أياً تكن الأسباب التي كانت وراء إعادة الملازم أول عبد الرحمن الصادق المهدي إلى صفوف القوات المسلحة وإلحاقه بدفعته برتبة العقيد، سواء كانت الإعادة بسبب «صفقة سياسية» كما ذهب إلى ذلك الكثيرون، أو كانت بسبب «صحوة أخلاقية» كما ذهب إلى ذلك الإمام الصادق المهدي نفسه، الذي اعتبر عودة ابنه إلى العرين الذي كان قد فارقه مفصولاً قبل أكثر من عشرين عاماً خطوة في الإتجاه الصحيح، وتعبّد الطريق لإعادة كل العسكريين المفصولين خارج إطار اللوائح والقوانين، سواء كان سبب الإعادة هذا أو ذاك، إلا أنها تبقى عودة للحق يجب البناء عليها وليس هدمها، ولهذا السبب كنت من بين القلائل جداً الذين ناصروا التحاق نجل الإمام الصادق بشرى بجهاز الأمن في الوقت الذي عارضه بشدة وانتقده بقسوة الكثيرون جداً، حتى داخل صفوف حزب الأمة وقياداته العليا، وما كان ذلك الموقف منا إلا لقناعتنا بأن شيئا خير من لا شيء، وأن الإصلاح والعدول عن الخطأ وإقرار العدالة لا بأس أن يبدأ بخطوة أياً كانت دوافعها، وكان أيضاً موقفنا ذاك من باب الإعانة على الحق وإن قلَّ السالكون على طريقه مصداقاً للمقولة الحكيمة «لا تستوحش طريق الحق وإن قلّ السالكون ولا تغتر بكثرة الباطل وإن كثر الهالكون، وعند الصبح يحمد القوم السُّرى»، ولذلك كلما رُفعت مظلمة عن مظلوم تجد منا الاحتفاء والإشادة حتى يجد كل مظلوم من يرفع عنه ظلامته... ولكن ما يحزّ في النفس إزاء إعادة الملازم أول عبد الرحمن الصادق إلى صفوف القوات المسلحة، أنها ظلت «المعالجة» الوحيدة حتى الآن رغم مرور عدة شهور دون أن تلوح في الأفق أية بوادر لمعالجة كل حالات المظالم، وهي في غالبها لم تحمل سلاحاً ضد نظام الإنقاذ ولم تقاتله كما فعل الملازم المعاد، والذي كان قائداً لجيش الأمة، بل وللمفارقة أن بعض هؤلاء المفصولين الذين لم تعالج مظالمهم كانوا يقاتلون إلى جانب الإنقاذ حتى لحظة فصلهم، وبعضهم لم يعاقر السياسة ولم يتعاطاها فحسب، بل ولا يعرف غير العسكرية شيئا، ورغم ذلك فوجئوا بفصلهم دون أن يدروا حتى اللحظة السبب، وغض النظر عما تقدم، فإننا عندما نشير لهذه «المفارقة» لا نعني بها شخص العقيد العائد عبد الرحمن الصادق، بل نعني بها هذا المنهج «المفارق» الذي عاد بموجبه، سواء كان مصالحة أو صفقة أو كان صحوة، فإن كانت الأخيرة فإنها صحوة منقوصة يستلزم الحق والعدل ألا تتوقف عند فرد واحد، واما إذا كانت صفقة ومصالحة فالأولى أن تبدأ «الانقاذ» بمصالحة الضعفاء الذين لا ظهر حزبي لهم ولا مقام سياسي، فهؤلاء أحوج من غيرهم حتى لا تنضرب القيم تحت قاعدة «من لا ظهر سياسي له فلينضرب على بطنه»، فذلك نهج لن يعالج المظالم بل يزيدها ظلماً على ظلم، وهو يشبه المنهج الذي قصده الحديث الشريف «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد... الخ الحديث الشريف»، وإلا كيف نفهم ونفسر مسألة معالجة مظلمة «شريف» وترك مظالم كل الضعفاء؟.