زارنى فى مكتبى شباب من أبناء دارفور يعملون، عفواً كانوا يعملون فى مفوضية إعادة التأهيل وإعادة التوطين .. هؤلاء الشبان قد تم فصلهم من المفوضية بواسطة رئيس المفوضية السيد إبراهيم محمود مادبو .. دون ذنب اقترفته أيديهم وحسب روايتهم أن فصلهم من العمل تم بسبب رفضهم الإنضمام إلى الحزب الجديد ، حزب السودان أنا ، الذى أسسه السيد المفوض ليخوض به الإنتخابات المقبلة منافساً للسيد عبد الحميد موسى كاشا فى منصب الوالى بولاية جنوب دارفور. يبدو أن السيد رئيس المفوضية لم يكفه أنه قد فصل من قبل عدداً من موظفى المفوضية من أبناء دارفور دون ذنب جنوه .. ليتبعهم بسبعة آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم رفضوا الإنضمام إلى شركته الهزيلة المسماة بحزب «السودان أنا» وبمعنى أكثر دقة السودان هو السيد إبراهيم محمود مادبو هكذا أراد الرجل أن يقول أو هكذا يتوهم ، فى رأينا أن لهؤلاء الشباب ألف حق فى أن يرفضوا الإنضمام إلى حزبٍ هو مجرد وهم كبير ، هم المساكين لم يعترضوا على الاسم الذى سمى به عفلق السودان حزبه وأراد أن يُكره شباب غض أمامه مستقبل بل المستقبل كله أن ينضموا إلى حزبه الوليد على طريقة « خادم الفكى مجبورة على الصلاة « حزب بلا فكر وبلا مرجعيات والأهم بلا برامج ، الغريبة أن هؤلاء الشباب لم يعترضوا على شئٍ من هذا ، حتى الاسم المتوهج لم يكترثوا له ، فقط قرروا ممارسة حقهم في أن يرفضوا الإنضمام لهذا الحزب أوأى حزبٍ آخر ، لقد نسى السيد رئيس الحزب أن هناك صنفاً من الناس لايحبون الإنتماء لأى حزب سياسى بغض النظر عن ماهو هذا الحزب ، لأول مرة ندرك أن الإنضمام إلى حزب سياسى يتم قسراً رغم أنف الناس . إن الثورة فى دارفور لم تقم إلا بسبب مثل هذه التصرفات الحمقاء فكيف يكون لمن إنتسب وانحاز إلى الثورة وأدعى أنه ضد التهميش أن يأتى ويمارس نفس السلوك الذى قضى دوماً بتهميش أبناء دارفور حتى رفعوا السلاح فى وجه الدولة لتصحيح هذا الوضع المشوه و إعادة الأمور لنصابها.. ومن المفارقات أن بنود إتفاق أبوجا هى التى جاءت بهذا المفوض إلى قمة المفوضية لمعالجة أوضاع النازحين واللاجئين .. ثم لا يتورع هذا الرجل من أن يزج بأبناء دارفور إلى ظروف هى أشبه بظروف النزوح واللجوء والتشرد .. أبناء دارفور الذين لولاهم لما كان هو مفوضاً. إنه يتعامل فى إدارة المفوضية وكأنها شركة خاصة يمتلكها، ليفصل من يفصل ويعين من يعين .. بل حتى لو كانت شركة خاصة به فإنه لا يستطيع أن يفعل هذا دون الرجوع إلى الأسس واللوائح التى تنظم فصل أى موظف أو عامل من الذين يعملون معه، فإذا كان هذا هو الحال فى شركة يمتلكها من حر ماله .. فكيف جاز له أن يفعل ذلك فى مؤسسة تابعة للدولة أفرزتها ظروف معلومة لدى الجميع لحماية وصيانة حقوق أهل دارفور؟. وأنا أقرأ مقالات الأستاذ خالد تارس الناقدة للسيد إبراهيم مادبو ، والتى طالب فيها بإقالة السيد رئيس المفوضية على خلفية فصله لهؤلاء الموظفين.. وكانوا قد رفضوا الإنضمام إلى الحزب الذى أنشأه السيد مادبو بإسم « أنا السودان « كما أسلفت ، قفز إلى ذهنى سؤال هل ما يفعله السيد مادبو هو التغيير الذى كان ينشده أهل دارفور من وراء الثورة؟ كنا نحسب أن الثورة قد جاءت بمفاهيم جديدة تتركز حول الإطاحة بنمط وسلوك السياسيين الذى أورث دارفور كل هذه الإحن والمحن بل إن الأهم من كل ذلك فإن الثورة قامت على فكرة إزالة التهميش والظلم عن كاهل أبناء دارفور فلا يُعقل أن ينتسب أحد لهذه الثورة ثم يأتى ليُمارس ذات الأساليب الفاسدة والمكرسة للظلم والتجهيل والإقصاء؟ كيف يحدث ذلك؟ لقد ظل السيد إبراهيم مادبو رئيس مفوضية إعادة التأهيل وإعادة التوطين يمثل أسوأ مظاهر السلطة الإنتقالية وما آلت إليه من إخفاق ..لن نطلق هذا الإتهام جُزافاً فلدينا مايعضده ، ثم لنؤكد أن إختياره لهذا الموقع يمثل نكسة حقيقية لإتفاق سلام دارفور وللسلطة الإنتقالية التى أفرزت منه .... إذ أن الرجل ظل ومنذ أن تم تعيينه فى هذا الموقع يعمل ضد المبادئ التى قامت عليها الثورة وضد شروط تعيينه فى الموقع الذى يشغله الآن .. وأصبح يمثل نموذجاً للمسئول الساذج الذى لا يفهم متطلبات موقعه ولا الظروف التى رمت به فى هذا الموقع من الأصل .. فعمد على معاكسة أبناء دارفور ففصل منهم من فصل من الخدمة ومارس كل أنواع الإحتقار والذل للذين صمدوا وبقوا فى وظائفهم معه فى المفوضية ، إلى أن هبط عليه وحىٌ يناديه بأن يبتدع حزباً لينقذ به السودان وليأتى بما لم تستطعه الأوائل فيأخذ الناس قسراً على الإنتماء إليه ، وليبدأ بالذين يعملون تحت إدارته فى المفوضية من الموظفين ومن أبى منهم عليه البحث عن عملٍ جديد يقتات منه الرزق الحلال . . لايختلف إثنان فى أن السلطة الإنتقالية الإقليمية لدارفور أهم مكسب يحصل عليه أهل دارفور منذ إستقلال السودان وحتى اليوم، وتأتى أهمية هذه السلطة من واقع نصوص إتفاق السلام لدارفور والموقع فى أبوجا فى مايو من عام 2006م وهذا ملخص لما جاء فى إتفاق أبوجا من بنود تحدد إختصاصات ومهام هذه المفوضية التى عبث بها السيد مادبو ليُفرغ الإتفاق من أهم ما جاء من أجله ألا وهو الوضع الإنسانى ، فقد ورد فى المادة 21 تحت البنود ( 182 . 183.184 ) ، أن على الأطراف تُنشئ لجنة لإعادة التأهيل وإعادة التوطين في دارفور بغية تنفيذ استراتيجيات عمليات مسح أو تقييم أورصد أوضاع النازحين والمتضررين من الحرب وإعداد تقارير بشأنهم ترفع إلى المستوى المناسب من الحكم. ويتعين إفادة المجتمع الدولي بالاستراتيجيات وعمليات المسح والتقييمات والمعلومات المتعلقة به. تجري لجنة إعادة التأهيل وإعادة التوطين في دارفور مشاورات مع النازحين داخليا والعائدين، فضلا عن الجهات المعنية الأخرى. إن لجنة إعادة التأهيل وإعادة التوطين في دارفور، إنسجاما مع نظمها، تسمح للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وغيرهما من الوكالات الإنسانية، بالوصول إلى النازحين والمتضررين من الحرب، سواء كانوا في أماكن حضرية أو ريفية أو في مخيمات، فأين السيد المفوض من أنشطة ومهام المفوضية المنصوص عليها فى الإتفاقية ؟ هل هناك ما يشير إلى إنشاء حزب أو الإنغماس فى أعمال إنصرافية فى هذه المتون ؟ أم اتخذ المفوضية لتحقيق غايات شخصية حتى ولو على شاكلة تكوين حزب عبثى هزلى إسمه السودان أنا ؟ أخى الأستاذ تارس لا أحد يرغب فى إقالة السيد مادبو من موقعه كمفوض للمفوضية ، لأنهم لو كانوا يفعلون لفعلوها عندما فشل فى أن يُسهم فى حل مشكلة النازحين رغم أن المفوضية تم إنشاؤها قبل أكثر من ثلاثة أعوام ، وإهداره للميزانيات الخاصة بها فى غير موضعها ، أما بخصوص اللاجئين فحدث ولا حرج فالبعيد عن العين بعيد عن القلب .