بعد ان قررت الاغتراب في اواسط السبعينيات من القرن الماضي، سلمني ابن عمي وصديقي وكان معه شاب وجيه عرفني به، وقال لي هذه الرسالة يجب ان تسلمها للمهندس يوسف شمبال، شقيق الاخ محمود شمبال وهو الشاب الوجيه الذي جاءني مع ابن عمي أحمد، ذهبت الى جدة واتصلت بالاخ يوسف شمبال ومن تلك اللحظة توطدت علاقتي بالمهندس يوسف شمبال عبدالرحمن الرجل السوداني بحق وحقيقة صاحب الخلق الرفيع والادب الجم، والغيرة الدينية، كانت شُقة يوسف شمبال لاتخلو ابدا من السودانيين ، لا سيما ابناء دارفور ، اما ابناء عمومته واصهاره فأمره معهم مختلف جدا، كان رؤوفا عطوفا بهم، يحاول دوما ان يقضي حاجاتهم دون كلل او ملل، واليوم الجمعة 2010/12/3م عندما حدثت وفاته، لم التفت يمنى ولا يسرى الا واجد احد اصدقائنا القدامى في السعودية يبكي جانبا، او يضمك احدهم ضمة تذكرك بكل الماضي الذي عشناه سويا في السعودية، وكانت اقواها واصدقها ضمة المهندس العالم آدم حسين كرشوم صديقنا المشترك القديم في السعودية ابن كتم البار، سكب كل دموعه على كتفي.. كيف لا ويوسف شمبال كان زميله وصديقه وصديقنا جمعيا.. اليوم الجمعة 2010/12/3، الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا ودعنا المهندس يوسف شمبال عبدالرحمن «العملاق» رغم قصره النسبي، وحجمه «القلّيل» . كما قلت فقد توطدت علاقتي مع المهندس يوسف شمبال عبدالرحمن رغم فارق السن والمهنة والقبيلة، ولكن كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم الارواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف. ظلت محبتنا بالمهندس يوسف مستمرة لم تشبها شائبة ابدا في يوم من الايام رغم اختلافنا الفكري والسياسي حسب مذاهبنا السياسية السودانية، فقد كان هو من اقطاب الحركة الإسلامية في الخليج، ونحن في امر فكري آخر، الا ان من حسنات يوسف شمبال علينا فقد عرفنا بكل قادة الحركة الإسلامية والذين يحكمون السودان الآن، هذه المعرفة سهلت علينا معرفة هؤلاء الاخوة الصادقين منهم والآخرين الذين في قلوبهم مرض، والذين يريدون الدنيا والذين يريدون الآخرة امثال يوسف شمبال، كما ومن خلال يوسف شمبال عرفنا عن قرب معظم ابناء دارفور في السعودية.. وعن طريقه والاخوة محمد أحمد حسين وآدم حسين كرشوم وآدم نور محمد ، وابراهيم علي محمد حيدر وموسى اسماعيل ضي النعيم والمرحوم عمر مهاجر محمدين والاستاذ عباس سليمان والمهندس عبدالله آدم خاطر، عن طريق هؤلاء وآخرين لم يسع الوقت ومساحة المقال لذكرهم، أسسنا الجمعية الخيرية لأبناء دارفور بمنطقة جدة ومكة المكرمة والطائف والتي رأسها الاخ محمد أحمد حسين وكان نائبه المرحوم يوسف شمبال ثم اعتذر محمد أحمد حسين لظروف خاصة جدا وتولى قيادتها الاخ يوسف شمبال منذ عام 1981م، وحتى مفارقته السعودية 1990م، ولحسن الفأل فقد كنت سكرتيرا لهذه الجمعية طيلة هذه الفترة، فقد استقلنا في يوم واحد عندما جاءت الانقاذ بسياستها التشتتية ، وجاءت بسياسة الروابط بديلا للوحدة الاقليمية ابتعدنا عنها وعن سياستها، بل تركنا المهجر تماما..! معظم ابناء دارفور يذكرون هذه الجمعية الخيرية النشطة التي رأسها المرحوم يوسف شمبال ، من من المسؤولين في فترة الثمانينات زار السعودية ولم تكرمه الجمعية الخيرية لأبناء دارفور؟! من من السفراء السودانيين في جدة لم تقابله الجمعية بالترحاب والنصح. رغم ان اعضاء الجمعية من احزاب شتى وقبائل شتى الا ان الجمعية وبحكمة يوسف شمبال كانت ملاذا آمنا لكل صاحب فكر يمكنه ان يدلو بدلوه ويكون مكان حفاوة وتقدير الحضور، اما من جانب الاهل في دارفور ، كانت الجمعية تولي امرهم اهتمامها الكبير وتعكس ذلك لكافة المسؤولين ، واذكر عندما ضربت المجاعة اقليم دارفور عام 1983م، تبرعت الجمعية بخمسة وسبعين ألف جوال دخن وتم تسليم هذه المعونة لحكومة المرحوم أحمد عبدالقادر ارباب في اواخر نظام مايو، واذكر ان وزير المالية في ذلك الوقت لحكومة دارفور الاخ تجاني عثمان ابكر، وفي عهد يوسف شمبال عبدالرحمن تبرعت الجمعية بعربتي اسعاف واحدة لمستشفى الفاشر والاخرى لمستشفى نيالا مباشرة من اليابان الى بورتسودان ، وللأسف الشديد شاهدت عربة نيالا بعد سنتين فقط من وصولها وقد نزعت عنها كل اجهزة التحوطات للحالات الطارئة واصبحت عربة رحلات تحمل عليها خراف الرحلات لمتنفذي مستشفى نيالا، ولا ادري ماذا فعل الله بعربة الفاشر...؟!! لقد لعب المهندس يوسف شمبال دور الاخ الاكبر لكل ابناء دارفور، دون ان يضرب احدا ويبعد الآخر، دون ان يسيس الوظيفة، وكان كل اولاد دارفور يحيطونه بالتقدير والاحترام، كان قلبه مفتوحا ومنزله مفتوحا، وصبره لا تحده حدود، كان مؤمنا حقا، وكان إسلاميا بحق وحقيقة .. وعندما دانت الدنيا للإسلاميين وشاهدنا وشاهد هو الهلع نحو السلطة والجري وراء الدنيا الفانية ابتعد بعيدا بعيدا، بل انتقل الى دارفور الى بلده التي احبها واحبته مدينة نيالا البحير ليكون قريبا من آثار اجداده وقبورهم وارضهم الطيبة مدينة كُبم، ولكن فقد قال الله تعالى لا تدري نفس بأي ارض تموت، جاءت به اسباب المرض للخرطوم ليكون قريبا من العلاج فجاءته المنية صباح الجمعة ليقبر في مقابر حمد النيل. لقد بكى الجميع يوسف شمبال واعني ابناء دارفور الاوفياء امثال آدم حسين كرشوم وغيره، فقد خدمهم يوسف في حياته فكان لابد لهم ان يخدموه في مماته بتتبع جنازته، فقد وحدهم من خلال جمعيتهم الخيرية التي رأسها في السعودية، لقد جابهت الجمعية عدة عقبات فخرجت منها اصلب عودا واقوى شكيمة، قامت مشكلة سميت بحرب العرب والفور في اواسط الثمانينات ولم تفرق شملنا، جاءت انتفاضة ابريل 1985م، بالاحزاب ولم تستطع ان تفرق بيينا، لأن القائد الربان كان حكيما، عادلا متواضعا، لين الجانب وهو المرحوم يوسف شمبال. ونحن ننعي للأهل جميعا يوسف شمبال، انما في الحقيقة ننعي للأمة غياب الاخلاق الفاضلة والتدين وسمو الروح. البركة في ابنائه وبناته، وابناء شقيقته الكبرى الذين وقف بجانبهم وهم صغار، اللواء أحمد ابراهيم ودكتور حسن وشقيقهم الاكبر محمد، وآدم وعلي ولأنهم اوفياء ابناء اوفياء وقفوا بجانب خالهم العملاق حتى اوصلوه قبره وهم حزانى يبكون.. ونقول ليوسف وداعا ولكن هل من لقاء..؟! الله هو العليم..