إن الدور الذي تمثله اجهزة الاعلام في عالمنا المعاصر تعدى وظيفة الاعلام والاعلان والتنمية من استثمار الطاقات البشرية والموارد التنموية الى نطاق ان العالم قرية واحدة ،فأصبح ليس المهم ان نكون داخل القرية بل ما هو دورنا في القرية وماهي بصمتنا في تلك القرية-اي ايصال ثقافتنا وربطها بثقافات الآخرين واثبات فكرنا ومنهجنا وتوضيح صورتنا الى الآخرين بطريقة واضحة وايجابية- وعندما نفشل في ذلك فاننا وثقافتنا الوطنية في خطر وعزلة لذلك رسائلنا تصبح غير واضحة لا تصل للآخرين ولا يفهمونها وحينها يجب علينا اعادة ومراجعة عملية الارسال وتدارك الاخطاء. ان اعلام اي دولة هو اول خطوط دفاعها عن هويتها وثقافتها السائدة وهذا يتطلب منا ان توجد آليات الاعلام الفعالة ووسائله وتقنياته الحديثة وهذه تمثل ثقافة مستقلة في حد ذاتها وتتطور مع تطور المعرفة وشكلت علماً معرفياً جديداً تدفعه تطورات مذهلة لابد لكل دولة تنظر الى مستقبلها ووجودها ان تلم بها وتدرب كوادرها عليها وان يتشارك اعلامها مع المنظومة الاعلامية ويتناغم في معرفته بكل الفنون والا اصبح معزولاً وهامشياً وضعيفاً استراتيجيته قائمة على تكريس ثقافة فكر واحد ويردد صوتاً واحداً هو صوت سلطته الحاكمة وثقافتها ويقوقع نفسه عبر حماية ودروع قوية تحميه من اختراقات ثقافية اخرى هنا تنمو الثغرة الاعلامية وتبعد ثقافتك عن الآخرين وتصبح في عزلة ثفافية واعلامية حتى داخل اسوار بلدك وتزداد الهوة بينك وبين العالم الخارجي خاصة على صعيد الابداع الثقافي بشكل خاص-وهذا هو حال اعلامنا اليوم حيث يضع اعلامنا الرسمي سياسات واستراتيجيات وخططاً لا تتكافأ والعالم من حولنا فتزداد عزلتنا الاعلامية ويجد الآخرون الفرصة سانحة لبث افكارهم المعاديه ويقابلها العالم الخارجي بالترحيب والحفاوة ويعتقد انها حقيقة الاوضاع بصدق ويقين. وفي هذا تحضرني حادثة تمثل واقع نوايا الآخرين السيئة في القضاء على ثقافتنا ووجودنا على الصعيد الخارجي وذلك حينما شاركت في مؤتمر اقليمي وكان برفقتي زميل صاحب مؤسسة اعلامية معروفة وجدته في حفل الاستقبال وقد نال اهتمام الجميع يتجمعون حوله وهو يحكي بانفعال وهم يصغون بصمت وحينما اقتربت لارى سر التجمع بادرني زميل كيني الجنسية وسألني بان هذ الزميل يقول باننا نحن العرب الجلابة تقوم قواتنا العسكرية بوشم الزنوج في دارفور باخذ قطعة من آذانهم حقيقة صقعت لهول الكذبة التي اطلقها زميلي في ذلك المؤتمر واخبرت الجمع في حضوره بان هذا الحديث كاذب وغير صحيح وان هذا الشخص لديه احقاد داخل نفسه على عنصر معين لاسباب غير معلومة جعلته يطلق هذا القول وانني لست من الموالين للنظام ولكن تهمني مصلحة بلادي وسمعتها واذا كان هذا يحدث فلماذا اذناه سليمتان ولم يحدث له ذلك القطع في حرب طويلة استمرت عشرين عاما فلم تقطع قواتنا العسكرية اذنيه وسلم من اذى الجلابة. لا شك ان هناك ثغرة كبيرة في اعلامنا لم نستطيع تغطيتها واستغل الآخرون هذا الامر وهذا يعود الى نهج الحزب الحاكم نفسه حينما كانت الرايات حمراء والقطار يسير يحمل من هو معنا وينزل من ليس معنا كما قال مسئول اعلامي في مؤسسة اعلامية حكومية كبيرة في اجتماع مع موظفيه للاسف حمل قطار الانقاذ الاعلامي في(معظمه)الضعفاء الذين ليس لديهم حيله سوى لبس البدل والكرافتات- واكبر مذبحة اقيمت لاعلام الدولة القديم هو حل ادارة الاعلام الخارجي والخروج بها من حضن وزارة الاعلام قبل رجوعها مرة اخرى حيث ان الاعلاميين بهذه الادارة وان كانوا قد عملوا في نظام شمولي ايضا(نظام نميري)الا انهم تلقوا تدريباً عالي المستوى في الدول ذات الخبرة والمعرفة تسلحوا بالمعرفة والثقافة واللغة الراقية والمظهر الجميل فكانوا فرسان الاعلام في عصرهم القى بهم للشارع باجمعهم وتركوا الساحة خالية-فلماذا لم يتقبل نظام الانقاذ الآخرين مع ان الحكمة تقول ربما لا اكون معك ولكن لست ضدك فبذلك تكسب خبرات ومهارات وتعطي الآخرين الحق في الدفاع عن وطنهم وماذا يفرق ان اكون مؤتمر وطني او حزب امة او اتحادي او يسارية في ان يكون لي الحق فى خدمة بلدي. نحن لا ننكر وجود كوادر اعلامية متميزة في نظام الانقاذ لكن كما قال المسئول الاعلامي عن ركاب قطار الانقاذ الاعلامي لا توجد فيه مساحة للآخرين ان قطارك للاسف ركب فيه من هو لا يعرف ماذا تعني كلمة اعلام فاصبح مثل (سوق ستة) داخل النظام ذاق النظام نفسه ويلاته وتفاهة بضاعته وعجزه وتخلف افكاره-فلم يستطع اعلامنا اختراق العالم الخارجي واصبحت آلتنا الاعلامية موغلة في المحلية. استمعت طوال الاشهر الماضية الى حديث وزيري الاعلام عن خطوات الوزارة في تغيير نهجها الاعلامي والاتجاه الى تدريب الاعلاميين بعد ما لمس المسئولون واقع الاعلام المتخلف والاستعانة بخبراء في هذا المجال وافراد مؤسسات بعينها لاداء هذا الدور وهذا عمل جيد ورؤية ثاقبة وموقف شجاع حينما نعترف باننا لا نملك الكوادر المؤهلة لهذه المرحلة من تاريخ بلادنا بدليل هذه الغربة والعزلة التي تعيشها بلادنا والصورة القاتمة لنا في كل الدنيا وبعدنا عن مناطق كانت تحتضن ثقافتنا وتدرب اعلاميينا كان لنا فيها صوت وحضور ونفوذ يشغلها غيرنا بالاكاذيب والخداع والدموع مستغلا ان هذا العالم الذي يتحدثون اليه يصدق ما يراه وما يسمعه حينما لا يرى الرأي الآخر موجود لتكون لصاحب الحضور الغلبة وهنا تغيب الحقيقة وننكفي على انفسنا حينما يصوروننا ارهابيين ونخلع احذيتنا ونجلس في مكاتب امن المطارات لساعات ليس الا اننا سودانيون فمن اخبر هؤلاء ورسخ صورة قاتمة عننا ولماذا لم نستطيع ازالتها-ان الواقع مرير يؤلمنا ويمزق قلوبنا فهل لنا حق الحزن والالم نحن اهل السودان اصحاب الثقافة والمعرفة والتاريخ التليد نتحول الى وحوش وكلاب مسعورة لا يسعنا الصمت اكثر ونطلب من اصحاب القطار التوقف وانزال ركابه الفاشلين. ان واقع اجهزتنا الرسمية وغير الرسمية محزن وتدور في فلك اشخاص محددين كأنها لعبة كراسي من يجلس في الاذاعة الى من يذهب كرسي التلفزيون سونا من نصيب منا-ويكفي ان تلك الوجوه المتكررة فشلت في عمل فيديو confernceعلى جهاز الدولة الرسمي للسيد رئيس الجمهورية على مشهد من كل اهل السودان والعالم ولا زالت لعبة الكراسي مستمرة كأن حواء السودان عقمت ان تنجب سواء لاعبي الكراسي هؤلاء-ان الصحف السيارة اصبحت كل صباح تأتي بعناوين نخجل ان يقرأها اولادنا في المنزل تحت سمع وبصر مجلس الصحافة والمطبوعات الا تعتقد عزيزي القارئ ان هذا المجلس في حاجة ماسة الى اعادة هيكلة وتدريب كوادره من جديد خاصة اذا كانوا من ركاب القطار ان هنالك حاجة عاجلة لضخ دماء جديدة على مؤسسات الدولة للاعلام ليس على مستوى العاملين بل المسئولين اولا لانهم علة الكارثة ولب المصيبة.فهؤلاء اوقفوا التدريب وخلقوا اقطاعيات لهم داخل المؤسسات الاعلامية واعطوا الدورات التدريبية لمحسوبيهم واهلهم وقد سألني خبير اجنبي في بلد عربي اذا كنتم تملكون كوادر جيدة لماذا دائما ترسلون الشخص الخطأ لكي يتدرب ؟ السادة المديرون حين يكونوا مرهقين من الاسفارالكثيرة التي لا تنعكس على اداء المؤسسة يرسلون الى الدورات الاعلامية الخارجية حتى من يودون قضاء شهر عسل وهذه ليست مبالغة فهذا حدث فى مؤسسة اعلامية حكومية وطبعا العريس والعروس من اهل القطار . ان الواقع مرير واشد مرارة في هذه المؤسسات وتعبنا من الصمت الطويل وانتظرنا التغيير فلم يأتِ بجديد. ان المسئولين الحكوميين يصطحبون في رجلاتهم الخارجية(في اغلب الاحايين)الاعلاميين القريبين من موقع صدور القرار ويسافرون مع المسئول المهم لكي يأتوا من اسفارهم وحصاد اقلامهم وكاميراتهم حديثهم مع مسئولهم الذي كان يمكن ان يلتقوه على بعد دقائق من مكان عملهم ولا يعملون حواراً مع رئيس وزراء تلك الدولة وقد اتيحت لهم الفرصة ولا يعقدون اي صداقات مع اعلامي الدولة التي هم فيها ولايشاركون مجتمع هذا الملتقى في انشطتهم ويحملون حقائبهم للرجوع بان زيارة المسئول كانت ناجحة (للغاية)والتقى بهذا وذاك واحيانا يكتبون عن النكات التي دارت في الطائرة من المسئول وبهذا هم ادوا عملهم !! ان التدريب الذي تتحدث عنه وزارة الاعلام لا مكان له على ارض الواقع ان تقنيات الاعلام المتطورة والمتسارعة تتطلب ميزانيات ضخمة وميزانية الاعلام تأتى في آخر القائمة-ان التدريب يتطلب ان تتخلص الدولة من اصحاب الولاء الجهلاء الذين يتكدسون في تلك المؤسسات ويحيكون المؤامرات والمكائد للآخرين الذين يمثلون خطرا عليهم كما يرون ويكتبون تقارير ضد بعضهم البعض نحن نتفرج وعلى قلوبنا حسرة وألم لما يتم في تلك المؤسسات ويكفي ان زبدة اعلاميينا تجد طريق لها في القنوات الاقليمية والعالمية والمؤسسات الاكاديمية المعروفة خارجيا ولا تجد لها موطئ قدم في حيشان وزارة الاعلام كما يطلق عليها الابواب موصدة بايدي اهل القطار. احدى صورنا خارجيا التي يروج لها اعداء الوطن كانت حاضرة عند لقائي بصحفية اميركية الجنسية في مؤتمر عقد في احدى الدول الاوروبية عن البيئة(ايطاليا)فسألتني هل ليكم وسائل اعلام تعمل فقلت نعم قالت انها لم تسمعها او تقرأها او تشاهدها في امريكا وانها ظلت تسمع وتقرأ بان العرب في دارفور يقتلون اهل دارفور الزنوج لانهم مسيحيون ويحرقون الكنائس وانها حينما اتيحت لها الفرصة عن احدى وكالات الاممالمتحدة للذهاب الى دارفور لم تتردد وذهبت فلم ترَ كنيسة واحدة في دارفور وعلمت انه لا يوجد مسيحي واحد في الاقليم كله وان معظم اهل دارفور حفظة قرآن ولم ترَ عربياً واحداً يشبه عرب الخليج فاختلط الامر عليها وقالت لي انك تشبهون بعض ولا يوجد اختلافات فعلمت بان الصورة التي وصلتها غير حقيقية مرسومة من شباب الحركات المسلحة في المنافي الذين يرتدون الكرافتات وينزلون في افخم الفنادق ولا يهمهم سوى ان يستمر الصراع والحرب لكي يستمر وجودهم والمثل يقول(الماشايفو في بلدك يخلعك)..ولا يدرون اي ضرر تسببوا به واي خيانة قدموا لاوطانهم . موقف آخر حدثني به صحفي كبير القامة انه في معرض حديثه مع سفير سوداني في احدى الدول الافريقية ازداد ضيقه بان وسائل الاعلام في ذلك البلد ترسم صورة مشوهة عن الاوضاع في السودان فاجتمع بالصحفيين والاعلاميين وقال لهم ان الامر ليس كذلك فطلبوا منه تهيئة زيارة لهم للسودان لكي يطلعوا على الاوضاع بانفسهم فظل ذلك السفير يراسل وزارة الخارجية عاما كاملاً فلم تستجيب لطلبه وفشل في ذلك مما جعل صحفي ذلك البلد يتأكدون بان ما ذكروه هو واقع الحال. ان الملحقيات الاعلامية التي كان يفترض بها ان تكون عيناً ساهرة للسودان في العالم الخارجي تظهر الصورة الايجابية وتتصدى لما يردده الآخرون من معلومات خاطئة للاسف تعطي لاهل الحظوة ممن يرون لهم ان تحسن اوضاعهم او مكافأة على حسن الخدمة التي قدموها فيما سبق في اي من المجالات مما يفقدها دورها الحقيقي وتصبح عبارة عن فترينات خالية تشكل اعباء على السفارات وهذا لا يعني انه لا يوجد منهم اصحاب الخبرة والمعرفة لكن حتى عندما يرسل الاعلامي ذو الخبرة والمعرفة لا يستطيع عمل شئ فالميزانيات التي يجب ان يديروا بها عملهم ومعظمه اجتماعي من لقاءات وحفلات لا توفر لهم للدعوة لفنجان شاي او قهوة ناهيك عن عمل حفلات او خلق علاقات وصداقات يستطيع فيها تغيير صورة سالبة للسودان رسخت لدى الآخرين. إن الاعلام في السودان يحتاج الى اعادة ترتيب اوضاعه وفتح الحصون المغلقة على الافراد وغلق الثغرات وضرورة ملحة لانتاج اجيال اعلامية قادمة قادرة على مواكبة التطورات والتعامل مع الاجهزة الحديثة تملك ناصية المعرفة والثقافة بما فيها ثقافة الحديث والاكل واللبس وهذا باب يحتاج الى مقال آخر-اننا باعلامنا هذا رسمت لنا صورة مشوهة غير حضارية ينظر لها العالم بغرابة. إن الاعلام سلاح فعال وكتيبة دفاع قوية واداة استكشاف خطيرة ترصد لها الميزانيات الضخمة لتحقق الفتوحات الكبيرة ولا يوجد جاهل بما حدث في العراق حينما سبقت آلة الاعلام الضخمة الجيوش، ان ميزانية الاعلام يجب ان تكون على مستوى واحد مع ميزانية امن الدولة فهو أمن فليس عملنا اقل عظمة وجهدا