مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات نيفاشا .. المخاطر .. ومواجهة التحديات
قبيل الإستفتاء
نشر في الصحافة يوم 30 - 11 - 2010

لا تنفصل إتفاقية نيفاشا ومسارات تنفيذها المتعرجة ونتائجها النهائية عن الظروف والأوضاع التي أنتجتها . فبعد ست سنوات من التوقيع عليها ، فإن الإتفاقية التي حققت للحركة الشعبية لتحرير السودان ، ما لم تحققه من الحرب ، وضعت الجنوب في نهاية المطاف ، على طريق الإنفصال ، الذي كان هدفاً إستراتيجياً لكل حركات التمرد المسلح بالإقليم منذ العام 1955م.
لقد فشلت وصفة نيفاشا في إيجاد الحلول الجذرية لكل مشاكل البلاد ، حسب الإدعاءات التي راجت بشأنها ، خصوصاً وعدها بسودان جديد ، بإعتبار أن نيفاشا هي بمثابة الإستقلال الثاني وفق مزاعم أنصارها
لقد تميزت الظروف التي أنتجت نيفاشا بعدة سمات أهمها :
عزلة خارجية يعاني منها النظام بسبب الموقف العدائي للدول الغربية منه والتي عملت بزعامة الولايات المتحدة لإسقاطه بدعم المعارضة ، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ولذلك فإن المفاوضات التي رعتها أمريكا ، لم تعبر عن تغير في الموقف الغربي والأمريكي تجاه النظام ، بقدر ما كانت تغييراً في تكتيك المعسكر الغربي ، لغرض الوصول لتحقيق ذات أهداف الحرب من خلال التفاوض .
وقد اتخذت أمريكا موقفاً صريحاً بدعم مطالب الحركة خلال التفاوض ، وهددت النظام بما أسمته قانون سلام السودان لذلك فان المفاوضات لم تجر أبدا بين طرفين متكافئين أو بعيداً عن الضغوط والتدخلات الخارجية .
وعانى النظام من عزلة داخلية ، نتيجة حربه المستمرة على القوى السياسية كافة منذ تفرده بالحكم في أعقاب انقلاب 30 يونيو 1989م .
وقد جاءت مفاوضات نيفاشا كنتيجة لفشل خيار الحسم العسكري الذي تبناه النظام منذ يومه الأول ، وذلك نتيجة الدعم الذي توفر للحركة الشعبية من قبل أمريكا وحلفائها بجانب بعض دول الجوار .
وقد تميزت الإتفاقية بصورة عامة ، بالثنائية ، القائمة على إقصاء الأطراف السودانية الأخرى ، بما في ذلك حلفاء الحركة في التجمع الوطني الديمقراطي ، بسبب إختصار التفاوض على طرفي الحرب : النظام وحزبه الحاكم من جانب والحركة الشعبية وجيشها من الجانب الآخر .
وقد إنعكست هذه الثنائية في إنطلاق التفاوض من نظرة تجزيئية( شمال مقابل جنوب) مما غيّب الرؤية الوطنية الشاملة للأمور .
كما إتسمت الإتفاقية والمفاوضات التي أنتجتها ، بعدم شمول القضايا الوطنية ، كما هو ماثل في المسألة الدارفورية التي زعزعت الأوضاع في البلاد ، عقب التوقيع على إتفاقية نيفاشا مباشرة ، وإعادتها الى مربع ما قبل نيفاشا .
أسست نيفاشا طبقاً لورقة مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي ، سوداناً بنظامين ، إسلامي التوجه في الشمال ، وعلماني في الجنوب ، على قاعدة من العداء المبطن للحريات الديمقراطية ، وإقصاء الآخر وهو ما عكس نفسه في التراجع في ميدان الممارسة السياسية القائمة على التعددية ، والمصالحة والوحدة الوطنية ، إن واقع الضغوط والإملاءات الخارجية ، أوجد شرخاً وتصدعاً في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، عبر عن نفسه بوجود قوى وتيارات نافذة ترفض الإتفاقية منذ يومها الأول ، وأخرى تدعو للتعجيل بالتخلص من الجنوب . وقد عززت هذه القوى عوامل عدم الثقة بين طرفي نيفاشا وأشاعت مناخ الصراع والتنافس ، وهو ما جعل نظام نيفاشا يفشل في ترسيخ السلام والوحدة ، من خلال برنامج واضح يحقق إعمار ما دمرته الحرب وإعادة توطين النازحين واللاجئين وتوفير خدمات التعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب والسكن والطرق ، وفرص العمل وتحسين الأوضاع المعيشية مما أشاع مناخاً من السخط وسط المواطنين وإحساساً متزايداً بالضيم ، لم تقابله الحكومة إلا بالمزيد من الكبت والقمع .
أدت الإتفاقية لتكريس الحركة كثاني أكبر تنظيم سياسي بالبلاد بعد المؤتمر الوطني
(الجبهة القومية الإسلامية) وتفردها بشئون الجنوب مع مشاركة رمزية في السلطة المركزية مما أدى الى واقع انفصالي في الجنوب وفي جو الصراع الخفي والظاهر بين الطرفين فشل نظام الحكم في التصدي لأهم القضايا التي واجهتها البلاد بعد التوقيع على الإتفاقية ، وهي قضية الحرب الأهلية في دارفور ، حيث اتخذ الطرفان ، الحركة والمؤتمر الوطني ، مواقف متباينة منها ، خاصة فيما يتعلق بنشر القوات الدولية في دارفور ومحاكمة جرائم الحرب أمام محكمة الجزاء الدولية ، فضلاً عن مطلوبات سلام دارفور نفسه . وقد عبر هذا الصراع عن نفسه ميدانياً في توترات في النيل الأزرق وجبال النوبة ، حيث فشل الطرفان في تقديم مثال معقول للشراكة في الحكم . وبلغ الصراع ذروته في التصادمات المسلحة التي شهدتها أبيي مما جعل من سنوات الإنتقال الست مجرد هدنة طويلة ، تخللتها إعمال التمكين وتحشيد القوى لحرب محتملة . في هذا السياق يشار الى أن أكثر من 60% من ميزانية الجنوب تذهب للجيش الشعبي .
لقد راهنت قوى سياسية عديدة وقطاعات واسعة من الرأي العام على الحركة الشعبية إبان الصراع مع النظام ، في إستعادة الديمقراطية وتحقيق السلام والرفاهية لشعبنا بعد أن بدا أن القوى الشمالية المعارضة لا تمتلك البرنامج الذي يعبر عن تطلعات المواطنين ولا القدرات في مقارعة النظام .
وتعلقت تلك الآمال والتطلعات بقائد الحركة العقيد / جون قرنق وتعتبر وفاة قرنق في حادث تحطم طائرة أوغندية على الحدود ، بما اكتنفه من غموض نقطة تحول هامة في تطور الحركة إذ يعزى الى هذا الحدث الذي وقع بعد ثلاثة أسابيع من التوقيع على إتفاقية نيفاشا ، التراجع الكبير في التوجهات الوحدوية (المعلنة) للحركة بإعتبارها الضامنة الأساسية لهذا التوجه ، فضلاً عن التعثر في تنفيذ الإتفاقية ، التي تم تفصيلها في بعض جوانبها على مقاس قرنق المناصب الثلاثة ( النائب الأول لرئيس الجمهورية ، رئيس حكومة الجنوب ، القائد العام للجيش الشعبي ) .
إذ بدا خلفه سلفاكير ومنذ الوهلة الأولى ، أقل قامة من كل تلك المناصب . فالحركة الشعبية تنظيم شبه عسكري ، عماده الجيش الشعبي لتحرير السودان هي نمط الأحزاب التقليدية التي تعتمد على القيادة الكاريزمية في علاقتها بالجماهير ، وقد قال سلفاكير في إجتماع مواجهة مع قرنق في رمبيك ، قبيل التوقيع على اتفاقية نيفاشا (ديسمبر 2004م)،(إن قرنق يحمل الحركة في حقيبته ويذهب بها أينما ذهب ). وبوفاته انطوت صفحة من مسيرة الحركة وسمها بطابعه وأطروحاته بشأن السودان الجديد ، وعلى خلاف حركات التمرد السابقة في الجنوب ، استطاع جون قرنق أن يوفر لحركته غطاءً وطنياً من خلال التحالف مع أحزاب شمالية ، عملت على الاستقواء به ضمن التجمع الوطني الديمقراطي ، والتي سعت بدورها لتستوعبه عربياً ، خاصة لدي البلدان ذات التأثير علي الشأن السوداني ، مثل ليبيا ومصر .
وفي مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية عام 1995 ، استطاع قرنق أن يؤمن تأييد ودعم تلك القوى السياسية الشمالية في صراعه مع جناح ريك مشار ولام أكول الذي انشق عن الحركة عام 1993م - تحت شعار استقلال جنوب السودان حيث تبنت أطراف مؤتمر أسمرا حق جنوب السودان في تقرير مصيره ، (كحق ديمقراطي وإنساني ) نظير تأييد قرنق وحركته للوحدة والتصويت لصالحها عند الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب .
اختفاء قرنق من المسرح السياسي قابله من الجانب الآخر ، تضاؤل دور (النيفاشيين) في سلطة المؤتمر الوطني ، وتزايد نفوذ من عرفوا بالصقور ، وقد تطور الأمر إلى تقديم نائب الرئيس استقالته ، ومغادرته الى تركيا في أجواء الصراع الداخلي الذي أفرزته نيفاشا أما المفارقة الجوهرية في اتفاقية نيفاشا ، تكمن في رهانها على تحول قادة الحرب إلى رسل سلام ، ودعاة الانفصال في الجانبين إلى دعامات لوحدة السودان ، وأعداء الحرية والديمقراطية إلى صناع للتحول الديمقراطي والتعددية السياسية . وكانت محصلة الممارسة السياسية في ظل نيفاشا مزيدا من التردي في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومزيداً من العزله الخارجية ، مع تزايد الضغوط على مركز السلطة من اجل تفكيكه أو تغويضه من الداخل . وبعد تبدد وعود الإسلاميين خلال عقدين من الزمان ، أصبح السودان على عتبة التمزق والانقسام . في هذا السياق يمكن النظر إلى نيفاشا كخدعة او لعبة من ألعاب الأمم التي سقطت في فخها القوى السياسية التي قايضت وحدة البلاد في سوق السياسة ، تحقيقاً لمصالحها الحزبية الضيقة .
في إطار استحقاقات نيفاشا أتاحت تجربة الاقتراع في الانتخابات لكافة المشاركين من القوى السياسية والناخبين والمراقبين تلمس ما أحاط بالتجربة من سلبيات وأخطاء وتدابير فاسدة أكدت سلامة موقف حزب البعث الذي أعلن ومنذ وقت مبكر مقاطعته للانتخابات قبل أن تتداعى العديد من القوى السياسية لنفس الموقف ولو مؤخرا .
لقد كان واضحاً لكل أبناء وبنات شعبنا وقواه السياسية التي راهنت على الانتخابات كآلية لاستكمال الانتقال نحو الديمقراطية في إطار وعود نيفاشا ، كان واضحاً ان انتخابات يضع قواعدها الحزب الحاكم ويديرها ، في ظل قوانين القمع ومصادرة الحريات لن تكون نتيجتها معبره عن إرادة الشعب السوداني ، لقد عمل النظام على إفراغ الانتخابات من مضامينها الديمقراطية ، وتحويلها إلى إجراء شكلي لإضفاء شرعية شعبية لنظام المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب لاستكمال مشروعها (النيفاشي ) وإقصاء كافة الأطراف الوطنية التي أعلنت لاحقاً رفض نتائج الانتخابات والمطالبة بانتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها حكومة انتقاليه تضم في تكوينها مختلف القوى السياسية . عليه فان نتائج الانتخابات المزورة كرست نفس واقع ما قبل الانتخابات - لتقود البلاد لاستكمال استحقاقات نيفاشا بقيام الاستفتاء في نهاية المرحلة الانتقالية في يناير 2011م.
إن انفصال الجنوب سيشكل العنوان الأبرز لفشل السياسة السودانية في التعامل الراشد مع قضايا البلاد ، خاصة ما يتعلق بإدارة التنوع الثقافي وامتداداته العربية والافريقيه وتعبيراته في السياسة الخارجية للبلاد . فالانفصال ، بدعاوي التباينات الاثنية ليس قدراً محتوماً ، فمثال قبرص وشمال الصومال وشمال العراق ،، يؤشر الدور الذي تلعبه الإرادات الخارجية في تقرير اختبارات الانفصال او الوحدة . وبلا شك في أن القوى الخارجية التي قامت بتصميم نيفاشا ، ساهمت بدور كبير في وضع الجنوب على طريق الانفصال ، بتناغم تام مع سياسات النظام القائمة على الإقصاء الثقافي والسياسي والاستعلاء العرقي والقمع بجانب عجزه عن الدفاع عن وحدة البلاد وسيادتها .
ان انفصال الجنوب سيعني مرحلة جديدة في تاريخ .سودان جديد - يحدد كيان الشمال بمكوناته السكانية وموارده الاقتصادية . وفضلاً عن مشكلات إعادة التأسيس الدستوري للكيان السياسي للشمال في غياب الوفاق والإجماع الوطني ، والأزمة الاقتصادية التي ستتجدد بخروج عائدات البترول من الميزانية وشح الموارد ( بعد خصم مساهمة الجنوب من العائدات الزراعية وغيرها ) فان إشكالية العلاقة مع الجنوب ، ستبقى قائمة بوجود الكثير من المسائل العالقة ، مثل الحدود ، المراعي ، المياه ، القبائل المتداخلة مما يرشحها إلى أن تكون على غرار علاقة الكوريتين ، أو باكستان والهند - وارتريا وأثيوبيا.
ومثل هذه العلاقة المتوترة يمكن أن تتغذى بدفع من القوى الخارجية ، باستخدام الجنوب كوسيلة ضغط واستنزاف للشمال. في هذا الإطار فان الجنوب المنفصل يمكن ان يكون حافزاً لتنامي المطالب بحق تقرير المصير في المناطق المتاخمة له وداعماً للدعوات الانفصالية وغيرها .
غير أن تصعيد المسألة الدار فورية - بعد 9 يناير ، ودفعها على ذات الطريق الذي سلكته المسألة الجنوبية ، سيكون في مقدمة التحديات التي ستواجه ما تبقى من السودان ، أي كيان الشمال، إذ أن دارفور ستكون ميدان الصراع مع القوى الدولية الهادفة لتغويض النظام - ومن ثم إعادة هيكلة السودان ، التي يمثل انفصال الجنوب أولى حلقاتها ، وإزاء هذه التحديات وغيرها ، فان النظام لا يملك خيارات عديدة ، غير المزيد من القمع والاضطهاد ، بدء من إعادة العمل بقانون الطوارئ مستغلا الأوضاع الانتقالية التي ستنشأ في حالة انفصال الجنوب .
كما أن القوى السياسية التي رهنت إرادتها للأجنبي وساومت بوحدة البلاد ، وعقدت الصفقات المشبوهة مع النظام ، لن يكون بمقدورها ، إبداء موقف فعال في مواجهة تردى البلاد إلى هاوية التقسيم ، عليه من المتوقع أن تلتحق بعض القوى السياسية المحسوبة على المعارضة بركب النظام بدواعي ومبررات مختلفة ، يتشكل على ضوء ذلك اصطفاف جديد في خارطة الصراع السياسي في بلادنا في حالتي الوحدة أو الانفصال ، وتبقى احتمالات التغير الفوقية محصورة داخل النظام وبين تياراته المتصارعة وحلفائه الجدد وان جرى ذلك التغيير في بنية النظام وسياساته فانه يظل تغييرا جزئياً وفوقياً وزائفاً .
ان المتغيرات المتوقعة في إطار الصراع السياسي والاجتماعي في بلادنا خلال المرحلة القادمة - والتي تتداخل وتندمج فيها البدائل الزائفة ( البديل الأمريكي - التدخل الأجنبي - والمصالحة) تدفع جميعها باتجاه تكريس معطيات جديده تعمق الأزمة الوطنية الشاملة ، وتضع بلادنا في مفترق طرق لاسيما وحدة البلاد وسيادتها واستقلالها .
ان ما تطرحه المرحلة الراهنة من تحديات وأزمات متوقعه خاصة في حالة ان يذهب الاستفتاء بفصل جنوب السودان عن شماله - تتطلب مستوى عالٍ من العمل المبدئي لمواجهة مخططات التفتيت والهيمنة والاحتراب الأهلي .
فعلى القوى الوحدوية المؤمنة بوحدة السودان العمل من اجل دعم الوحدة باعتبارها الخيار والواجب الوطني الأول ، وباعتبارها تطلع مستقبلي يتعين على الجميع في الشمال والجنوب ، تعزيزها، او إعادة بنائها ، إذا اقتضى الأمر، فالوحدة هي المشروع السياسي الديمقراطي للمستقبل الذي يبنيه الجنوبيون على قدم المساواة مع أخوانهم الشماليين كشركاء في الوطن متساويين في الفرص والحقوق والواجبات . فالوحدة يجب الا تترك لدعاة الانفصال ليقرروا بشأن مستقبل بلادنا وشعبنا .
رغم أن كل المؤشرات تؤكد أن الإنفصال أصبح أمراًُ مؤكداً ، لا يحتاج سوى إعلانه بعد الإستفتاء ، رغم أن الكثيرين قد أيقنوا بأن الحديث والدعوى للوحدة مضيعة للوقت والجهد ، وأن الأفيد هو العمل على تدارك مخاطر الإنفصال ومحاصرته ، ساهم في تعزيز ذلك خلافات الشريكين والإتهامات والتصريحات والتصريحات المضادة ، وعمق ذلك الإتجاه عزوف الناخبين الجنوبيين عن التسجيل في الشمال مع عجز مفوضية الإستفتاء في توفير البيئة والظروف الملائمة من أجل إعداد وتنظيم الممارسة الحرة لإجراءات الإستفتاء ، رغم كل هذه المعطيات السالبة لارجحية خيار الوحدة ، تبقى الوحدة هي الأصل وهي طبيعة الاشياء في العالم ، حتى لو أفضى الإستفتاء لإنفصال الجنوب ، سوف يظل شعب السودان شعباً واحداً في دولة واحدة أو دولتين ولو الى حين .
كل هذه المعطيات تؤكد على أهمية إستيعاب التحديات التي تطرحها المرحلة الراهنة لإستكشاف البديل التأريخي لها ، ومواجهة تحدياته ، وسلم أولويات ذلك توحيد الجهود الوطنية لمواجهة تداعيات المرحلة القادمة ، والإستفادة من دروس الماضي ، من منطلق المسئولية الوطنية عبر حوار سلمي ديمقراطي ، لا يستثني أحداً لإيجاد حلول متفق عليها ، لمعالجة كافة الإشكالات التي أعاقت مسيرة التطور الوطني في بلادنا ، فالخروج من الأزمة الوطنية الشاملة ، لا يتحقق إلا عبر جهد وطني مجمع عليه ، كسبيل وحيد لتجاوز تداعيات الوضع السياسي الراهن وما يمكن ان تفرزه نتائج الإستفتاء من تداعيات على مجمل الأوضاع في البلاد ، ليصبح المعيار لأي إنجاز وطني حقيقي هو إمكانية تغيير الواقع لصالح تطلعات شعبنا في الحياة الحرة الكريمة .. وإلا فإن الإحتمالات الأسوأ سوف تكون مفتوحة وعلى كل الإتجاهات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.