مقدمة لابد منها: ٭ هاتفني أشقاء أحباء يتابعون ويدرسون موضوع الساعة وهو - وحدة وادي النيل- التي ازيل اللثام عن فصلها الثالث وبدأ الممثلون في الظهور وقد تابع الكثيرون من أبناء الشعب السوداني مقال للاستاذ الكبير مكرم محمد أحمد الذي اعيد نشره في (آخر لحظة) التي تبنت منبراً لهذه الفكرة ولعله من نافلة القول ان دوائر الحركة الاتحادية مهمومة بهذا التطور فلذلك لا اريد ان اعقب على الفكرة ولكن من منطلق انها فكرة اصيلة في البناء الاتحادي منذ ان بنى عليها الرواد شعار (الكفاح المشترك) من أجل وحدة وادي النيل واستشهد تحته صناع ثورة 4291 والتي قادها المفكر عبيد حاج الامين وكان قائدها الميداني علي عبد اللطيف الجنوبي الدينكاوي السوداني والذي ترعرع في بيئة نيلية كانت تتوق الى مصر بوابة للحضارات المتوسطية كلها وأهمها الحضارة العربية الاسلامية تولدت فكرة وحدة وادي النيل من بين فرث ودم الكفاح المشترك لشعبيَّ وادي النيل ضد المستعمر الانجليزي كعدوٍ مشترك، هذه المقدمة تقودنا لدراسة الاسباب التي اجهضت وحدة الشعبين الشقيقين وقد اجهضت مرتين، المرة الاولى اجهضتها سياسة مصر الرسمية التي تخلت عن ثورة الشعب السوداني في 4291 مما انعكس على صياغة مواقف رموز تلك الفترة منهم (عبد الله خليل) وقد كان من ضباط 4291 والذي مثل في مرحلة عدو مصر رقم (1) في السودان إبان توليه رئاسة الوزارة. كما ان مواقف (المحجوب) لم تكن تتماشى مع الثقافة العربية وهو من هو في مضمار الشعر العربي والثقافة العربية ومواقفه العروبية الصحيحة وغيرهم امثال (عرفات محمد عبد الله) والتجاني يوسف بشير بل إن قادة الحركة الوطنية من الاتحاديين من امثال الاشقاء بقيادة (الازهري) الذين تبنوا موقفاً معارضاً لمصر وهم حلفاؤها فأعلنوا الاستقلال التام توافقاً مع الكتلة الانعزالية التي نادت السودان للسودانيين على عكس ما كانوا ينادون به، والواضح ان الضعيف دائماً ما يتميز موقفاً رافضاً في حالة ضعفه مترجماً لخوفه بالابتعاد والاستحسان. وبالرغم من أنني لا اعفي الكتل السودانية والحكومات من مسؤولية إجهاض مشاريع الوحدة إلا انني اعتبر أنها تجيء دائماً كرد فعل للسياسات المصرية الرسمية: اقول السياسات الرسمية وفي الذاكرة موقف القوة المصرية في (عطبرة) التي وقفت بجانب الثوار والشعب السوداني في 4291م خروجاً عن الخط الرسمي وتمثيلاً للموقف الشعبي المصري الشقيق. السياسات المصرية الخاطئة والسطحية والانانية التي غالباً ما تغيب الشعب السوداني والمصري وتنظر الى السودان كقطعة ارض طالما تمنت ما عليها من مياه وما تحتها من نفائس لتمثل بذلك عمقاً أمنياً واقتصادياً لمصر أما أهل الديار فيمكن استرضاؤهم بعشرين مقعداً في البرلمان والواجب عليهم ان يشكروا الله على هذه النعمة. نعم إن الدعوة الثانية للوحدة اجهضها التيار الاتحادي نفسه لحسابات خاصة بالبرلمان وانضمام الكتل (الاستوائية) لكتلة (الانعزال) بالرغم من المبررات التي صاغها بعضهم بأن نظام الحكم في مصر لم يكن يصلح للوحدة أو أن عزل (محمد نجيب) كان قد افقد الاتحاديين الثقة في مصر بالرغم من أن (محمد نجيب) كان يحكم بنفس نظام الحكم الذي إدعوا أنهم لا يمكنهم تقبله. الدعوة تعود من جديد ٭ الذين يطرحون الامر الأني يمثلون النظامين الحاكمين في مصر والسودان وهذا يعني ان الدعوة رسمية- والعاقبة عندكم في المسرات- وأكثر من ذلك فإن المراقب العادي يلحظ أن التحرك الحالي هو تحرك حتى في نطاق رسميته هو تحرك في محور أمني بامتياز ذلك لا يخفي على عاقل ما دام ملف السودان مودع عند المخابرات منذ عقود في مصر ولم يبرح ذلك القبو. نحن لا نعترض على أن يكون للمخابرات في أي بلد رأى في السياسة ولكن أمر الوحدة اعمق وادق وأكبر حتى من النظام الرسمي نفسه إنه امر جماهيري وشعبي وثقافي في المقام الاول فالبداية الخاطئة تقود الى النتائج الخائبة ونحن كاتحاديين نرجو أن ترتب الامور بشكل يتناسب مع أهميتها ذلك لأن وحدة بلدين وشعبين تعني أول ما تعني تغييراً جذرياً في الكتل السياسية بل زلزالاً لا يمكن ان يثمر تركيبة سياسية جديدة وبديعة إلا اذا كان الامر هو كونفدرالية فوقية تؤمن للنظامين استمرارية لا غير وقد تأتي ببعض الحلول الاقتصادية والسياسية يمكن ان تتأتى عن طريق صداقة بين (الصين واليابان) فعلى الذين يطرحون الامر الآن ان يغتسلوا من درن السياسة الفوقية أو السطحية. الاتحاديون والفكرة ٭ نحن الاتحاديون فخورون جداً بأن نظرتنا التي تولدت منذ أن اجرى الله النيل وألف بين سكانه وقلوبهم قد فرضت نفسها الآن ونحن خارج السلطة. ولكن في نفس الوقت نخاف على الفكرة من ان تستعمل كمنديل الورق ثم تُلقى في مذبلة السياسة النتنة مثلها مثل الاشتراكية والديمقراطية والاسلاموية- ما الذي يطرح الفكرة كمخرج من وضع متأزم ومتشعب ومعقد، ليس كالذي يطرح الفكرة كقدرٍ حضاريٍ ثقافي لتأمين قيام كتلة تمتلك مقومات القيادة في العالمين العربي والاسلامي والقارة السوداء ناهيك عن أسباب البقاء والمقاومة لمشاريع التحطيم لابد ان نطرح الامور علي شكل شفاف ونارٍ هادئة نأتي اهلها منها بقبس لعلهم يصطلون ونحن على مشارف الحوار الجاد الذي تدعو له القوى الفكرية الجادة والمؤمنة والقوى السياسية المعارضة قبل الانظمة والقوى التي عملت ضد الفكرة في الماضي لتكون شريكة لها في المستقبل فنحن نعيش المد الاتحادي بعد الجزر وبعد أن احنى الاتحاديون رؤوسهم للعاصفة، هو حوار نقول ان رأس امره هو ان الحوار المستجيب لرغبات الشعبين والمستنير بالواقع المعضل لابد ان تنبني وتنشأ منه قوة سياسية جديدة تعبر عنه وتصوغ شكل الحكم الذي يتلاءم مع تطلعات الوضع الجديد، فالسودان دولة في حالة تشكل مستمر ودعوة وادي النيل لابد ان تكون وليداً لهذا التشكل لذلك فالدعوة بإيمان لا كالدعوة من منطلق المصالح. ونحن الاتحاديون نؤمن بأن عوامل التدامج بين أجزاء الوادي لا تنفصل ولا تتوقف بل تمتد على إمتداد طاقتها وإنجازها عبر القرن الافريقي وجنوب السودان حتى البحيرات ما دام هو النيل، وإن كانت رحلة الميل تبدأ بخطوة فنحن لا نعترض وكلنا واثقون بأن تفاعل النيل مع ساكنيه هو تفاعل حضارة ودم وان عوامل التدامج أقوي لكن مفارق الانتكاسات تأتي وتعبر وتمر وتأخذ شيئاً من حتى. ان الاتحاد والذي كتبه التاريخ باقلام خطت بها يد القدر من مداد اجراه رب القدر وناضل من أجله الآباء والمفكرون الاول هو اتحاد يقود الى إندماج لأنه وسيله صهر وتدامج بين الشعوب وليس مصالح سياسية عابرة أو مصالح امنية يمكن تخطيها أو الالتفاف حولها أو احتواؤها، واذا كان من يستمع الى القول لا يرى الزلزلة السياسية الكاملة والنهضة الدستورية الشاملة والحراك الشعبي الذي يقود الى نظام حكم يشبهه فلا هو مصري الهوى ولا سوداني المزاج لا يحمل مركزية المزارع ولا محلية الراعي وان القوى الجديدة يتصدرها حزب وحدة وادي النيل عابر الحدود والسدود وهو حزب قد تتفرع منه قوى سياسية متعددة مختلفة البرامج والرؤى لكنها متحدة الاهداف. نعم سيتم ذلك عبر مراحل ولكنه لابد من تعبيد الارض وحرثها تمهيداً للتغيير أما ان يفصل كل اقليم وحدته على مقاسه فسيكون الامر كوحدة الحركة الاتحادية ذاتها في السودان (محلك سر) والمدى الزمني قد يطول ويقصر ولكن الاتجاه لابد أن يكون منطقيا ليؤدي الى الغاية المنطقية. بروفيسور مشارك/ جامعة الزعيم الازهري