استمرت حالة شد وجذب الشريكين لبعضهم البعض في ما يتعلق بخطوات اجراء الاستفتاء بعد بدء عملية التسجيل في الشمال والجنوب معا، فالاقبال الكبير جنوبا والعزوف عن العملية في الشمال حرك خيوطا جديدة للعبة السياسية، خيوط شدها في هذه المرة الشريك الأكبر المؤتمر الوطني، ولكنه وجهها في اتجاه مختلف هذه المرة هو الاتجاه القانوني كآلية جديدة في تفاعلات الشريكين ما قبل التاسع من يناير، فأمس الاول قام المؤتمر الوطني بالدفع بمذكرة الى المفوضية تحوي احدى عشرة نقطة تتعلق بممارسات المفوضية التي وصفها بالخروقات القانونية التي حفلت بها العملية، معرجا الى ما سمَّاه بسيطرة الحركة وكوادرها على المفوضية ووقوفها عائقا قانونيا امام الوصول الى استفتاء آمن ونزيه، وهو ما يبدو واضحا في التشكيك في حيادية المفوضية باعتباره شرطا اساسيا تحدث عنه قانون الاستفتاء، وباعتباره المرجعية الاساسية التي يجب أن يحتكم اليها الجميع. وفي هذا السياق قال نافع علي نافع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني في تصريحات صحفية عقب لقاء وفد لحزبه بمفوضية الاستفتاء، إن الملاحظات المقدمة تتمثل في البطء الذي صاحب عملية التسجيل بالمراكز، وعدم إلمام العريفين بالجنوبيين، «ومهددات أخرى تمارسها الحركة الشعبية ضد المواطنين». وأشار نافع إلى ما وصفه بعرقلة العريفين لعمليات التسجيل «لأنهم ينكرون أحقية أسر أصيلة في الجنوب»، لافتاً الانتباه إلى سلوكات تقوم بها الحركة الشعبية لخصها في «سياسة الترهيب والتخويف في مواجهة المواطنين الجنوبيين الذين يرغبون في التسجيل». وقال إنه من الممكن أن يتجه حزبه إلى تصعيد الإجراءات «التي من شأنها أن تحفظ للجنوبيين حقوقهم باللجوء إلى أعلى مستويات التقاضي في المحاكم». وفي السياق نفسه، هدد القيادي بالمؤتمر الوطني ربيع عبد العاطي بعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء «إذا لم تحل المشكلات المتعلقة بعملية تسجيل الناخبين» التي بدأت يوم الإثنين الماضي. وأضاف «إذا استمر هذا السلوك من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان فإن هذا لن يؤدي إلى مناخ مواتٍ لإجراء الاستفتاء، وسيؤثر ذلك على النتائج بما قد يؤدي في النهاية إلى عدم اعتراف الحكومة السودانية وأيضا المجتمع الدولي بنتائج الاستفتاء». والتهديد باللجوء الى المحاكم يرتبط بمدى مطابقة الممارسة الاجرائية من قبل المفوضية لمقتضي النص القانوني الذي جاء في قانون الاستفتاء الذي حدد اجراءات العملية وجداولها الزمنية والبيئة الملائمة لتحقيق كل ذلك، وهي الأمور التي اعترض عليها المؤتمر الوطني في مذكرته التي ستعقبها مذكرات اخرى وفق ما جاء في حديثهم، وربما شكوى للمحكمة الدستورية تطعن في اجراءات التسجيل، وربما تقود الى الغاء العملية برمتها، وهو ما يعني ان عملية التأجيل المرفوضة سياسيا قد تأتي عبر نصوص القانون، وهو الخيط الممدود الآن من قبل المؤتمر الوطني واحتجاجاته التي اتجهت نحو اجراءات العملية وسلوكيات المفوضية. ولنقل إن الأمر فقط في الشمال، باعتبار أن المفوضية نفسها قد اعترفت بعدم وجود سلطة لها في الجنوب، وان الحبل هناك يتدلى فقط من قارب الحركة الشعبية التي توجهه وفق ما يحقق تطلعاتها ورغبتها في تحديد مسار النتيجة، هذا بجانب الاعتراض على عملية تعيين الموظفين واختيار العريفين بالإضافة للتعديل في جدولة العملية بقرار سياسي دون العودة للبرلمان باعتباره جهة الاختصاص المنوط بها فعل ذلك، وهو الأمر الذي دفع بالقانونية وعضو البرلمان الى تقديم طعن في هذا الامر في فترة سابقة. وفي إطار النزاع القانوني الذي يقوده المؤتمر الوطني في هذه الفترة، قال القانوني نبيل اديب ل «الصحافة» في اتصال هاتفي إن الخطوة تعتبر خطوة ايجابية تحسب له، وتحسب في اطار سعي الجميع للخضوع لدولة القانون وشرعية الدستور، ولكنه اتجاه لا يمكن أن نقول إنه خالٍ من الشبهة السياسية. واشار اديب الى ان عملية الطعن الدستوري تتم في حالتي تجاوز النص الدستوري المصدق عليه او في حالة انتهاك حقوق مواطن نصت عليها وثيقة الحقوق. واضاف قائلاً إن عملية الطعن في الاجراءات العملية للاستفتاء يجب أن تتم من خلال شخص، لأن الاستفتاء يختلف عن عملية الانتخابات، وهو ما يعني أن المؤتمر الوطني بوصفه تنظيما لا يجوز له ذلك، وقال إن تقديم طعن في هذا التوقيت يتخذ الصفة الادارية، لأنه طعن يتعلق بممارسة الاجراءات الفنية التي يجب ان تتم في اطار القانون. واشار نبيل الى ان اجراءات التأجيل يمكن ان تتم بقرار من المحكمة المختصة في حال تقديم طعن ممن يحق لهم التسجيل والمشاركة في عملية الاستفتاء، الا انه قال إن ما يحدث الآن هو نتاج لما حدث في فترة الانتخابات الاخيرة ولجوء المؤتمر الوطني الى ما سمَّاه بتجدد السوابق الرديئة التي مورست في فترة الانتخابات من قبله. واضاف الا ان عدم الالتزام بالجدول الزمني يعتبر خرقا لقانون الاستفتاء يستوجب الطعن في اجراءات العملية من قبل المفوضية، قبل أن يتساءل عن المفوضية نفسها التي قال انها جاءت وفق ارادة الشريكين وباتفاقهما بعيدا عن الآخرين، وهو ما يعني علو قيمة ما هو سياسي على ما هو قانوني، قائلا انه حتى لو استطاع المؤتمر الوطني الوصول الي التأجيل فكم ستكون فترته، وبعدها نعود الى النقطة نفسها، فالامر يحتاج لتعديلات دستورية اكثر من الحاجة الى اللعب على النصوص الدستورية التي ستحقق اهداف طرف على حساب آخر لن يصمت، وهو ما يعني ان اللجوء للمعالجات والتسويات السياسية يبدو الخيار الافضل للجميع. وفي حديثه ل «الصحافة» قال الخبير القانوني مولانا محمد أحمد سالم إن عملية النزاع القانوني في الاستفتاء تبدو مسألة ايجابية، ويمكن أن تقود لحلحلة القضايا في حال التزم الجميع بالقانون الذي تناول كل ما يتعلق بعملية الاستفتاء، مشيراً إلى أن المذكرة التي تقدم بها المؤتمر الوطني تستند وبشكل اساسي الى النصوص الدستورية والقانونية، مشيرا الى المادة «7» من قانون الاستفتاء التي تحدثت عن ضرورة توفير البيئة الملائمة لاجراء الاستفتاء من قبل كافة مستويات الحكم، سواء أكانت الحكومة المركزية أو حكومة الجنوب أو حتى حكومات الولايات، مشيرا إلى أن المؤتمر الوطني او الاحزاب السياسية عموما تكتسب من خلال شخصيتها الاعتبارية حق تقديم الشكاوى في المسائل العامة، وهو ما يعطيه الحق في اتخاذ مثل هذه الخطوة. وقال إن دستور السودان الانتقالي في وثيقة الحقوق تحدث عن حق الجميع في ممارسة حقوق المواطنة دون اكراه او املاء من احد او منظومة أياً كان نوعها، ويأتي على رأس هذه الأمور حق المشاركة في الاستفتاء، وكل من يحرمه هذا الحق يضع نفسه تحت طائلة العقوبات الجنائية وطائلة قانون مكافحة الأساليب الفاسدة في قانون الاستفتاء. واشار سالم الى ان المتابع للاجراءات التي قابلت العملية يجد الكثير من التجاوزات القانونية في هذه المسألة من قبل المفوضية او من قبل الشريكين التي استمرت الآن في مرحلة التسجيل من خلال حديث بعض الجنوبيين الموجودين في الشمال عن تعرضهم لارهاب وتخويف، وهو امر يتطلب حركة ايجابية بالتقدم بشكاوى للمفوضية، وحسمها بأسرع فرصة من أجل ضمان قبول النتيجة من الجميع، وهو ما يعني أن تداعيات سلبية طويلة المدى ستحدث لاحقا، وهو ما يتطلب من المفوضية أن تاخذ شكوى المؤتمر الوطني مأخذ الجد، خصوصا اذا ما ثبت صحة ما جاء فيها، فإن العملية برمتها سيعاد فيها النظر خصوصا في ظل الحديث عن عدم الحياد من قبل الموظفين، وهو أمر يناهض القانون وبشكل واضح. وقال إن هذه المذكرة تمثل عملية لفت نظر للمفوضية يجب عليها النظر فيها ومعالجة الاخفاقات ان وجدت، وهي خطوة اولى لخطوات لاحقة تأتي تباعا بما فيها خيار اللجوء للمحكمة الدستورية التي يمكن أن تحكم لصالح اعادة عملية التسجيل في سبيل سعيها لدرء الضرر عن مواطنيها في حال تقدم احدهم بشكوى مدعومة بالحيثيات القانونية المؤكدة لفقدانه لحقه في المشاركة في الاستفتاء. واشار سالم الى ان معادلة السباق مع الزمن التي وجدت المفوضية نفسها فيها اجبرتها على تجاوز القانون في ما يتعلق بالجدول الزمني دون الرجوع الى المشرع الذي يعتبر المسؤول الاساسي عن التعديل في الدستور، وهو الأمر الذي أشارت له في مداولات البرلمان الاستاذة بدرية سليمان، كذلك أشار لنقطة اخرى تتعلق بعملية عدم توفر الامكانيات أسوة بتلك التي كانت تملكها مفوضية الانتخابات. وأضاف أن هناك مجموعة من الانتهاكات القانونية يمكن الاشارة لوقوع المفوضية فيها، وهي عوامل قد تقود للتأثير على النتيجة نفسها وعلى التعاطي القانوني معها من قبل المستهدفين او من قبل القوى السياسية من خلال شخصياتها القانونية الاعتبارية. وحديث سالم هذا يتوافق وحديث آخر كانت قد قالته الأحزاب الجنوبية التي هددت بعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء في حال استمرار نهج السيطرة الذي تستخدمه الحركة الشعبية بالجنوب، ومحاولتها للتأثير على الناخبين في الشمال الذين اكتفوا بالفرجة على ما يحدث دون الوصول الى موظفي الاقتراع الذين اصابهم رشاش الاتهامات بعدم الحياد والاهلية لممارسة اختصاصاتهم، وهو ما دفع بالأمين العام للمفوضية السفير عبد الرحمن النجومي للقول إنهم يسعون لايجاد المعالجات، وانهم على استعداد لفصل كل من يخرق القانون، ولكنه حصر الامر داخل حدود اختصاصاتهم داخل مراكز التسجيل والاقتراع، وان الامور الاخرى لا علاقة لهم بها، وتمثل اختصاصات جماعات اخرى، وقال انهم على استعداد للنظر في كافة الشكاوى التي تصلهم في سبيل السعي لانجاز استفتاء حر وآمن ونزيه. إلا أن الشروط التي نتحدث عن السعي لتوفيرها هي نفسها الشروط التي قالت مذكرة الوطني بعدم توفرها على أرض الواقع، وهي نفسها ما سنقوم بالسعي من أجل ايجادها عبر الوسائل القانونية في مقبل الأيام وصولا للمحكمة الدستورية، وهو ما يعني ان فصلا جديدا من النزاع بدأت تترابط خيوطه هو فصل النزاع القانوني الذي لم يفصح بعد عن الخطوة القادمة التي سيمضي فيها الجميع، أم أنهم موعودون بالعودة الى الوراء في رحلة البداية من نقطة الصفر.