نظمت مؤسسة «مو إبراهيم» لمؤسسها رجل الأعمال السوداني محمد فتحي إبراهيم منتدى في عاصمة موريشص «بورت لويس» شارك فيه نحو أربعمائة من الرموز والخبرات والعقول وقادة المجتمع المدني لمناقشة التكامل الاقتصادي بين دول القارة،ورغم الصورة القاتمة ، حاول المؤتمرون خلال أربع جلسات الأحد الماضي من تشخيص الأزمات الأفريقية سياسيا واقتصاديا،وبالطبع فان قضايا غياب الشفافية والحريات والفساد وضعف التعليم والصرف على البحث العلمي والتنمية البشرية كان القاسم المشترك في تخلف القارة،ومع الوصفات التقليدية للتحديات فثمة تشديد على ضرورة الاهتمام بإعداد أجيال جديدة تؤمن بالحريات وحقوق الإنسان وصوغها وتدريبها ومساعدتها للانضمام إلى المؤسسات الإقليمية والدولية،وستكون الأجيال التي لا ترهن نفسها للحاضر البائس هي مستقبل القارة السمراء. وإدراكاً منهم لأهمية التكامل الاقتصادي باعتباره خطوة ضرورية نحو تنمية أكبر للاقتصادات الإفريقية، فقد استعرض المشاركون خطة عمل للدفع بهذه «الأجندة» إلى الأمام. واقر المنتدى خطة عمل تدعو إلى وضع القادة أمام تحدي التفكير بجرأة وإيقاف الجدل والشروع في العمل، فكل أصحاب المصلحة يجب ان يحاسبوا من خلال قياس وتقييم النتائج الملموسة، واتفق المشاركون على أن المال الإفريقي كان متاحاً ويمكن أن يتاح من أجل تكامل أكبر وبالأخص في حالة مشاريع البنى التحتية. فثروة إفريقيا من الموارد الطبيعية غير المستغلة كان ينظر إليها باعتبارها عاملاً رئيساً في خلق الثروة، فأسعار السلع المرتفعة والطلب المتزايد سيدعم الفرص غير المسبوقة لاستغلال هذه الاحتياطات الضخمة، ويمكن أيضاً الاستفادة من صناديق المعاشات شريطة استثمارها على نطاق القارة. ورأى المشاركون أن سوق الأوراق المالية الإفريقية مطلوبة لخلق عوامل الاستثمار وتزويد القطاعات الخاصة بوسيلة لتحقيق استثماراتها. وبرزت دعوات لتجاوز خطاب كسر الحواجز للصيغ التجارية وصيغ العون الماثلة، فبدلاً عن ذلك حان الوقت لدفع قادتنا لتقديم القيادة الرشيدة المطلوبة لوضع أولويات المشاريع وخلق الأدوات المالية المبتكرة مثل سندات البنى التحتية لتنفيذ برامج التكامل الأكبر. كما اعتبرت وسائل الإعلام شريكاً استراتيجياً لخلق حاجة ملحَّة للتكامل الأكبر من خلال اطلاع الناس على فوائدها. ونادى المشاركون بتحديد الأولويات القومية للتكامل الاقتصادي الإقليمي باعتباره أمراً ضرورياً كما هو الحال في أوربا، على أن يأتي هذا من تلقاء قادة القطاع الخاص والاستثمار الذين يحددون الفرص والإمكانات والذين يعرفون أن اقتصادات التدرج التي يمكن أن تحقق عبر التكامل تعتبر ضرورية لإقرار تنمية أكبر. واعتبر تنوع الشعب الإفريقي والشباب من سكان القارة مورداً غير مستغل ويجب أن يعطى الفرص ليتحول إلى قوة عاملة مقتدرة ومنتجة، مع وضع الأطر مطلوب للعمل مع الشركاء الخارجيين حتى ينتزع الأفارقة الفائدة الأكبر من هذه الشراكات. ويعد تقييم التقدم نحو تكامل أكبر يعتبر حجر الزاوية لأي برامج وخطط مستقبلية، فدليل إبراهيم للحكم الإفريقي الذي قامت بتأليفه مؤسسة «مو إبراهيم» سينظر في تضمين هذه المعايير في المستقبل لكن من الضروري أن تكون هناك وسيلة تقييم مشتركة ومستقلة. وبينما كان مشاركون يتحدثون عن ضرورة فتح الحدود بين الدول الأفريقية لعبور الأفراد والسلع والحيوانات من اجل تحقيق تكامل اقتصادي،أشار آخرون إلى مفارقة أن جنوب السودان يتجه إلى الاستقلال دولة وليدة في القارة لكنهم اعتبروا أن الخطوة يمكن أن تكون طارئة وان الوحدة الأفريقية لو تحققت فستصحح ما جرى. إن إبراهيم مؤسس مؤسسة مو إبراهيم ورئيسها تحدى القادة الأفارقة أن يتبنوا أجندة طموحة لتكامل اقتصادي إقليمي أكبر، حيث قال: «إن بناء التكامل الاقتصادي الإقليمي يجب أن تؤكده مبادئ الحكم والشفافية والمحاسبة التي يقدمها القادة الجريئون كل الجرأة بحيث تكون لديهم رؤية لمستقبل مشترك»، وقال رئيس وزراء جمهورية موريشص الدكتور نافينشاندرا رامغولام: «نحن نؤمن بشدة بتصور لقارة إفريقية حية وحديثة، فاليوم تستعد إفريقيا لما يمكن أن يكون أكثر الأعوام ازدهاراً في تاريخها الاقتصادي القريب، شريطة أن ننجز ما هو ضروري لجعل اقتصاداتنا تؤدي أداءً أفضل على المستويين القومي والإقليمي». إن التحالف من أجل الحوار حول إفريقيا سيكون عاملاً رئيساً الآن في دفع هذه الأجندة، فالتحالف من أجل الحوار حول إفريقيا سيعقد اجتماعاً في أديس أبابا لدى قمة القرن الإفريقي في يناير المقبل من أجل التأكد من امتلاك الشعب لأجندة التكامل وأن هذه الأجندة تتوافق مع خططهم واولوياتهم. موريشص والسودان لم يأت اختيار موريشص لاستضافة المنتدى لجمالها وطبيعتها الخلابة وشواطئها الساحرة،وإنما لتقدمها في المؤشر السياسي والاقتصادي والاجتماعي حيث جاءت في المرتبة الأولى للعام الثالث على التوالي في حكم القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما احتلت مراكز متقدمة في التنمية البشرية والفرص الاقتصادية، بينما وضع المؤشر السودان في المرتبة رقم 47 بين 53 دولة. وجزيرة موريشص التي قطعنا أكباد الطائرات من أجل الوصول إليها عبر نيروبي وانتاناناريفو عاصمة جزيرة مدغشقر بخطوط طيران مختلفة ليس من بينها للأسف «سودانير» وإنما الكيني والمدغري والموريشي ،مساحتها نحو ألفي كيلومتر ومساحة منطقة أبيي نحو تسعة آلاف كيلومتر بعد قرار هيئة التحكيم الدولية،وعدد سكان الجزيرة 1.2 مليون نسمة أي أقل من عدد سكان أمبدة بأم درمان. مشاركة أفريقية وسودانية شارك في المنتدى نخبة من رموز القارة ومفكريها من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان،ورئيس تنزانيا السابق سالم أحمد سالم ،ورئيس موزمبيق السابق جواكيم شيسانو،ورئيس بتسوانا السابق فيستوس موقاي، وحصل الأخيران على جائزة «مو إبراهيم» للانجاز لما حققاه في حكم القانون والحريات والتنمية البشرية، وذلك في عامي 2007 و2008 بينما حجبت الجائزة في العامين الأخيرين. ومن بين حضور المنتدى أيضا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ ، والدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق ،ومن ضيوف المنتدى رئيسة ايرلندا السابقة ماري روبنسون التي تولت رئاسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ،و جنداي فريزر مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية السابقة في عهد «إدارة بوش الجمهورية» المنصرفة. ومن السودان شارك في المنتدى الدكتور الطيب حاج عطية، والبروفيسور الطيب زين العابدين، والبروفيسور قاسم بدري، والدكتور أمين مكي مدني، والدكتور بيتر أدوك «وزير التعليم العالي»، والدكتور مأمون حميدة، والتجاني الكارب،و ياسر عرمان،والمحامي صالح محمود،وأمين سيد أحمد، والدكتورة ناهد محمد الحسن،ومن الصحفيين خالد التجاني، والسر سيد أحمد، والنور أحمد. رقص وزغاريد شهدت قاعة سوامي الجميلة التي استضافت المنتدى الليلة التي سبقته حفلا ثقافيا مشهودا أحيته المطربة الأفريقية الشهيرة انجليك كيدجو ،وزميلها السنغالي ذو الصوت المتميز يوسو نادور، والمطربة الشابة الراقصة لينزي باكبوتي ،وعبر المطربون عن قضايا أفريقيا وهمومها وأحلامها بموسيقى راقية ،وتمايل معهم الحضور طربا ورقصا،وانطلقت من وسط الدائرة رغرودة سودانية خالصة دوت لها أركان القاعة. أثناء الحفل كانت تجلس خلفنا جنداي فريزر وهي منتشية ترقص وتتمايل يمينا وشمالا،ولأني مهموم بالسياسة والاستفتاء اقتربت منها وحاولت أن أتجاذب معها الحديث عن مستقبل بلادي، لكنها قالت لي «الوقت للموسيقى والرقص فانضم إلينا» فانسحبت مسرعا لأني لا أجيد الرقص،وتبسمت وتبسم من حولها.