فرأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب كما يقول الأمام الشافعي .
7/ ينبغي في الاعتقاد الإخلاص ولا يتم ذلك إلا بالإرادة الحرة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكرِهُ الناس حني يكونوا مؤمنين)يونس 99
(قال ياقوم أرأيتم إن كنتُ علي بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم , أنلزمكموها وانتم لها كارهون) هود (28)
(نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ق 45
(قل يأيها الكافرون (1) لا اعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين(6) ) سورة الكافرون
( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر(22) إلامن تولي وكفر(23) فيعذبه الله العذاب ألأكبر(24)إن إلينا إيابهم (25)ثم إن علينا حِسابهم(26) ) سورة الغاشية
(قُل ياقوم اعملوا علي مكانتكم إني عامل فَسوف تَعلمون من تكون له عاقبة الدَّار إنه لا يفلح الظَّالمون) (سورة الأنعام الآية 135) (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من رَبَّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) سورة يونس الآية 19 ،(وقل للذين لا يؤمنون إِعملوا علي مكانتكم إنا عاملون) سورة هود 121 ،(قل كل يعمل علي شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدي سبيلا ) سورة الإسراء ، الآية84 ،(ولا تقعدوا بكل صراط تُوعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عِوَجاً واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين * وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أُرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتي يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) (سورة الأعراف الآيتان 86-87)
( ويا قوم اعلموا علي مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب) سورة هود الآية 93
فحرية التفكير والضمير والدين أصل عقدي في الإسلام إذ لا إكراه في الدين ابتداءً // أو مسيراً // أو مصيراً ، فالحساب على الإيمان او الكفر بإطلاق يكون فى يوم القيامة فقط إذ لا إجبار عليهما وقد نزع القرآن الحساب من أيدي الأنبياء والحكام وحدةً فى منهج النظر للآيات كلها (أن الذين آمنوا ثم كفروا ثم أمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولآ ليهديهم سبيلاً) النساء (137) فمنهج القرآن هو المجادلة بالتي هي أحسن (قل الحق من ربك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أَعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وأن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) الكهف (29)
8/ الإرادة والمبادرة والخلق والإبداع والابتكار والتجديد والإِضافة والإِجتهاد والمساواة والعدالة والشورى وحاسة البحث العلمي ورحلة البحث عن المعرفة و القدرة علي اتخاذ القرار كلها رهينة بالحرية وفرع عنها .
9/ الناس قاطبة هم المستخلفون علي سلطة الأرض ولكل منهم نصيبه المستحق من السلطة سواء بسواء .
10/ الحرية أصل التكليف الديني ومدخل الأيمان ولازم التوحيد ، لأنها أصل الحكم الراشد/ وقناة التعبير عن إدارة وإرادة الناس، ومحاربتهم للفساد والظلم، ونفيهم للاستبداد أصل البلاء ومذهب الأخلاق ومحط الأمم فإذا كان النظام قاهراً /إنكمش الصدق/ وأنزوي الوفاء/ وتوارت الشجاعة/ ونكس العدل رأسه /واستعدت الرحمة للرحيل/ وارتفعت هامات الكذب والخيانة/ وتعالت أصوات النفاق والمداهنة وغنت النفوس قصائد المدح الوثني الذي يهين إنسانية الإنسان ويذري بالمادح والممدوح قال (ص)(إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوهم التراب)
وإذا طال القهر ونسيت البراعم الناشئة من جيل الشباب طعم الحرية تحول النفاق الي طعم مغروس // وعادة تمارس بلا تفكير // وصار الدرهم والدينار قبلة الناس وكعبتهم وتحولوا وهم لايشعرون إلي وثنية حقيقية تتسلل الي نفوسهم مع أنفاس كل يوم يعيشونه في ظلام الخوف حتي ينتهي بهم الأمر إلى / عبادة الأفراد / والي إسقاط كل القيم الموضوعية التي ترتبط بها حياة الأحرار والمواقف والمشاعر والأفكار (كلا بل ران على قلوبهم ما كان يكسبون ) المطففين (13). (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر (37)
11/ الحرية ليست مجرد تنفيس وشعار بل هي ضمان حقيقي للرشد عند إتخاذ القرار وهي ينبوع كبير من ينابيع الخُلق السوي والسلوك المستقيم من أحياها فكأنما أحيا الفضائل جميعاً ومن قتلها فكأنما قتل الفضائل جميعاً
فالحرية ذات طابع وظيفي في حياة الإفراد والجماعات فالفعل الإلهي غير المباشر في التاريخ يجئ عن طريق الحرية الإنسانية ذاتها ، والتي هي في مداها البعيد جزء من إِرادة الله في خلق الأفعال والإحداث إِعتماداً علي ما رُكِب في وجود الإنسان من قوي العقل والإرادة / والانفعال / والحس / والحركة صياغة للحدث وتوجيهاً للمصير وإِعتماداً علي مقدمات الزمن ، والتراب والنظُم والقيم والتقاليد والأعراف والأشكال والأوزان والفنون وضعية كانت أم دينية
الحرية و المسئولية :-
من أصول الدين الأساسية معني المسئولية الفردية علي كل مؤمن ، ويعني ذلك أن لكل فرد مغزى في الوجود ولا مجال لأن يذوب الأفراد في حاكم يحجبهم عن واجباتهم ومسئولياتهم فكل إنسان له قيمة ومغزي بشخصه ونسبه ورأيه فالدين يعقد معادلة توحيدية فذة بين الفرد والجماعة ،الفرد من حيث هو فذ ومن حيث هو عضو في الجماعة دون أن يكون احد الوجهين خصماً علي الآخر وكذلك يعقد معادلة للتوحيد بين الحرية والنظام بحيث لا تكون الحرية فوضي تقضي علي معالم النظام والاطمئنان وهيبة السلطان المفضية لرعاية أمور الناس ومسؤولياتهم التي تؤم كل شعاب الحياة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتربوية والإدارية والنهضوية بصورة عامة و حيث لا يصبح النظام كبتاً يجثم علي صدر الحرية يحجم الثمرات المرجوة منها خَلقاً وإبتكاراً وإبداعاً وتجديداً وإضافة وفاعليةً وقيماً وأخلاقاً ومعرفة ًوعلماً وطُهراً .
فالحرية عقيدة مطلقة في الذات والغير لاحيلةً تراعي ما وافت غرض الذات ولا تطفيفاً يكيل بمعيار مزدوج يعلي سيادة الدستور وحكم القانون حتي يكون الأمر باليد والدائرة علي الآخرين وتُزين التخصيصات والحصانات غير المتساوية والتسلطات غير العادية “// وفي أحضان الحرية يتفتح الرأي . مثلما تتفتح الزهرة في ضحوة الشمس بللها الندي وداعبها النسيم .// وبين يديها تندفع المواهب من مكامنها تخترع وتبتدع لتنشئ مقومات الأمة // والحرية تبعث العدل . فإن العدل لا يبسط جناحيه إلا في ظلالها . وإذا نطق لسان العدل أعتدلت الموازين//” فلا ترجح كفة إلا إذا ثقل الراجح بعلمه وعقله وأدبه وكمال إنتاجه .
وهنا يفتح المحيط ذراعيه للموهوبين الذين يكونون الجيل. / فينبت في هذا الجيل فرد يعرف معني الجماعة، وجماعة تعرف معني الفرد / وأحزاب تعرف معني الأمة/ وأمة تعرف معني الأحزاب / ويصبح التنافس والتزاحم علي الفضائل وبدائع التكوين ./ وتتوائم أعمال المبدعين مثلما تتوائم نغمات الموسيقي القطعة الخالدة . وهكذا يتسق نظام المجتمع . فما أسعد الأمم التي تظللها الحرية ويشيع في أرجائها العدل !
فإذا إختفت الحرية // مات العدل ،// وعم الظلم والفساد والاستبداد والاستفراد والخيانة واضطربت الموازين ، وإختلت المقاييس // ونبتت الأكاذيب في محل الحقائق ، وصار الغبي عبقرياً والجاهل عالماً فيلسوفاً ، والسارق صادقاً ماهراً والثرثار خطيباً مفوهاً ، واختنق الحق وتكلم الباطل .وإذا تكلم الباطل خاف البرئ وأمن المسئ وإذا أمن المسئ تواري الإطمئنان وإذا تواري الإِطمئنان كُنِست مواهب الإبداع في مكانس الخوف وتوارت في ظلمة الذِلة وصار الحر صيداً مباحاً ،ومتي تواري الإبداع والإِنشاء في أمة فأنذرها بالتحلل من كل قيد والتفسخ في كل ناحية .
إننا ننشد الحرية حتي لا نكون صيدا مباحاً // ونؤمن بها كي نسمو عن عبادة الاصنام إلي عبادة الديان// ونريدها لنبدع في ظلالها . فتعتدل أزمة الحكم وتتسق مدارس المجتمع في أحضان الأحزاب وبين يدي الجامعات . وينشأ الرجال المبدعون . ويتواري من الوجود أشباه الرجال // ونتغلب علي المحن ونجتث عوسج الآراء المتطرفة المتشابكة فنخرج بالأمة إلي ضاحية واضحة . تتشعب فيها طرق الحياة …،،7
معقبات الحرية المدعاة :-
أولا ً: حد الردة :-
يعتقد بعض فقهاء المسلمين وعامتهم أن هنالك جريمة تسمي الردة تعتبر حداً من الحدود الشرعية واجبة التنفيذ رغماً عن أن مثل هذا الرأي يصادم الآيات القرآنية القاطعة الدلالة التي ذكرناها آنفاً والتي تجعل الحرية مُدخل الأيمان وسابقة عليه وتنفي الإكراه والجبر والسيطرة والإلزام وتؤكد علي الطوع والاختيار الحر للاعتقاد والإيمان بالله رباً ومحمداً نبياً ورسولاً والقرآن هادياً و فيصلاً ودليلاً ولايُقبل من المرء إلا الصدق والإيمان والإخلاص والتجرد لحمة للإيمان وسداً وقواعداً يتأسس عليها متجاوزين في ذلك وظيفة السنة التي هي فقط مبينة للقرآن ومؤكدة ومفسره شارحة لاغير لاتستقل بإنشاء حكم وهي غير مؤهلة لذلك فالآيات صريحة (وما علي الرسول إلا البلاغ المبين) سورة العنكبوت الآية (18) (وأنزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شئ وهدي وبشري للمسلمين) سورة النحل آية (89) ،(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي
اختلفوا فيه و هدى ورحمة لقوم يؤمنون ) سورة النحل الآية (6).
فالقرآن هو الهدي الذي يسمو مكانةً و مرتبةً الدستور الحاكم للسنة و غيرها من مصادر التشريع، فما كان له أصل في القرآن فهو المعتمد وما لم يكن له أصل وقد إستقل بإنشاء حكم جديد يُنفيَ ويُبعد ولا يصدر به حكم لأن وظيفة الرسول أن يبلغ عن الله وحيه المنزل فهو رسول للبلاغ المبين الواضح يصلنا بالله تعالي كما الأنبياء السابقين عليه لذلك فهو لا ينشئ حكماً جديداً عديم الأصل في القرآن او مصادماً لآياته الصريحة في الحرية إيماناً وإعتقاداً أوغيرها (لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي) سورة النجم الآية (4) لذلك فأن الحديث المصادم لنصوص القرآن إما أن يتم تصعيفه إستناداً الي مصادمة متنِه للقرآن وأما أن يبحث له عن علةٍ مرتبطة بأسباب النزول مقصورة عليه لا تتعداه وإِما أن يرتب حكماً غير لا علاقة له بموضوع المصادمة للنص القرآني مرتبطاً بخصوص الواقعة وطبيعتها فليس كل ما يصدر عن الرسول (ص)هو وحي فقد يصدر عنه حكم بصفته رئيساً للدولة أو من باب الفتيا أوالقضاء أو القيادة العسكرية للجيوش أومن وحي ثقافة مجتمعه وعاداته وتقاليده أو تعبيراً عن رغبة شخصية لبشر نبي فيما يحب اويكره او إستجابة لدواعي البيئة الجغرافية والمناخ أو مقتضياتهما او توجيه يتسم بالخصوصية في اطار النصيحة لشخص محدد إكتنفته علة تستوجب النصح والإصلاح والمساعدة أو استجابة لدواعي واقعية نمطاً للتعامل معها فالسنة في مواضع الوحي الإلهي تتنزل مًنجَمَة علي الأَحداث كما القرآن كليهما كان تعبيراً عن هذه الوقائع فيما يتعلق بموضوع الردة بعد الإِيمان إذ أن الوقائع الماثلة آنذاك أن هنالك أقوام كانوا يؤمنون ثم يكفرون ثم يؤمنون ثم يكفرون ثم يزدادوا كفراً نزلت فيهم آية النساء (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولايهدتهم سبيلا (137) بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً (138)النساء الآية (137-138)ورتبت علي رد تهم عقاباً من الله يوم القيامة فقط ونزعت الآيات جميعاً عن النبي (ص) وعن الحكام محاسبتهم الآية علي الردة أصلاً وأوكلته لله يوم القيامة احتراما لطلاقة الحرية وكرامة الإنسان ومشيئته في الاختيار فمن شاء فليؤمن أو يكفر فقد أعد الله للكافرين ناراً أحاط بهم سرادقها تشوي الوجوه يوم القيامة ووجه النبي(ص) بألا يكون عليهم جباراً وان يذكر بالقرآن من يخاف وعيد وألا يكون عليهم مسيطراً فمن وتولي وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر يوم القيامة حيث إليه إيابهم وعليه حسابهم، وألا يعبد ما يعبدون ولا يعبدون ما يعبد له دينه ولهم دينهم وألا يلزمهم بالاسلام وهم له كارهون وألا أكراه في الدين فقد تبين الرشد من الغي وألا يكرهم ليكونوا مؤمنين وأن يصبر حتي يحكم الله بينه وبينهم وأن يدعهم يعملوا علي مكانتهم ويعمل هو وأن يعمل كل علي شاكلته فالله اعلم بمن هو اهدي سبيلاً وبين له أن الأصل هو الإباحة (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)
سورة البقرة الآية (29) (و سخر لكم ما في الأرض جميعاً) الآية (13) سورة الجاثية (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) سورة الانعام الآية (119)،(واحل لكم ما وراء ذلكم) سورة النساء الآية (24) فالردة تقع في الإطار الواسع للحرية في الدنيا ولا تجريم أو حساب أو عقاب عليها إلا عند الله تعالي يوم القيامة كذلك فإِن الأحاديث التي رويت مثل حديث البخاري (من بدل دينه فاقتلوه) في كتاب الجهاد والسير ولم يروه مسلم في صحيحه وحديث أبن مسعود (لا يحل دم امرؤٍ مسلمٍ يشهد ألا إله إلا الله إلا بأحدي ثلاثة : النفس بالنفس ، والثييب الزاني ، والتارك لدينه ، المفارق للجماعة) رواه الجماعة وفي بعض صيغه عن عثمان (… رجل كفر بعد إسلامه ، أو وزني بعد إحصانه أو قتل نفس بغير نفس )رواه الترمذي وهذه الأحاديث المروية إذا نُظِرَ إليها من خلال معارضتها للآيات القرآنية الصريحة يجب تضعيفها متناً وإن صحت سنداً وإن رأي ذلك علماء الجرح والتعديل لأنها تصادر أصل الحرية الطليقة الذي أثبتته وأسست له الآيات قطعية الدلالة قطعية الورود والثبوت من الذكر المحفوظ ولأنها تُنشئُ حكماً جديداً لا أصل له في القرآن مما يتناقض ووظيفة الرسول (ص) التي وردت قصراً علي البلاغ المبين فقط كما بينها القرآن ولأن ما بينه الرسول هو وحي يوحي فهو لا ينطق عن الهوي ولذلك لا يتجرأ علي الله تعالي بأ نشاء أحكام مصادمة لصحيح القرآن وهو المنزه عن الافتراء علي الله وإذا نظرنا لهذه الأحاديث من جانب آخر فهي مرويات تتحدث عن القتال أما وروداً في بابه من صحيح البخاري أو مفارقة الجماعة مع الارتداد والقتال في صف المشركين ضد المسلمين والعلة في قتل المرتد كما يبدو ظاهراً هو القتال او القتل وليس الردة الفكرية التي هي حق الناس ألا يكرهوا ولا يلزموا أويجبروا علي الإيمان فيتحولوا من كفار الي منافقين وهو الخيار الأسوأ والأشد خطراً علي الدين فالخير إيمان صراح أو كفراً بواح كما قال (ص) لذلك لم تكن كجريمة محل إتفاق في تاريخ الفقه الإسلامي فلم يوردها أبن تيمية ضمن الحدود في كتاب السياسة الشرعية بل أن قتل المرتد لم يكن أصلاً علي ردته بل علي قتاله أو قتله للمسلمين وقد كان التجريم القتل علي الردة في التاريخ الإسلامي لتصفية الخصومات السياسية لاغير .
وقد ذكر أبن تيمية أن النبي (ص) قبل توبة جماعة من المرتدين وأمر بقتل جماعة آخرين ضموا إلي الردة أموراً آخري تتضمن الأذي والضرر للإسلام والمسلمين مثل أمره بقتل مقيس أبن حبابة يوم الفتح لأنه ضم إلي ردته قتل المسلم وأَخذ المال ولم يتب قبل القدر عليه ، وأمر بقتل العرنيين لما ضموا إلي ردتهم نحواً من ذلك. وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلي ردته السب وقتل المسلم ومع أن الجمهور قالوا بقتل المرتد فقد ورد عن عمر أبن الخطاب ما يخالف ذلك : إذ روي عبد الرازق والبيهقي وأبن حزم أن أنساً عاد من (تُستَر) فقدم علي عمر ، فسأله : ما فعل الستة الرهط من بكر أبن وائل الذين إِرتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين ؟ قال يا أمير المؤمنين ، قوم إِرتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين ، قُتلوا في المعركة فاسترجع عمر (أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون) قال أنس وهل كان سبيلهم إلا القتل ؟ قال نعم، كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبو أودعتهم السجن وهذا هو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري.وقد علق د/ القرضاوي علي ذلك بقوله [أن يكون رأي عمر أن النبي (ص) حين قال : (من بدل دينه فاقتلوه) قالها بوصفه إماماً للأمة ورئيساً للدولة وعمل من أعمال السياسة الشرعية وليس فتوىً وتبليغاً عن الله تُلزَم به الأمة في كل زمان ومكان وحال ، فيكون قتل المرتد وكل من بدل دينه ، من حق الإِمام ومن إختصاصه وصلاحية سلطته ، فإذا أمر نُفِذ وإلا فلا ) وأضيف إلي ذلك قد يكون بصفته قائداً للجيش وأري أن موقف عمر كان إستناداً للموقف القرآني الذي تناولته آيات كُثُر في القرآن ذكرنا بعضها آنفاً ونضيف إليها (من يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وأولئك أصحاب النار ،هم فيها خالدون) البقرة آية (217) وفحوى الآية أنه عاش مرتداً ولم يقتل حتي وافاه اجل الله موتاً طبيعياً. ولأن الله قادر علي حفظ دينه لقدرة فيه علي الإقناع والتمثل والإيمان (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم) سورة المائدة (54) فالإسلام فكرةً وفطرةً ليس عاجزاً عن الإقناع حتي يُجبِر الناس علي إعتناقه أو يحيلهم لمنافقين يكيدون له في الخفاء بل هو منهج الحق والخير والجمال القادر علي الاقناع إيماناً بالله ومحبة له وتواضعاً للناس كذلك لقوله تعالي (إن الذين إرتدوا علي أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدي الشيطان سول لهم وأملي لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم) سورة محمد -آية (25)* كما أن الحديث الذي يستند إليه الذين يجرمون الردة جنائياً ويرتبون علي ذلك عقوبة دنيوية (من بدل دينه فاقتلوه) إذا أُخذ هذا الحديث كما رُويَ فإِن من يبدل دينه من اليهودية والمسيحية والوثنية وغيرها إلي الإسلام يُقتَل وهو رأي لا يقول به عاقل . والعلة في الردة عند الأَحناف أيضاً القتال والقتل لذلك فهم لا يرون قتل المرأة لأنها لاتحارب من وجهة نظرهم ولأن النبي (ص) قد نهي عن قتلها وكذلك الصبي لأنه لايحارب المسلمين وقد فند الشيخ محمود شلتوت إمام الأزهر الأكبر والدكتور محمد سليم العوا رأي الذين يستندون علي الأحاديث المذكورة آنفاً منسوباً لإجماع الأمة في تقديرهم لحدية تجريم وعقوبة الردة بأن كثير من العلماء يرون بأن الحدود لاتثبت بحديث الآحاد وأن الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبي الإكراه علي الدين أما الحديث الآخر التارك لدينه المفارق للجماعة فقد ثبت أن ابن تيمية ، قد قرر أن يكون المعني المحارب قاطع الطريق المرتد ويري الدكتور الترابي في حديث من بدل دينه فاقتلوه (أن الناس قد إنتزعوا الحديث من أسبابه الخاصة ونسخوا به أصلاً من أُصول الدين وهو حرية العقيدة ، كيف لعاقل أن يتصور أن الله سبحانه وتعالي الذي لم يُكرِه أحداً يبيح لنا أن نُكرِه أحداً علي الإيمان ،وآيات حظر الإكراه شتي في القرآن الكريم وفي غالب سنن رسول الله (ص) لذلك أنا لا أو أفق علي الرأي الشائع في حكم المرتد فقد كان المسلمين يُشفِقون علي المسلم إذا إرتد ورأوه في صَّف المقاتلين هنالك أيقتلونه أم يعصمه إسلامه السابق عن قتله إذا قدروا عليه في ميدان القتال فقال لهم (ص) من بدل دينه وفارق الجماعة فاقتلوه)
ثانياً : تطبيق الشريعة علي غير المسلمين بها:
ما يسمي بمبدأ إقليمية القانون أُشتهر في الأنظمة القانونية المعاصرة تقنيناً ونفاذاً وتطبيقاً حتي ظن عامة الشعب وبعضاً من أهل القانون والشريعة وفقهاؤها أن هذا هو الأصل وألا إستثناء يرد عليه ونسوا حظاً مما ذكروا به قرآناً أن الأصل في الشريعة الاسلامية هوعدم تطبيق الأحكام ذات الطابع العقدي الديني علي غير المسلمين جميعاً إِلا بمبادرتهم طلب التحاكم إليها وبرضاهم دونما إكراه وللمسلمين حق الاستجابة أو الإِعراض وإن حكموا بينهم أن يحكموا بالقسط إذ أن المبدأ السائد هو مبدأ شخصية القانون لا مبدأ الإقليمية وهذا ما تتسق وتتأيد وتتحد مقاصده مع طلاقة الحرية والمشيئة في الاختيار إذ لا إكراه في الدين إعتقاداً أو تحاكماً إستناداً لقوله تعالي (سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تُعرِض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) سورة المائدة (42) يقول الشهيد سيد قطب (كرر أنهم سماعون للكذب مما يشئ بأن هذه أصبحت خصلة لهم تهش نفوسهم لسماع الكذب وتنقبض لسماع الحق والصدق وهذه صفة القلوب حين تفسد وعادة الأرواح حين تنطمس ، وأكالون للسحت وهو كل مال حرام والربا والرشوة وثمن الكلمة والفتوى وقد سُمِيَ سُحتاً لأنه يقطع البركة وعلي الرغم من ذلك يجعل الله الأمر للرسول (ص) بالخيار في أمرهم إذا جاؤوا يطلبون حكمه فإن شاء أعرض عنهم ولن يضروه شيئاَ وإن شاء حكم بينهم فإذا إختار أن يحكم بينهم حكم بالقسط غير متأثر بأهوائهم ومسارعتهم في الكفر ومؤامراتهم ومناوراتهم لأن الله يحب المقسطين. والرسول (ص) أو الحاكم أوالقاضي المسلم يتعامل مع الله في هذا الشأن ويقوم بالقسط لله فإذا ظلم الناس وخانوا وانحرفوا فالعدل فوق التأثر بكل ما يصدر عنهم لأنه عدل لله لا لهم – وأهل الإسلام ملزمون بالتحاكم لشريعة الله مع إعتبار المبدأ الخاص بأهل الكتاب في المجتمع المسلم وهو ألا يجبروا إلا علي ماهو وارد في شريعتهم من الإحكام وعلي ما يختص بالنظام العام مباح لهم ما هو مباح في شريعتهم كإمتلاك الخنزير وأكله وتملك الخمر وشربه دون بيعه للمسلم )
ويقول الشهيد عبد القادر عودة [لايلزم الذمي بكل أحكام الإسلام وإنما يلزم فقط بما لا يتعارض مع معتقده الديني . ويري الأحناف بأن الذمي تطبق عليه أحكام الإسلام بمقتضي قَبُوله عقد الذمة] والعقد يقوم علي الرضا لأنه شريعة المتعاقدين التي يتحاكمون إليها حريةً وإراده ومشيئة مشتركة .
ويقول سيد سابق ( ولكن الأحناف رأوا أن الخمر وإن كانت غير مال عند المسلمين لتحريم الإسلام لها إلا أنها مال له قيمة عند أهل الكتاب وأن من أَهرقها من المسلمين يضمن قيمتها لصاحبها وأن شربها مباح عندهم وأننا أُمِرنا وتركهم وما يدينون علي هذا فلا عقوبة علي من يشربها من الكتابيين وعلي فرض تحريمها في كتبهم فإننا نتركهم لأنهم لا يدينون بهذا التحريم ، ومعاملتنا لهم بمقتضي ما يعتقدون لا بمقتضي الحق من حيث هو)
ويقول د/ يوسف القرضاوي (لا تضييق علي المخالفين فيما يعتقدون حله في دينهم أو مذهبهم وإن كنت تعتقد أنه حرام في دينك أو مذهبك وهذا ما كان عليه المسلمون مع المخالفين من أهل الذمة إذ إرتقوا الي الدرجة العليا من التسامح – فقد إلتزموا بكل ما يعتقد غير المسلم أنه حلال في دينه ووسعوا له في ذلك ولم يضيقوا عليه بالمنع والتحريم وكان بإمكانهم ان يفعلوا ذلك) وأن الاساس الفكري لهذا التسامح يقوم علي :-
1/ إعتقاد المسلم بكرامة الإنسان أياً كان دينه وجنسه ولونه (لقد كرمنا بني آدم) الأسراء الآية (70) .
2/علي إعتقاد المسلم بإختلاف الناس في الدين بمشيئة الله التي منحت الحرية والإختيار(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف الآية (29) (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين)الآية 18 سورة هود.
3/ لأن المسلم ليس مكلفاً بمحاسبة الكافرين علي كفرهم .
4/ لأن الله يأمر بالعدل ويحب القسط ويدعو الي مكارم الأخلاق ولو مع المشركين ويكره الظلم ولومن مسلم لكافر(ولا يجر منكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا إِعدلوا هو أقرب للتقوي )سورة المائدة الآية (8) ولقوله (ص) ( دعوة المظلوم- وإن كان كافراً ليس دونها حجاب) رواه الترمذي في مسنده
ما تناولناه آنفاً يعتبر تأكيداً للمبدأ الأصيل الذي يتحد مع أصل الحرية هو ألا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين إلا بإختيارهم الحر ووفق المبادرة التي يتقدمون بها أحراراً طوعاً وإختياراً وعندها لنا أن نحكم عليهم أو نُعرِض عنهم وفقاً لتقديراتنا الفقهية التي نُجِريها موازنةً وترجيحاً للمصالح الشرعية لتحديد المصلحة الراجحة الأولي بالرعاية من المصلحة المرجوحة في ضوء أهداف الدعوة الإسلامية ومقاصِدها حالاً ومآلاً وإذا قدرنا أن نحكم بينهم حكمنا بالقسط لأن الله يحب المقسطين
الحريات المنشودة على سبيل المثال هى :-
1/ حظر الاسترقاق للإنسان أو التسخير له أو تعذيبه أو إذلاله
2/ حرية العقيدة والعبادة والتبشير
3/حرية الفكر والتعبير والنشر والأعلام والبلاغ
4/ حق المساواة
5/ حرية التنقل والإقامة
6/ حرية الثقافة واللغة والتعلم
7/ حرية الكسب المالي والفكري
8/ حرية الاتصال وسريه ذلك
9/ حرية التقاضي
10/ حرية وخصوصية المسكن والمتاع وحرمة ذلك وغيرها.
11/حرية التنظيم الاجتماعي والسياسي والثقافي والاعلامى .
فالمحاسبة علي خيار المرء غيبية في الدنيا وأخروية من الله ويقدر هو بمشيئته عواقب خياره في الدنيا ، فالفرد حر في إختيار عقيدة دينه ورأيه ومسلك مذهبه ومنهج علاقته بالآخرين وطرائق كسبه للمعاش وألايحجر عن الأسهام برأيه وكسبه وألا يسيطر عليه السلطان ليمنعه من الحركة العفو بالاعتقال أو الحبس وآمِن أن يعبر عن رأيه سياسياً ولا يُمنَع من ذلك بالصد أو المعاقبة وله أن يضرب في الأرض ليكسب العيش أو يسوح فيها لا يحاصر بالحجر أو الاحتكار أو الإحتراز دونه ويتم ذلك المبدأ أن الناس سواء مهما إختلفوا في أصول خلقهم ذكوراً وإناثاً وألوانهم وأعرافهم وأعراقهم ويستوي الناس في المولاة لأيما فئة او حزب وفي إختيار ولاة أمرهم بالشورى والانتخاب ،وهم سواء بين يد القضاء لا حصانة لأحد إن ظلم أو جني مهما تعلو مرتبته في ولاية السلطة ، ولايُردُ أحدٌ من المقاضاة لقصور في ماله أو بعداً في جاهه
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام والحريات
تأليف /أبو بكر عبد الرازق
يونيو 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.