وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحجيج يمشون على خطى آباء البشرية والحج حجة على الناس..!!
نشر في الصحافة يوم 25 - 11 - 2010

بمناسبة عيد الفداء أهنئ الشعب السوداني في كل أرجاء الوطن وفي الشتات. فالأضحية والحج وإن كانتا مناسبتين تخصان المسلمين ولكنهما من المناسبات التي تعم كل البشر، فعيد الأضحى عيد للبشرية جمعاء، وقصة الفداء مثال لطاعة المخلوق للخالق وبر الولد للوالد نادرة المثال، مما يحسن الاقتداء به في كل الأحوال. وذلك أن الحج هو العبادة الوحيدة التي خوطب بها الناس جميعا «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» الحج آية «27» بينما أركان الإسلام الأخرى مأمور بها المؤمنون فقط. وفي عبادة الحج والوقوف بعرفة حكمة عظيمة عميت على كثير منا، ولكنها بفضل الله وتمكينه أجلى سرها وسبر غورها مؤلفا كتاب «آذان الأنعام» الأخوان: د. عماد محمد بابكر حسن ومهندس علاء الدين محمد بابكر حسن. جزاهما الله خيرا وجعل جهديهما في ميزان حسناتهما.
وقبل الاطلاع على ذلكم السفر القيم الجرئ الطرح -الذي أنصح القراء الكرام بقراءته ثم إعادة قراءته كما ينصح مؤلفاه في ختام مقدمة الكتاب- لم أتبين الحكمة كاملة من مظهر الحجاج الأشعث الأغبر المتسخ، وهذا العرى إلا من مأزرين غير محكمي الرباط لا يكادان يخفيان العورة مما يلبسه الرجال ! وإن كنت قد وجدت بعض تأويل في قول الإمام علي كرم الله وجهه، إن الله يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد، ولولا ذلك لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره لمن أراد الوضوء وهو يلبس خفا! فالحكمة الربانية ربما عجزت عقولنا المحدودة عن إدراكها، إلا أن ذلك القصور- مع كونه يحرجنا لكنه قطعا لا ينفيها. وبين أيدينا قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام: فنبي الله موسى الذي صحب الخضر ليعلمه مما علمه الله، لم يدرك مغزى أفعال مظهرها الشر مثل ثقب السفينة وقتل الصبي وغيرها، وقد أوضح له معلمه فيما بعد الحكمة من وراء كل ما لم يسطع عليه صبرا!
ولكني رغم ذلك التسكين الوقتي غالبا ما أعود على بدء لتساؤلات لا تجد إجابات شافية، فأذكر في السياق مقولة لأحد الأمدرمانيين من الذين اشتهروا بأقوال متفلتة: إنه لا يحج لأنه يرى أن الحجاج مجانين: فهم عراة يطقعون بالحجار! وبغض النظر عن هذا التجاوز اللفظي المتفلت الذي يتعدى على عقائد الآخرين، وعن أن الحج عبادة تثير في النفوس رهبة عجيبة حتى دون إدراك كامل لمعانيها وهو ركن الإسلام الخامس، والحج هو العبادة الوحيدة التي صحبت الإنسانية منذ فجرها الأول وحتى يوم يبعثون، فالنفس وهي أمارة بالسوء لم يزل بها شيء من حتى، حتى أن مثل تلك المقولات رغم بعدها عن الأدب تجد حظها من الذكر بين الفينة والأخرى..!!
فما المغزى من تحريم قص الأظافر وتحريم قص الشعر وتحريم نتف الإبطين حيث يسيل العرق ويختلط بالتراب، ولا يلبس الذكور سوى قطعتين لا تكاد تستر العورة، بينما الإسلام دين النظافة من الايمان، ودين الطهارة، ودين يقول رسوله الكريم في بعض حديث له «حبب لي من دنياكم الطيب» ودين الحشمة والذوق. فكيف يأمر دين هذا سجله المعروف تلك الحشود المحتشدة بالبعد عن أبسط أبجديات النظافة مدة الحج التي كانت في زمان ماضٍ تمتد شهورا طويلة؟
ويقول الباشمهندس علاء، أحد كاتبي الكتاب الذي نناقشه اليوم، إن أول ما لفت انتباهه واستفزه عند دراسته للحج رفض الفاروق عمر جهرا لفكرة تقبيل الحجر الأسود، ولكنه مارسها طاعة لله ورسوله، فلماذا أبقى الخالق على تلك العبادات التشخيصية التي تمثل امتدادا لممارسات وثنية هذبها وأبقى على المشخصات «الكعبة، جبلي الصفا والمروة، جبل عرفات والحجر الأسود»، ويستمر الباشمهندس في قوله إنه فكر في وجود صلة جيولوجية ما تربط بين الحجارة في تلك الأماكن، ويقول إنه صار يتململ سنويا لمدة تزيد على ست سنوات كلما جاءت مناسبة الحج، مقسما أن من وراء هؤلاء الحفاة العراة المتشبثون بأستار البيت العتيق سراً عظيماً ومعجزة علمية، حتى عقلها، فشكر الله مرتجفا لعظمة الله ومعجزة الإسلام وصغر أنفسنا.
أركان الحج من وقوف بعرفة وطواف وسعي وإحرام معروفة، وكذلك كل من مرَّ بمرحلة الأساس يعرف الحكمة من الحج، ذلك المؤتمر الإسلامي العظيم الذي يحتشد فيه المسلمون كل عام تعظيما لشعائر الله التي أمر بتعظيمها، وهو مظهر لوحدة إسلامية مفتقدة في الواقع توحد المسلمين من حيث المظهر، بحيث لا يوجد فرق بين عربي وعجمي وأبيض وأسود، امرأة أو رجل إلا بالتقوى، كما أراد ربنا، وحكم كثيرة أخرى، لكن هل يوجد في كل ما ذكرت من حكم وما لم أذكر تبرير كافٍ لمظهر الحجيج؟ في «آذان الأنعام» وجدت ضالتي وأُجبت عن سؤالي:
يرد الكتاب في أحد عشر باباً، ومقدمة يشرح فيها المؤلفان المصادفة الغريبة التي قادتهما معا وفي ذات الوقت تقريبا إلى نتائج أكملت بعضها بعضا في هذه الدراسة مع ما يبعدهما من مسافات، فعماد الطبيب في انجلترا وعلاء المهندس في السودان. وقد شرح د. عماد أيضا في المقدمة التساؤلات التي أثارتها في نفسه المجادلات التي خاضها مع أهل الملل الأخرى في أشياء كان يأخذ بها على سبيل البديهيات، وقد وجد أن كثيرا مما وقر في صدره من تفاسير لكثير من القصص هي من الاسرائيليات، ولم يرد بها كلام صريح في القرآن ولا في قول الرسول المثبت، وضرب مثلا بكثير من أمثلة لذلك، منها أن البشرية تناسلت من زواج أخ لأخته بينما تنكر الفطرة السليمة ذلك، وهو من الاسرائيليات، وقد قاده البحث الى اكتشاف عدم صحة ذلك. أبواب الكتاب عناوينها هي: «قصة التطور، قصة الخلق، الحلقة المفقودة، في جنة المأوى، عيد الإنسانية، ملة إبراهيم، المثابة، الحج حجة على الناس، آذان الأنعام وسدرة المنتهى».
ويناقش الكتاب بين دفتيه قضايا غامضة وخطيرة في عقيدة الإنسان وتاريخ البشر، ويقدم لنظرية آذان الأنعام في الخلق والتطور التي تطرح فكرة قرآنية علمية متناسقة لخلق السموات والأرض وسائر الأحياء.
أهم الأفكار التي وردت في الكتاب:
1- خلق الله سبحانه وتعالى الماء أولاً ثم فرض سلطانه عليه، فخلق منه السماوات والأرض وجعل فيه سر الحياة وخلق منه كل الأحياء.
2- عن أصل الخلق، ويرى الكاتبان أن كل الأحياء من نبات وحيوان أصلها واحد.
3- الإنسان قد تطور من مخلوقات أدنى ومن نفس واحدة، وذلك لا ينفي قدرة الله ولا يقيدها تعالى الله عن ذلك علوا عظيما، فبقول كن يستطيع ربنا أن يخلق ما يشاء كيف يشاء، ولكن شاءت حكمته ورحمته أن يخضع الخلق لناموس المنطق والتسلسل، فأودع الله في الإنسان سر التطور في «نطفة أمشاج» والتي رجح الكاتبان أن تكون هي الكروموسومات.
4- أن الحلقة المفقودة التي تحدث عنها داروين هي الطفرة التي تحول بها الإنسان الى كائن عاقل في زمن وجيز، بعد أن نفخ الله فيه من روحه فتحول الى كائن عاقل، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، ثم علمه الأسماء كلها «وهي الطفرة التي ظلت غير مفهومة لعلماء الطبيعة، إذ حدثت خارج قانون الطفرات».
5- إن الله سبحانه وتعالى يخاطب كل أمة حسب تطورها العقلي بما رمز له بلغة الغراب التي تعتمد على التجسيم والتصوير وليس المفاهيم المجردة، مما رمز له بلغة الهدهد.
6- إن أصل البشرية كان في الجزيرة العربية عند مكة حيث مركز الكون.
7- إن الإنسان قبل أن ينفخ فيه الله من روحه كان أقرب إلى الحيوان، افتراسا لغيره قتلا وإفسادا في الأرض في مجرد صراع من أجل البقاء، ولذلك استغربت الملائكة قوله تعالى «إني جاعل في الأرض خليفة» البقرة آية «30» فكانت استجابتهم الفورية «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك» البقرة آية «30»، ولكن الله تعالى أخبرهم بأنه يعلم ما لا يعلمون.
8- فكان أن نفخ الله من روحه في الإنسان وجعله خليفة له محولا إياه لإنسان عاقل، ولكن هذا العقل الذي ميزه به لا تسنده تجارب تعينه على إخضاع الطبيعة القاسية، لذلك رفعه الله ليقيم في جنة المأوى في جبال عرفات التي كانت خضراء مكتسية بالأشجار لا يجوع فيها ولا يعرى، أي لا يتعرض لمهلكات الطبيعة من صواعق وحيوانات وغيرها مما كان يواجهه.
9- أي أن الجنة التي جعله يقيم فيها هي في الأرض وليست جنة السماء التي لا يعقل أن يكون فيها عصاة مثل إبليس بشرط «لا تقربا هذه الشجرة». البقرة «35» والأعراف «19».
10- يقول الكاتبان إن الله سبحانه وتعالى يخاطب كل قوم بلغتهم التي يفهمونها حسب طورهم العقلي، بما رمز له بلغة الغراب التصويرية التي تعبر عما تريده بالفعل «مثلما علم الغراب ابني آدم كيفية دفن الموتى» ولغة الهدهد التجريدية التي تعبر عن الطور العقلي الأكثر رقيا في عهد سيدنا سليمان، حيث نقل له الهدهد خبر مملكة سبأ ومن فيها من قوم لا يعبدون الله الذي خلقهم.
11- وقد فسر الكاتبان الشجرة التي حذر منها الله آدم على أساس لغة الغراب التصويرية، بأنها ترمز للعلاقة الجنسية بما فيها من تداخل واختلاط، وقد أمر الله تعالى الإنسان بالابتعاد من ذلك، حيث لم يكن قد شرع له الزواج بعد.
12- يقول الكاتبان إن من كان في الجنة جماعة الإناث والذكور وليس آدم وحواء كما هو شائع، ويتضح ذلك من خطاب الجمع المثنى في الآيات ذات الصلة.
13- كان إبليس قد رفض أن يسجد لآدم كما أمره الله، وأن ذلك السجود ليس حركيا فلا سجود لغير الله، ولكنه بالخضوع لآدم حتى يطوع قوانينه لمصلحته، بل تعهد إبليس بأن يغوي بني آدم، ولذلك فقد وسوس لهم بأن الله لم ينههما عن تلكما الشجرة الا لأنها ستكتب لهم الخلود عن طريق الذرية، فكان أن استجاب له بعضهم فخالفوا أمر الله وارتكبوا المعصية «فبدت لهما سواءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة» الأعراف «22»، ولكن آدم الرسول لم يكن من العصاة.
14- نتيجة لعصيان البعض أمرهم الله بالنزول من الجنة كلهم، فأخذوا في الاستغفار والتوبة في حالة من الاضطراب والذعر، فهم يعرفون قسوة الحياة ومخاطرها قبل صعودهم إلى عرفات.
15- عند هبوط الإنسان من الجنة كان قد حمل أمانة أن يكون خليفة لله في الأرض، إضافة لأعباء محاربة الطبيعة القاسية ومقاومة عدوه إبليس الذي كان سببا في إخراجه من الجنة.
16- تاب الله على المستغفرين بعد أن أوقع عقوبة على العصاة، وهي حمل حجارة ثقيلة ورصها في جبلين متقابلين هما الصفا والمروة، وقد زودهم ربهم بحجارة لرجم إبليس، إذ لم يكن الانسان في طوره ذاك يعرف التعوذ من الشيطان كما نفعل اليوم، وبشره بأنه قبل توبته ولن يتركه دون رسل يبينون له الصراط السوي ويتعهدونه بالحماية.
17- تطرق الكتاب إلى شرح قوله سبحانه وتعالى بلسان نوح مخاطبا قومه «ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا» نوح «13،14» بأن تلك الأطوار إنما عرفها قوم نوح بالمشاهدة، فلم تكن عندهم وسيلة لمعرفة ما كشفه العلم لاحقاً من أطوار جنينية، ولكنهم يعرفونها بما تناقلته الأجيال، وقد كان عهدهم قريباً من عهد آدم و شهدوا أو نقل اليهم أن الإنسان قد حدثت له تحولات في الشكل والملكات.
18- أن الإنسانية انحدرت كلها من نسل آدم الرسول المصطفى، ثم من أب الانسانية الثاني نوح الذي حملت سفينته أهله حتى من لم يكن آمن «إلا من سبق عليه القول ومنهم ابنه»، وهم من يحملون جينات غير مؤهلة للبقاء فقد أغرقوا، وحمل نوح معه كذلك كل من آمن معه وقد كانوا قليلا لكن انقرض نسل المؤمنين غير المؤهلين جينياً، بينما استمرت الانسانية امتدادا لنسل أبينا نوح. كذلك حملت السفينة زوجين اثنين من الأنعام التي يقول الكاتبان أن فيها سرا عظيما وأنها لم تتطور في الأرض بل أنزلت للانسان من السماء، ولذلك فإن ابليس جعل كيده مركزا على آذان الأنعام «ولاضلنهم ولامنينهم ولامرنهم فليبتكن آذان الانعام ولامرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا» النساء «119».
19- أما الطوفان فلم يشمل كل الأرض بل شمل منطقة نوح عليه السلام كدأبه سبحانه وتعالى في عقاب أهل القرى.
20- في الكتاب تركيز على ملة ابراهيم التي تعني التململ والتساؤل وعدم الركون للأشياء كما هي، فالشك هو طريق للايمان، والملة الحنيفية هي تقليب الأشياء بحثا عن الحقيقة. وفي أداء عبادة الحج استرجاع خاص لسيرة ابراهيم الذي سبق بأن سمانا المسلمين، وقصة الفداء قد حدثت فداءً لابنه اسماعيل في ذات منطقة الحج، وابراهيم هو النبي الذي أمره ربه بأن يؤذن في الناس بالحج.
21- وفي الحج رمز لعلاقة الإنسان بآبائه.
22- والأضحى هو أول يوم في تاريخ الإنسانية العاقلة على الأرض.
عيد الإنسانية:
تقول هذه الدراسة الجديرة بالاطلاع، إن عبادة الحج هي تمثيل سنوي من كل بني آدم لتلك اللحظة الحاسمة في تاريخ الإنسانية، وهي هبوط آبائهم من جنة المأوى إلى الأرض. فالحجاج قد أحرموا قبل مدة من لحظة وصولهم الى المزدلفة، ثم قضوا ليلة بمنى، ثم المسير الى عرفات والوقوف بها طوال اليوم في زحام رهيب وتعاصر وعرق وغبار وقلق من أن يفسد حجهم أو لا يقبل استغفارهم فيضيع الجهد سدى، والحجيج تلهج ألسنتهم بالدعاء والبكاء طوال اليوم ينتظرون لحظة يستشعرون فيها نزول الله الى السماء الدنيا بعد مغيب الشمس لقبول الدعوات وغفران الذنوب، ثم العودة الى وادي مزدلفة لجمع الجمرات وقضاء الليلة فيها، ثم الى منى لرمي الجمرات ورمي الشيطان في أول أيام عيد الأضحى، ثم الطواف حول البيت العتيق، ثم السعي بين الصفا والمروة. وكل ذلك مشهد يعيد ما فعله آباؤنا تتبعا خطوة بخطوة مما يجب أن ندرك حكمته لنستشعر عظمته.
فسبحان الله ما أبلغ حكمته وما أشد جهلنا!
في تزكيتي لهذا الكتاب لا أدعي المقدرة على قبول أو رفض الأفكار الجديدة الواردة بين جنباته، ولكني بقول الرسول الكريم «استفت نفسك»، فقد وجدت أن كثيرا من جوانب الدراسة تلقي الضوء على عدة أمور ظلت ردحا من الزمان غامضة بالنسبة لي، وقد اطمأنت نفسي لمعظم ما جاء بها، ولذلك فإنني أدعو من يملك ناصية العلوم ذات الاختصاص الى الاسراع بإخضاع مثل هذا الكتاب وكل ما يرد من مستجدات في أمور العقيدة، للدراسة والتحليل رفضا أو قبولا. ولا أخفي احتفائي الكبير بهذا الكتاب الذي يخاطبنا من تحت دوحة العلم. وأبرز ما لفت نظري بطريقة سرده: ذلك الإعلاء لكشوفات العلم الثابتة وعدم تجاهلها بسبب مفاهيم وقرت في الصدور نتيجة لتفاسير قصرت فهومها عما توصل له العلم اليوم. فكتاب بدأ باقرأ لا بد من إحسان تدبره كما أمرنا ربنا. كما أشيد بالأسلوب السلس المتسلسل الذي عمد فيه الكاتبان إلى خلخلة المفاهيم الراسخة التي بقول د. عماد في مكان آخر «موقع تأويل» توجد في شكل ملفات في العقل الإنساني، وخاصة ما يختص منها بمسائل العقيدة، تحفظ في مناطق لا يسهل الوصول اليها لتغييرها. وأخيراً لا أخفي بأن جزءاً من احتفالي بهذا الكتاب يرجع الى أنه كتب بأقلام سودانية في الأصل، فالأرواح أجناد مجندة ما تعارف منها ائتلف.
وسلمتم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.