خلو الكرسي المخصص للسودان في قاعة القمة الافريقية الاوروبية التي انعقدت في ليبيا اخيرا اعاد للاذهان خلو كل المقاعد المخصصة للقمة الفرانكفونية الافريقية التي كان من المفترض ان تعقد في مصر، الا ان اختلاف وجهات النظر بين الاوربيين والمصريين في تمثيل السودان عبر رئيسه ادى لانتقال القمة الى فرنسا، وهو الامر الذي تكرر مرة اخرى في القمة التي انعقدت في طرابلس الليبية، وفي القمتين شكلت المحكمة الجنائية وموقفها من السودان ورئيسه العنصر الاساسي في الامر، فقد اكد وزير الخارجية الليبي موسى كوسا أن حكومته طلبت من الرئيس عمر البشير الامتناع عن حضور الاجتماع الأفريقي الأوروبي المشترك بسبب التهديدات الأوروبية بالانسحاب من المؤتمر إذا حضر، موضحا أن بلاده بذلت جهودا جبارة لاستضافة القمة ولا تريد إفشالها بالانسحابات،مشيرا إلى أن البشير بإمكانه حضور اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي على هامش القمة. من جانبها، اعتبرت الحكومة السودانية عبر وزير الخارجية ان الموقف والتحفظ الاوروبيين لا يهمانها قبل ان تصف الموضوع بأنه استهانة بالاتحاد الافريقي ومؤسساته القائمة « وهذا الموقف ينطوي على نفاق سياسي». ورأى الوزير ان النفاق السياسي يتمثل في ان الدول الاوروبية تبعث بسفرائها الى الرئيس عمر البشير لاعتمادهم، وتدعم في ذات الوقت مواقف المحكمة الجنائية الدولية. واعتبر البيان، ان الموقف الاوروبي يعد «عدوانا» على الاتحاد الافريقي وعلى السودان وينسف فكرة التعاون مع اوروبا، واكد البيان ان السودان قرر الانسحاب من القمة وعدم المشاركة فيها، وانه غير معني بنتائجها، وسيتخذ من الاجراءات المناسبة ما يحفظ حقوقه. الا ان السؤال يتجه نحو محور اخر يتعلق هذه المرة بطبيعة العلاقات الافريقية الافريقية او بموقف الدول الافريقية فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية تأسيسا على الموقف الليبي الاخير، والموقف المصري السابق فهل تمثل خروجا عن الالتزام السابق من الاتحاد الافريقي بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية ام ان الامر يتعلق بالقضايا الداخلية التي تحكم ليبيا في تعاطيها مع الجانب الاوربي وسعي حكومتها الدؤوب من اجل تطبيع العلاقات ، او على اسوأ الفروض عدم العودة للمربع الاول في التسعينات والخروج من مربع العزلة مما يجعل الكثير من المراقبين يصفون ليبيا بأنها اكبر المستفيدين من عقد القمة في اراضيها،وإن اتفقوا على ان الموقف الاخير هو موقف ليبي اكثر منه موقف افريقي كامل، وفي هذا الاتجاه يقول للصحافة الدكتور عمر عبد العزيز المحلل السياسي ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة جوبا في تحليله للموقف ان الموقف يعبر عن ليبيا فقط في اطار علاقاتها الاوربية وسعيها لحل القضايا العالقة بينها وبين اوروبا، وهو لا يعني تراجع ليبيا عن موقفها الداعم للسودان في موضوع الجنائية الدولية.. وفي هذا الاتجاه يلتقي تحليل عبد العزيز مع النظرة التي تبنتها الحكومة السودانية في تفسير الموقف وارجاعه للضغوط الاوروبية على الجانب الليبي في الامر من اجل ابعاد السودان وهو موقف لن يؤثر علي مستقبل العلاقات السودانية الليبية خصوصا ان ليبيا تعتبر لاعبا اساسيا في القضايا السودانية، خصوصا قضية دارفور ويقرأ الموضوع من خلال اتجاه اخر هو الاتجاه المتعلق بعملية استضافة منابر التفاوض في القضية بعد احساس النظام الليبي بأن قطر بدأت تسحب البساط من تحت اقدامها في هذا الاتجاه. الا ان الدكتور والمحلل السياسي استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين محمد حمدنا الله عبد الحافظ ينطلق من نقطة ان الموقف يرتبط بليبيا اكثر من ارتباطه بالاتحاد الافريقي كمنظومة بالرغم من اشكالياتها المتعددة الا ان موقفها في عملية المحكمة الجنائية يبدو في ظاهره داعما للسودان، الا انه في التحليل النهائي تبدو كل دولة ساعية للخروج من ضغط المحكمة الجنائية التي لن تقف عند محطة السودان وانما ستتجاوزها الى محطات ودول اخرى، خصوصا في ظل عدم الاستقرار السياسي والامني في كل القارة. ويقول حمدنا الله ان تعقيدات الموقف الليبي في اطار علاقته بأوروبا هو الذي دفعها لاتخاذ هذا الاجراء، وقال ان ليبيا تسعى سعيا حثيثا من اجل محو مشاكل الماضي خصوصا بعد الفاتورة الباهظة التي دفعتها في لوكربي، ويشير حمدنا الله الى حادثة العلاقات الليبية السويسرية واتخاذ السلطات السويسرية قرارا يحظر دخول المسؤولين الليبيين الى اراضيها، وهو قرار كان يمكن تعميمه على كل دول الاتحاد الاوروبي، وقال ان ليبيا وكغيرها من الدول تسعى من اجل انعاش اقتصادها الداخلي وهو امر يتطلب تطبيع علاقاتها مع اوروبا التي مارست ضغطا على ليبيا في هذا الخصوص. ويقول ان العلاقات الليبية السودانية ستظل علاقات وطيدة وان ليبيا تعتبر فاعلا اساسيا في كل الملفات السودانية وعلى رأسها ملف دارفور، وهو ما يتطلب في تحليل الموقف عزل القضايا عن بعضها البعض فببساطة الحكومة الليبية لا تملك اية قدرة او استعداد وتتحاشى في الوقت نفسه الوقوع في ازمات مع اوروبا في الوقت الراهن، ويشير حمدنا الله لنقطة اساسية مفادها ان الموقف السوداني الرسمي تفهم الخطوة الليبية التي تأتي في اطار الضغوط الممارسة على السودان من قبل الغرب واوربا وهو امر قال حمدنا الله انه سيؤثر على العلاقات السودانية الاوربية التي ترتبط بشكل اساسي بقضية الاستفتاء في جنوب السودان، والتي تقول القراءات الاولية بأنه يتجه الى الانفصال الذي ستنبني المواقف المستقبلية على اساسه. لكن الخبير في مجال العلاقات الدولية البروفيسور صلاح الدومة ينطلق من نقطة مغايرة تماما في تحليله للموقف الليبي الاخير، قائلا ان الامر يتم في اطار ما اسماه بعدم النضج الدبلوماسي الذي ميز نظام الانقاذ في تعامله مع القضايا الدبلوماسية الآنية، وهو امر اوقع السلطات الليبية في حرج من خلال وضعها في معادلة معنا او ضدنا وقال ان ليبيا ليس لها مبرر يجعلها تخوض المعارك الخاسرة التي تصنعها الانقاذ، مشيرا الى ان ليبيا اتخذت الموقف الذي يتواءم مع مصالحها. ورفض الدومة عملية المقارنة بين الموقف الليبي الآني والموقف المصري في القمة الافريقية فإن إلغاء مصر لتلك القمة لم يكن بسبب الموقف الداعم للسودان بقدرما كان احساس النظام المصري بأن القمة فاشلة اصلا وتذرعوا بموقف دعم السودان لالغائها واضاف ان ليبيا هي اكبر المستفيدين من قيام القمة التي ساهمت بشكل كبير في نقلها من حالة العزلة الاوروبية بل صارت مركزا لتحقيق المصالح الاوروبية في المنطقة. واضاف الدومة ان العلاقات السودانية الاوروبية الان فاترة مع المفوضية ومتباينة مع الدول الاوروبية منفردة تشهد حالة انفراج في لحظات ولكن السؤال هل تدوم حالة الانفراج في مقبل الايام في ظل هذا النوع من الدبلوماسية؟. فيما يبدو ان حالة الفتور في العلاقات الاوروبية السودانية التي وصفها الدومة تبدو على واجهة الاحداث اشبه بحالة المواجهة التي تحدث عنها وزير الخارجية السودانية علي كرتي وهو يقول ان الاحداث الاخيرة لن توثر على العلاقات السودانية الليبية وان ليبيا ليست طرفا وانما الطرف الاساسي هو الحكومة الفرنسية وبعض الدول الاوروبية التي تسعي لاسقاط الدول الافريقية في فخ النزاعات، والصراعات لمواصلة عملية الاستفادة من الموارد الاقتصادية في القارة وهو ما لم نسمح به في السودان كما اننا لن نسمح بأي استهداف للرئيس السوداني، استهداف يتم فيه هذه المرة استخدام عصا الضغط على الدول الافريقية من اجل عدم استقبال الرئيس السوداني على خلفية انه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، التي ينظر الكثيرون اليها بأنها احدى آليات التركيع لقادة القارة الافريقية والمتهمة عندهم بإزدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الافريقية كما عبر عن ذلك الرئيس الزمبابوي موغابي في حضور رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جون بينغ عن المحكمة وازدواجيتها، الا انه قال انهم ليسوا ضدها ولكن ضد ازدواجية معاييرها في التعامل مع القضايا الافريقية وفي قضايا العدالة. ويبدو حدث القمة الاوروبية الافريقية و عدم حضور الرئيس السوداني حدثا متكررا حيث استمر في قمة الايقاد مع الحكومة الكينية التي تعرضت لضغط في هذا الجانب تم بموجبه نقل القمة الى اديس ليشارك فيها الرئيس البشير، قبل ان تعود مرة اخرى عبر تأجيل زيارة الرئيس الى افريقيا الوسطى من اجل المشاركة في احتفالات الاستقلال هناك بعد تعرضها لنفس الضغوط من الجانب الاوروبي الذي بدأ يلعب على ورقة جديدة هذه المرة، خصوصا وان هناك ثلاثين دولة افريقية موقعة على ميثاق المحكمة. ضغط فيما يبدو انه سيستمر دون توقف ويختبر قدرة السودان والاتحاد الافريقي ودول القارة على احتماله.