في اتجاه مغاير عن قضايا الوحدة والانفصال بخلاف ما اعتادته المنابر عن الآثار الاقتصادية والسياسية ، كان الحديث عن ان هناك آثاراً عميقة جداً على الاجيال التي تشكل المستقبل الكبير بين الشمال والجنوب وآثار اجتماعية ونفسية على موروثاته الاجتماعية وتداخلاته في كثير من العادات والقيم والأحوال الاجتماعية المشتركة التي تعبر عن موروث أصيل، جاء ذلك من خلال حديث وزير الدولة بوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي عادل عوض في حديثه للندوة التي نظمتها منظمة سودان الغد بالتعاون مع منظمة الأسباب الخيرية بقاعة الشارقة مؤخراً تحت عنوان الانفصال وأثره النفسي والاجتماعي على الاجيال والتي حملت شعار «سنورث أجيالنا سوداناً موحداً آمناً معافىً» وتحدث عادل عوض الذي ابتدر حديث الجلسة الافتتاحية للندوة وقال من خلال التداول المثمر والهادف بالخروج بتوصيات وموجهات علها تسهم في رتق النسيج الاجتماعي وتحقيق وحدة السودان. وقال ننبه الساسة الغافلين الذين يدعون للانفصال بصراحة على ضرورة تعزيز العمل الاجتماعي المشترك وخيار الوحدة وثمن دور منظمات المجتمع المدني لمشاركتها في القضايا المصيرية لشعب السودان وأضاف خاصة واننا بين يدي قضية استراتيجية لها أبعادها السياسية والاجتماعية وهي قضية استراتيجية في هذا الظرف الدقيق الذي يحيط بالسودان وهي قضية الاستفتاء. وقال عادل سعدت كثيراً بأن يكون موضوع الندوة عبر تناول القضية من زاوية ليست غائبة عن الحوارات في المنتديات التي ظلت تناقش الأبعاد السياسية والاقتصادية بعيداً عن الجوانب الاجتماعية والنفسية وتداعيات وانعكاسات ذلك على مستقبل اجيال السودان ووحدته في حديث يدرك أهمية المواطن البسيط قبل أن يدركه كبار الساسة لأن آثاره تنعكس بطريقة مباشرة على مستقبل المواطن وختم حديثه بضرورة السعي لترجمة توصيات الندوة وتنزيلها على أرض الواقع. وعن الأبعاد النفسية للانفصال قدمت الدكتورة منى محمد الحسن سيد أحمد أستاذة علم النفس التربوي بمدرسة علم النفس جامعة الاحفاد ورقة بعنوان الآثار النفسية للانفصال وايجابيات الوحدة تحدثت فيها عن جانب السلام النفسي ومفهوم الوحدة من اجل السلام وعن الآثار النفسية الباقية في شخصية الجنوبي الذي عاش في الشمال أو العكس. وقالت إن السودان عاش أكثر من 40 عاماً في حالة حروب أهلية تأثر بها الجنوبيون تأثيراً مباشراً من خلال نزوحهم، حدث جراء تلك الحروب اهلاك للموارد البشرية والطبيعية أدت إلى حالة الفقر الموجودة بالبلاد واثرت على الفرد الجنوبي وتركت أثراً على كل المجتمعات كانت هذه الآثار نتيجة طبيعية لنزوح المواطنين وترسبت في الشمال والجنوب واذا كان هناك حديث عن أثر ايجابي للحروب الاهلية نجد ان الاثر الوحيد هو ان ابناء الجنوب تم احتضانهم في كل بقاع السودان ولكن لا يمكن ان نطالب بالوحدة في وقت لا توجد فيه ثقافة السلام وان كانت النخب السياسية حققت السلام السياسي يجب أن يتحقق كذلك السلام الاجتماعي وهو سلام من أجل الوحدة يتمثل في بناء الشخصية السودانية من أجل التعايش السلمي في حالتي الوحدة أو الانفصال. وكانت الاممالمتحدة قد عرفت السلام الاجتماعي بأنه محاربة الصراعات واجتزاز جذورها وتحدثت عن السلام كمفهوم وأحد عناصر حقوق الانسان ويضمن المبادئ والاحتياجات الفزيولوجية من رعاية وصحة وتعليم وعدالة اجتماعية وعدالة قانونية نستطيع ان نطالب على أساسها بالوحدة أو بالانفصال. ويعتمد السلام النفسي على وجودآلية اساسية لإرساء ثقافة السلام بين الدول من خلال التفاوض والحوار حتى لا تكون هناك رواسب اجتماعية من أجل الوصول إلى نقطة وسط وتضامن جميع فئات المجتمع من خلال فئاته المختلفة ودور المرأة في ارساء ثقافة السلام والهدف من ذلك ان نتشارك سواء كنا نطالب بالوحدة أو الانفصال ونتبادل الافكار والخبرات ،لأن السودان نشأ موحداً ولا يمكن ان ينسى الماضي بكل سهولة وحتى يحترم كل منا الآخر يجب ان يشمل ذلك الاحترام الآخر في ظل الوحدة أو الانفصال ولعل الجانب النفسي يقع تأثيره أكبر على الجنوبيين في الشمال وعلى الشماليين في الجنوب لأنهم أصبحوا غرباء عن مناطقهم الاصلية وحتى نرفع وعي الناس علينا بتهيئتهم نفسياً، وعن ما اذا كان هناك جانب ايجابي وراء الانفصال تحدثت الورقة عن انه لا يوجد أي جانب ايجابي وراء الانفصال من وجهة النظر الواقعية ولكن العقول الجنوبية تسعى لدولة جنوبية واعتمادهم على أنفسهم في سيادة وقيادة دولتهم وأغلب الآثار السلبية للانفصال هي تمازج ما بين الآثار الاجتماعية والنفسية وصعوبة فصل النسيج الاجتماعي الذي مُزج على مرَّ السنين ولا يمكن تمزيق الاسر من تساقط وتزاوج وما ستفعله دولة الجنوب في الشمال سيفعله الشمال في الجنوب في حال الانفصال. وتحدثت الورقة عن ازدواجية الشخصية التي ستولد من ترسبات الاجيال وعدم الاستقرار النفسي وختمت دكتورة منى الحديث بقولها ان الجنوب غير مستعد لتحمل أعباء دولة مستقلة لذلك لابد من المحافظة على الوحدة وأوصت الورقة بأن يكون هناك مكتب للتوجيه المعنوي لتحديد مسالب الانفصال وأهمية الوحدة ودور المنظمات الطوعية في دعم برنامج الوحدة. تلتها في الحديث البروفيسور بلقيس بدري مقدمة ورقة عن الآثار الاجتماعية للانفصال والتي قالت فيها ان الآثار الاجتماعية تندرج في تشتت الأسر وتحديد هوية جديدة وفقدان السكن وفرص العمل وزيادة التوتر الاثني الديني وظهور منعدمي الجنسية وتوتر العلاقات الاجتماعية والحركة والصداقات والزواج وقبول الآخر مع احتمال فقدان جنوبيي الشمال للعديد من المزايا والخدمات الاجتماعية ما لم يتم تعريفهم كسودانيين، وان مشكلة التعريف ستصبح أكبر معضلة اذ كيف سيتم تحديد ذلك من خلال العرق وان تصبح الجنسية محمولة بالمفهوم العرقي أم بالاصول والمعلوم ان غالبية السودانيين لازالوا لا يملكون بطاقات هوية أو جنسية وفي السودان تمنح الجنسية حتى لمجهولي الابوين بل يتم تمليكهم جوازات سفر فكيف يحرم منها من تعرف أصولهم... ولكن هذه القضايا تنصب في مجمل ما هو اجتماعي. وفي منطقة «أبيي» يمكن التعامل معها كمنطقة حلايب وتصبح منطقة مميزة ومفتوحة للبلدين في حال الانفصال وطرحت الورقة عدة حلول منها اعطاء الحريات الأربع كما فعلت مصر ومع الاقامة الدائمة في السكن والتعليم ومنح حق الممارسة المحلية على مستوى المحليات. واختتمت بلقيس ورقتها بالقول انه من الأفضل عدم الحديث عن لغة الانفصال بل عن بناء دولتين جديدتين حتى نستطيع تقبل الفكرة ومن الممكن ان تخدم كل دولة الأخرى حتى تسير بخطى جديدة عبر دولتين قويتين متكاملتين يمكن أن تعودا لدائرة الوحدة من جديد.