كان والده من حملة القرآن ووالدته شقيقة عمدة ود العباس وبالتالي فإنه نشأ في بيت زعامة دينية واهلية مما اهله ان يجمع في شخصيته بين العلم والعمل وارتياد الآفاق البعيدة. لذلك كان في طليعة من شدوا الرحال في مجال الاستثمار في جنوب السودان في الخمسينيات من القرن الماضي وعملوا في التجارة والزراعة في مناطق شمال اعالي النيل في الرنك وبوط وود دكونة وغيرها.. ولانهم كانوا في مقدمة من ذهب الى هناك في ذلك الوقت المبكر فلقد لاقوا نجاحا كبيرا وبنوا علاقات طيبة وممتدة مع ابناء الجنوب وكانوا محل تقدير واشادة من زعماء وقيادات الجنوب بل نالوا شهادات تقدير من قمة السلطة في الجنوب في ذلك الوقت لانهم كانوا اول من ادخل الزراعة الحديثة والتجارة المتنوعة بالجنوب. كذلك يشهد له بأنه ارشد ووجه ودعم وساعد العديد من ابناء منطقة غرسلي خاصة وسنار عامة في انشاء الاعمال التجارية والشراكات الاستثمارية وكان وراء نجاح الكثيرين منهم في مجال التجارة ممن لهم شأن كبير اليوم في دنيا الاعمال. ايضا تميز الطيب بالوعي والنجاح والسبق في ارتياد الاعمال الجديدة وله القدرة على تنويع اعماله والتوجه الى مجالات لم تطرق من قبله ولما له من وعي وتجارب وصلات واسعة وعلاقات طيبة. كان اول من استشعر بداية تدهور عائد الزراعة المطرية في نهاية القرن الماضي. وبدأ في الدخول في مجالات الاستثمار العقاري، واتجه نحو العقارات التجارية في الشمال وفي سنار خاصة والآن بحمد الله يعتبر من اكبر المستثمرين في بنايات سوق سنار وغيرها من المدن الأخرى.. فهو اليوم يرتاد مجالات الفنادق وبرادات الخضر والفاكهة وتجارة الصمغ والحبوب رغم استمراره في الزراعة في مناطق سنار والنيل الأزرق. نعم كان المرحوم من اوائل المزارعين الذين تفهموا ابعاد تنويع الاستثمار لذلك كان بمخبأ عن الاعسار الذي واجه زملاءه من المزارعين الذين لم يغادروا محطة الزراعة ولم يتمكنوا من تنويع نشاطهم وعانوا كثيرا بعد ان واجهوا ظروف شح الامطار وتدهور اسعار المحاصيل. كان الطيب كريما سخيا حاتميا لا يدانيه احد في الكرم وكانت داره مفتوحة للضيوف من المعارف ومن غيرهم وكان منزله قبلة للزائرين الرائحين والغادين من والى سنار.. هاشا باشاً بشكل قل ان تجده في غيره.. كثير الترحاب بمن يعرفه ومن لا يعرفه. وكان منزله في سنار منارة ومعلما لا تخطئه عين في داخل المدينة وكما جاء في كتاب «بشير محمد بشير» الذي ارخ للشخصيات السودانية فانه «صاحب البيت المفتوح» في سنار ما مر صديق او قريب او احد المعارف من المدن الاخرى او شخصية سياسية عابرة الا استقبله الطيب واكرمه بلا منٍ او اذى.. وحتى في المناسبات الرسمية كان المرحوم يسابق الآخرين لكي ينال شرف ضيافة المسؤولين نيابة عن المدينة. كان هو واهله واسرته دائما في خدمة ضيوف سنار.. اهله لذلك داره الفسيح الذي يعج بالضيوف بشكل دائم ليل نهار.. وها هي داره بالامس تموج بالمعزين من كل حدب وصوب ومن كل مدن السودان ومن مدن اعالي النيل بالذات والنيل الابيض والازرق والجبال. اناس ربما لا يعرفهم الكثيرون ولكنهم عرفوا المرحوم واياديه البيضاء. كان المرحوم اخا اخوان وحمال ثقيلة وحمال اذى تميز بالصبر وسعة الصدر والحكمة وعدم الانفعال وقوة التحمل مما اكسبه ود الآخرين وصداقتهم لا تراه في انفعال او غضب بل كان دائم الابتسام شديد الحرص على التواصل مع الناس، كثير المعارف شديد الاقدام والجرأة وتفقد احوال الناس ومساعدتهم. كان عميق الصلة مع اصدقائه الكثر سخيا في ايصال الهدايا لكل من يزورهم حتى في الخرطوم تسبقه سلات الفاكهة ومطايب مزرعته بسنار وغرسلي.. كان اخا للجميع ومساعدا لكل معارفه ليس في المسائل التجارية فحسب وانما في اصلاح ذات البين وتقديم النصح والمشورة في كل امر طلب منه لذلك يلجأ له الكثيرون لحلحلة المشاكل وتقديم المشورة لما له من تجارب كبيرة وعلاقات ممتدة. لقد نعاه الناعي في الجمعة الماضية فهب لمنزله الناس من كل حدب وصوب ونصبت له سرادق العزاء في خارج السودان «الرياض» مثلما ترحمت عليه كثير من مدن السودان المختلفة وعج منزله باعداد كبيرة من الناس من سنار وخارجها ومن كبار رجالات الدولة والاصدقاء.. كل يعدد مناقبه ويذكر مواقفه الرجولية معه في موقف ما.. كان صاحب مكارم وخلق والتزام شرعي كان شديد الحرص على تعظيم شعيرة الزكاة وكان يحدد اياما في سنار لتوزيع الزكاة واياما في مدينة غرسلي قائماً بنفسه حريصا على توزيعها كما كان رجل صدقات وهدايا يعطي بلا حدود وفي كل زمان.. ليس لمواسم او مناسبات لانه والحمد لله كان ميسورا موفقا ناجحا في تجارته.. ووفقه الله فنال نجاح الدنيا كما ان شاء الله يورثه نعيم الآخرة. لم يترك احداً من اهله بلا عمل وتلك صفة اصيلة من صفاته في صلة الرحم .. كان يساعد كل شخص قادر على العمل ويدربه ويختبره ويبدأ معه بكل صبر في موسم العمل الخاص.. ويشهد له انه افاد الكثيرين حتى اصبح بعضهم الآن من كبار رجال الاعمال.. ساعده في سعيه لاسعاد وانجاح الآخرين حب الخير للناس وساعده ايضا صبره وقدرته على الاقناع وقوة الحجة وحضور البديهة والمنطق.. وبالتالي ففي ذلك ايضا لا يدانيه احد في سنار على الاقل. لقد فقدت سنار شخصا فذا.. رقما.. علما.. قويا.. نشطا، بل شعلة من النشاط والاقدام والقدرة على اقتحام المواقف وعدم التردد.. رجل موفق في كل اعماله لا تهزه الصغائر مثابرا.. واصلا متصلا بالناس يعرفه الجميع معرفة ومكانة لا يدانيه فيها احد.. لم يكن منطويا على ذاته ، لقد كان رحمه الله مثالا نادرا لكل الصفات الحميدة وعنوانا فريدا للمكارم.. تقدم الصفوف في كل حادثة مناصرا لاخيه ظالما ومظلوما.. لا يرضى الا ان يكون صدرا للعالمين مساهماً في حل مشاكلهم.. كان شهما ووغوراً ذا نصرة وفزعة. ألا رحم الله الطيب واحسن اليه وجعل الجنة مثواه.. وعوض الله سنار اليتيمة الآن.