د. صديق تاور كافي، استاذ الفيزياء بجامعة النيلين، والعضو القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، من الناشطين في الساحة السياسية، ومن الحاملين للهم الوطني والمدافعين عن القضايا الوطنية برؤية تتجاوز القطرية لتشمل الوطن العربي الكبير، وتجد عنده الاوضاع في جنوب كردفان اهتماما خاصا ومتابعة لصيقة. جلسنا معه للوقوف على هذه الأوضاع راهنها ومستقبلها. ٭ كيف تقرأ الأوضاع الحالية لولاية جنوب كردفان؟ - يمكن وصفها بالهدوء المشوب بالحذر مثلما هو الحال بالنسبة لكل أوضاع السودان، حيث كل شئ أصبح مرهوناً بالاستفتاء وتفاصيله وتداعياته المحتملة. حالة الهدوء التي كانت موجودة لمدى عام أو أكثر قليلاً بسبب التوافق بين قيادتي الشريكين هناك (هارون والحلو) بدأت تتأثر بالشد والجذب بينهما (أي الشريكين) على الصعيد المركزي، خاصة مع اجتماعات أديس الاخيرة والحوار الجنوبي- الجنوبي وحالتي التصعيد والتصعيد المضاد بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. وفي حقيقة الامر فان التوافق الحاصل هو هدنة أكثر من كونه توافق وانسجام، خاصة اذا تابعت تصريحات الأمير كافي البدين (مؤتمر وطني) في الصحف في شهر رمضان الماضي التي وصف فيها الوضع بأنه إعداد لمسرح حرب وليس تنمية أو أمن. ٭ ولكن هناك تحسن في الأوضاع على كل حال؟ - هذا صحيح حيث هناك جوانب ايجابية حدثت لا يمكن انكارها، خاصة بالنسبة لمرتبات المعلمين وبعض الطرق ولكن هذا جزء قليل جداً مما يجب عمله. وحتى حالة التهدئة القائمة هي ليست حالة مستدامة وانما قابلة للزوال في أية لحظة لأنها مسألة قائمة على شخصنة الحلول وادارة الازمة بالريموت كنترول. كما ان الطريقة التي جاء بها أحمد هارون للولاية بوضع حزب المؤتمر الوطني كل امكانات الدولة المركزية لخدمة دعايته الانتخابية في انتخابات الوالي بطريقة مكشوفة وواضحة لا تعبر عن نية صادقة من الحكومة المركزية لمعالجة أوضاع جنوب كردفان بقدر ما تعبر عن ابتزاز للمواطنين ومساومتهم في حقوقهم الطبيعية الواجبة على الدولة. لذلك فالوالي يدير الولاية بطريقة One Man Show. أضف إلى ذلك ان هناك تجاوزات كبيرة حدثت وتحدث على مرأى من السلطة والقانون دون أن يتم حسمها بشكل حاد، مثل تصرفات بعض عناصر القوات المشتركة المنتسبة للحركة الشعبية التي وصلت مرحلة الاختطاف والتعذيب والقتل. كذلك أحداث جامعة الدلنج التي حركتها أيادي المؤتمر الوطني ودفعت بأكثر من ألفي طالبة إلى المبيت في الشارع يتم التعتيم عليها بطريقة غير مقبولة وهكذا الأشياء. فالاستقرار المزعوم هو حالة صورية زائفة لم ينجح إلى الآن في توفير احساس الاستقرار الحقيقي والاطمئنان والأمن والأمان، لأن هناك عوامل توتر عديدة لم تتم ازالتها بعد. ٭ ثم ماذا؟ - أولاً الولاية تعيش وضعاً سياسياً غير دستوري، فحكومتها ومؤسساتها التشريعية غير شرعية، لأن الانتخابات على مستوى الوالي والمجلس التشريعي لم يتم اجراؤها بعد، وتم تأجيلها الى نهاية الفترة الانتقالية. ثانياً هناك احباط عميق وسط المواطنين من نيفاشا وبروتوكولاتها ونتائجها. ثم هناك أيضاً عودة للاستقطاب القبلي العنصري على شاكلة ما كان في بداية اتفاق نيفاشا طرفاه الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، ورابعاً عودة حمى التسليح والتسلح القبلي، وكذلك توترات ترسيم الحدود واحتمالات انفصال الجنوب وهكذا وهكذا. ٭ هذا غير مشكلات القطاع الغربي؟ - بالتأكيد.. فهناك أزمة بروتوكول أبيي وموضوع الحدود والاستفتاء الخاص به، ثم مشكلة البترول واستخراجه من هذه المنطقة في وقت يعاني فيه المواطنون أشد المعاناة في حياتهم وأمنهم وخدماتهم ومعاشهم، ثم عملية دمج ولاية غرب كردفان في جنوب كردفان وغير ذلك. أضف إلى ذلك الصراعات المسلحة سواء على الحدود مع ولاية جنوب دارفور مع قبيلة الرزيقات أو في الحدود المتاخمة للجبال الشمالية في منطقة تلشي وأبو جنوك. ٭ طبعاً ولاية جنوب كردفان باعتبارها مجاورة للجنوب فهي أيضاً سوف تتأثر بقصة ترسيم الحدود؟ - هذا صحيح ويشكل مصدر قلق وازعاج لدى كل مواطني الولاية التي سوف تتحول تلقائياً إلى جنوب جديد للشمال حال حدوث الانفصال وشمال لدولة الجنوب الوليدة. وهناك اتهامات متبادلة بين الشريكين بتواجد عسكري كثيف على طول الشريط الحدودي من الغرب إلى الشرق. ٭ ألا يمكن أن تلعب المشورة الشعبية دوراً في معالجة هذا الوضع المضطرب؟ - يمكن ذلك في حال التعامل معها بما تستحق من جدية وليس بالالتفاف عليها. ٭ ماذا تقصد؟ - أقصد ان المشورة لكي تكون لابد أن تكون حقيقية شفافة وصريحة، فهي ليست مشورة بين الحلو وهارون. هي تعرُّف على رأي المواطنين الحقيقي بخصوص حالة محدودة هي اتفاق نيفاشا وكيف يمكن له أن يلبي طموحاتهم. هذا يستوجب أولاً نزاهة القائمين على أمر المشورة ويستوجب ثانياً تهيئة مناخاتها وهذان الشرطان غير متوفرين إلى الآن. ٭ نرجو توضيح ذلك بتفصيل أكثر؟ - أولاً الاجراءات التي تتم حالياً بواسطة حكومة الولاية ومجلسها التشريعي مخالفة لقانون المشورة، لأن القانون قصر الأمر على المجلس التشريعي المنتخب. وكان الأحرى تركيز الجهود على تحقيق الانتخابات التي تأتي بالمجالس المعنية بالمشورة بدلاً من أن يقفز هؤلاء إلى موضوع المشورة وتفاصيله وكأنما هم المعنيون بالأمر. هذا التفاف على القانون وتضليل للناس وهو أمر مخالف للمشورة نفسها. الأمر الثاني هو مناخ المشورة الذي يحدده القانون نفسه بالحرية والفرص المتساوية لكل الآراء للتعبير عن نفسها. الآن لا توجد حريات بالمعنى الحقيقي إلاّ للشريكين فقط يفعلان ما يشاءان وكأنما هذه الولاية بمن فيها ملك مشاع لهما بالميراث. واعتقال اللواء تلفون كوكو أبو جلحة خير مثال على زيف الاجراءات الخاصة بالمشورة والتي تجري حالياً. ٭ على ذكر اللواء تلفون كوكو ما هو الجديد في الأمر؟ - لا جديد فهو لا يزال رهن الاعتقال لستة أشهر بدون محاكمة رغم ثبوت بطلان الاتهامات التي اعتقل على أثرها. ٭ ألم يشمله العفو الذي صدر أخيراً من الرئيس سلڤا للمجموعات المتمردة على حكومة الجنوب مثل أطور وقلواك وغيرهم؟ - للغرابة لم يشمله هذا العفو على الرغم من أنه معتقل بتهم تأكد لدى قيادة الحركة الشعبية بطلانها وكذبها، وعلى الرغم من انه لم يحمل سلاحاً في وجه الحركة وهو لا يتبع اقليمياًللجنوب، رغم كل ذلك تصر قيادة الحركة الشعبية على احتجازه بدون أي مبرر لأسباب تخصها فقط وهذا اجراء مخالف لحقوق الانسان ولمبدأ الحرية الذي تدعى الحركة انها جاءت من أجله. ٭ أسباب خاصة مثل ماذا؟ - من وجهة نظري الشخصية إما ان الحركة لها أطماع توسعية بعد اطمئنانها لفصل الجنوب، وتريد أن تحتل مناطق أخرى في شمال السودان مثل اقليم جبال النوبة والنيل الأزرق. أو ان لها اتفاقات سرية مع المؤتمر الوطني لما بعد الاستفتاء بقمع أي صوت مطلبي في الاقاليم الحدودية، حيث يمثل اللواء تلفون صوتاً واضحاً وجريئا بخصوص الظلم الذي حاق باقليم جبال النوبة جراء البروتوكول الخاص بها في نيفاشا. والسبب الثالث كاحتمال أيضاً هو رغبة الحركة في الاحتفاظ بمقاتلي جبال النوبة لاستخدامهم في السيطرة على الاوضاع الامنية بالجنوب خاصة وان هؤلاء قد عُرفوا بكفاءتهم العسكرية أيام الحرب الاهلية وانهم لا ينتسبون لقبائل الجنوب. في كل الاحوال استمرار اعتقال اللواء تلفون كوكو واستثناؤه من العفو الرئاسي الصادر من الرئيس سلفا فيه تمييز عنصري واضح، ويعبر عن نوايا سيئة ضد اقليم جبال النوبة ومواطنيه في شخص واحد من أبرز قادته الحاليين. وقد سبب هذا السلوك استياءاً شديداً بين مجتمعات جنوب كردفان بشكل عام، وهو يفتح صفحة سلبية في علاقة جبال النوبة بالجنوب الذي تديره الحركة الشعبية. ويعتبر أيضاً اغتيالاً لعملية المشورة الشعبية قبل أن تبدأ. ٭ اذا حاولنا أن نبحث عن مخرج لهذا الوضع الشائك، ماذا ترى؟ - أرى أن يغادر المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عقلية الشراكة الاستفرادية وان ينفتحا على كل المكون السياسي والأهلي بالولاية بتكوين حكومة ولائية قومية حقيقية أي ليست موالية لهما أو متوالية معهما تضطلع بمهمة تماسك مجتمع الولاية وتنظيم الممارسة السياسية بما فيها المشورة الشعبية وتحقيق توافق مناطقي حول طموحات مواطني الولاية التي يمكن أن يُطالب بها المركز بعيداً عن انتهازية النخب ومراوغات الحكومة والحكام في الخرطوم أو في جوبا. ولكي يتم ذلك بشكل سلس لابد أن يتم اطلاق سراح أي معتقل من أبناء الولاية في الشمال أو في الجنوب وأن تتم معالجة وضعية أبناء الاقليم الذين ربطتهم ظروف الحرب الأهلية بالجنوب قبل الاستفتاء الأخير.