الكاتب السوداني طارق الطيب تميز بابداعه المتنوع والمتعدد فهو روائي وقاص وشاعر وتشكيلي قام بتصميم عدد من اغلفة كتبه الروائية فهو كاتب نشأ وتأثر ببيئات مختلفة فهو من أب سوداني من مواليد مدينة كوستي وأم مصرية سودانية نشأ وتربى في أحياء القاهرة العريقة( حي باب الشعرية) الذي كتب عنه الكاتب عبد المنعم الجداوي رواية نساء من باب الشعرية ثم انتقل منها في شبابه ليعيش في فيينا وهو استاذ بجامعة العلوم الادارية بمدينة كريمس له سته اعمال منشورة بالعربية وبعض الترجمات الى اللغات الاوربية من اصداراته المجموعة القصصية ( الجمل لا يقف خلف اشارة حمراء) التي قال عنها الطيب صالح: أكثر ما جذبني في هذه المجموعة ، القصص التي استمد الكاتب مواضيعها من حياته في ( فيينا) ذلك لأنها تمتاز بروح السخرية والفكاهة المرة أحياناً بالمقارنة الى الكآبة التي وجدتها في غالبية القصص التي تستمد مواضيعها من البيئة المحلية وايضاً لأن هذه القصص أوحت لي بمناخات جديدة علي ولا شك أن الكاتب سوف يجد في هذه البيئة الأجنبية فرصاً واسعة للابداع في أعماله المقبلة. كما صدرت له مدن بلا نخيل وقد قدمت لها قراءات قبل أيام قليلة في القاهرة وتخليصات( ارهاب العين البيضاء) مجموعة شعرية وكذلك مجموعة حقيبة مملوءة بحمام وهديل ، وأذكروا محاسن( مجموعة قصصية) ومسرحية الأسانسير وأخيرا صدرت له رواية بيت النخيل التي ،كتب عنها الناقد مجذوب عيدروس في كتاب ( بحوث في الرواية السودانية ) الصادر عن مركزعبد الكريم ميرغني الثقافي.. التقيت الكاتب طارق عبر الانترنت رغم مشغولياته وسفرياته الكثيرة فخرجت منه بهذه الحصيلة : 6- وصف الطيب صالح طارق الطيب بأنه مرهف الحساسية ويملك تجربة صعبة وطموحاً و ... وينادي طارق الطيب عبر حوار أجري معه لعدم أصنمة الطيب صالح ماذا تعني؟ أشكرك على هذا السؤال. الطيب صالح كاتب عظيم وفريد وقد كتبت عنه في كتاب: (الطيب صالح- دراسات نقدية) وهو كتاب من القطع الكبير صادر في بيروت عام 2001 من تحرير وإعداد دكتور حسن أبشر الطيب- كتبت ثلاثين صفحة في هذا الكتاب عن الاغتراب عند الطيب صالح، كتبت عن أنه رائد كبير وبارع أيضا في كتابة القصة القصيرة، فهوجمت بأنني أخلع عنه صفة الروائي وأنا لم أقل هذا أبدا. أقول إنني أحب الطيب صالح الروائي والقاص والمفكر والإنسان الذي ما زال يعيش بيننا حتى بعد رحيله؛ لكنني أخشى أن يتحول الطيب صالح إلى صنم خاصة من الذين يجادلون وهم لم يقرءوا الطيب صالح ولا يعرفون عن إبداعه إلا القشور. قلت إنني أكره «أصنمة» الطيب صالح، فهذا الصنم أيضا يتحول إلى عائق في قراءة وفهم الطيب صالح ومن جايله ومن أتى بعده. يقول أصحاب «الأصنمة»: «لن يأتي بعد الطيب صالح من يماثله!» هذا صحيح، لا أحد يماثل أحدا تماما. لكن يجب أن يكون باب الفن والإبداع مواربا لظهور إبداع جديد ومواهب من داخل السودان. رغم أهمية شكسبير؛ أنظر كم كاتبا رائعا ظهر بعده. رغم براعة جوته؛ أنظر كيف يحتفي أصحاب اللغة الألمانية بشباب الكتاب، وهذا يسري بالمناسبة على كافة المجالات صعودا إلى الفن وهبوطا إلى السياسة. 7- الاغتراب أو البعد عن الوطن رغم انه بعد مكاني والسماوات أصبحت مفتوحة هل يكون خصماً عن تجربة المبدع أم يشكل إضافة لتجربته ويضيف لها بعدا آخر؟ هناك من يتلظى من الاغتراب على الدوام ويشعر بالأسى بعد عمر طويل في بلاد بعيدة تستنزف أرواح الأهل والأقارب وتأكل لحمه ثم تستدفئ بحرق عظامه. أنا لم أشعر في اغترابي بضيق إلا في العامين الأولين. صدمة لغوية ألمانية وصدمة مناخية من الصقيع العارم السخي، لكن مع الوقت انسجمت وتناغمت داخل المجتمع الجديد، المجتمع الذي اعتبرني واحدا منه، له الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها. المجتمع الذي منحني جنسية دولته لأصير مواطنا متساويا مع الآخرين وليس من الدرجة الثانية أو الثالثة أو «بدون»، لأشارك في الانتخابات وأعارض ما لا يروق لي علنا، ومنحني عملا وسط زملائي في جامعتين، ومنحني قبل كل ذلك زوجة من أصل بلاده. كيف أشعر باغتراب في مجتمع يجعلني أمثله خارج الحدود، ويقدمني سفراء بلده إلى بلداننا العربية بجملة: «الكاتب الإفريقي النمساوي» أو «السوداني النمساوي» أو «المصري النمساوي»، ويمنحني وسام الجمهورية ويعييني سفيرا فخريا له. 8- أعرف أنك تكتب الشعر كذلك، حدثنا عن هذه التجربة وهل ما زلت تكتبه أم أخذتك الكتابة السردية عن عالمه؟ . لقد أتيت من الشعر إلى النثر ثم تحركت مرة أخرى تجاه الشعر وأنا أكتب ما يتراءى لي دون تصنيف أولي. حين صعدت للحب وأنا في السابعة عشرة كتبت باسم مستعار قصائد فيمن أحببت، لاقت الإعجاب ولم تقرأ صاحبتها ما كتبته فيها. في ذهني لا توجد حدود بين الشعر والنثر حين أكتب. الفكرة تلبس الثوب الذي تريد وتفرض نفسها لتظهر في شكل قصيدة أو قصة أو رواية أو مقالة أو مسرحية. الشعر هو الجذور في كل كتابة إبداعية، لأنه الأقرب للحس وللشعور. كل الأحاسيس والمرئيات تبدو على شكل رموز واختصارات ولغات تتحول في الذهن لأفكار ذهنية مكثفة قريبة إلى الشعر، قد تخرج على هذا الشكل أو قد ترتدي الثوب الأطول حكيا ورواية وقد تنتقل لحوار يجسد دراما إنسانية، وهكذا. قد لا أبالغ حين أقول إن الفلسفة تأتي أيضا من الشعر، وكل ما لا يشعر به الإنسان لا يعول عليه. 9- طارق الطيب يكتب الشعر والقصة والرواية أين يجد نفسه وهل الرواية الآن سيدة الموقف كما يقول النقاد؟ أجد نفسي في الكتابة دون تصنيف أوّلي. الأدب ليس صرعة لأكتب في زمن الرواية رواية وفي زمن الشعر شعرا. الأدب ليس ملابس نبدلها عشوائيا. أكتب حسي؛ فيكون قصة أو قصيدة أو قد يكون فصلا من رواية أو غيره. الشعر دفع بي إلى تخوم سفر لم أحلم به وزخم علاقات رائعة. الرواية أتاحت لي تنوعا في مصادر قراءات جديدة لم أتوقع حاجتي لها، أدخلتني لمحراب معارف مؤثرة. القصة أتاحت لي الانتشار. لم أكن أسعي في البداية إلا لأن تكون الكتابة ملاذا لي في سنواتي الأولى. كنت أكتب لنفسي وأقرأ لنفسي لأهدئ من روعي وأرعى الطفل الذي في داخلي كي لا ينكسر. هذا الطفل الذي ربيته من جديد في فيينا. لكني في النهاية لست متعددا في ممارسة أنواع أدبية تبدو كأنها مختلفة وهي من القماشة نفسها. أصف نفسي بأنني «متنوع»؛ فالتنوع فيه يضيف لا يختزل ولا يغطي. 10- لطارق الطيب تجربة تشكيلية احك لنا عنها، وهل يعني ذلك شمولية طارق الطيب الفنية والإبداعية؟ تجربة الرسم كانت لدي وأنا طفل. لطخت حوائط البيت في القاهرة مثل فرعون صغير. لكن هذا لم يعجب والدتي ولا والدي. وفي اليوم الذي سهرت فيه أنا وأخي خالد ولوّنا حائط البيت طوال الليل بألوان جد بديعة؛ ما إن صحت والدتي من النوم ونحن نترقب المديح، قالت في نصف نومة وبنبرة غاضبة: «إيه العَكّ اللي بتعملوه في الحيطة دة!» في المدرسة الابتدائية كانت حصة الرسم هي أن يدخل الأستاذ ليقول لنا أن نرسم موضوعا عن الحرب أو عن عيد النصر أو زيارة حديقة الحيوان أو بهجة العيد. لم يكن هناك معلم يعلم أو يحببنا في الفن. لم تكن لدينا حصة موسيقى لنتعلم العزف بل كنا ننشد خلف المعلم أناشيد لا أغاني. في حصة الزراعة كنا نلم أوراق الشجر من الحوش، وحدها حصة الألعاب كانت تفرحنا لوجود «الأبلة» سعاد الرياضية التي حببت إلينا التنافس الجميل مع حرية اللعب لساعة كانت من أجمل ساعات مدرسة الإمام محمد عبده الابتدائية. في أوروبا احتسيت المعارض والمتاحف وصادقت فنانين وفنانات وأصبحت زيارة المتحف والمعرض والكونسيرت والمسرح والسينما مثل الاتصال التليفوني أو زيارة المقهى أو التمشية في الشارع؛ فكل شيء متاح وكل الفنون متقاربة. لما تأخرت الفنانة الدنمركية في تجهيز غلاف روايتي الأولى عام 1992، قالت لي زوجتي: «أنت ترسم طوال الوقت.. جرب وصمم غلاف كتابك!» وهذا ما كان. ولما سمعت مسئولة ثقافية فييناوية عن رسومي أقامت لي معرضا صغيرا، ثم أقمت على استحياء بعض المعارض الصغيرة هنا في فيينا، لكني رفضت بيع أي لوحة وأكدت على أنني كاتب في المقام الأول، وأمارس هوايتي في الرسم في المقام الأربعين، وبينها هوايات كثيرة متزاحمة، وإنني لست رساما محترفا بل أعشق وأهوى الرسم. لا يمكن وصفي بالشمولية في الفن، بل هي مجرد هواية تمس الكثيرين بجنونها. لست أولهم ولا آخرهم. ربما يمثل هذا التجريب الفني بالنسبة لي تنفيسا عن قلق داخلي في شكل فني آخر يريحني أنا في المقام الأول. 11- أخيراً نأمل أن نرى طارق الطيب قريباً في السودان وان يكون السودان موحداً في ظل التنوع الثقافي الذي ينعم به دون سائر بلاد العالم وأرجو أن تختم حديثك بدور المثقف السوداني الشمالي والجنوبي في دعم الوحدة وما تأثير الانفصال في حالة حدوثه علي التنوع الثقافي في السودان؟ أخطط الآن لتنظيم زيارة إلى السودان في فبراير من العام بعد القادم أي في عام 2012، فالدراسة الأكاديمية تمنحني فقط هذه الفسحة سنويا للسفر إلى الجنوب. في الصيف عادة لا أغادر فيينا ولا أحب ذلك إلا للضرورة القصوى. أتمنى ألا يتمزق السودان ويتآكل وأن يحب بناته وأبنائه في كل مكان. الأمنية الأكبر هي أخذ أراء المفكرين والأدباء والفنانين بصدق في أوقات السلم أكثر من رص آرائهم وتأييدهم في أزمان الأزمات. المشاركة ينبغي أن تكون صادقة في كل الأوقات. وأخيرا، أتمنى أن يصير الأديب في السودان متنا لا هامشا.