نقطة نظام ٭ لاحظت في مقال استاذنا مكرم محمد أحمد دعوة مغلفة لنوع نظام حكم محدد المعالم لا بل علماني بالقطع- وذلك عبر نقده لنظام الحكم في السودان الذي تتداخل عنده السياسة في الاسلام (إسلاموي) بالضرورة- وأنا هنا لا اريد أن أقع في نفس الخطأ فانساق لرأى ضد الآخر لأنني قد اوضحت ان القوى السياسية الحالية لا تستطيع ان تحدد الجيل الاتحادي الجديد كيف يحكم نفسه خاصة وأن الديمقراطية اصبحت بدون هيبة والديكتاتورية اصبحت من احلام الجاهلية- لكني استوقفكم هنا لملحظ هام وهو عندما يتحدث الاشقاء حول ضرورة ان يتوافق نظام مع نظام اخر هو تعبير عن الفوقية والنصرية السياسية ونفاق محض لأن تشريح نظام غض النظر عن عيوب الاخر هو ازدواجية لا ترقى لهذا الطرح الفكري الشفاف. كما أنني ارجو ان يكون الحراك المصري منطلقاً من نقد ذاتي واستكشاف للاخطاء واستشراف لمستقبل مشترك لا أن يكون بلطجة أمنية أو استشعارا بأن الضحية قد داخت وحان قطافها وان السودان الآن في وضع اللقمة لسائغة فدعونا نقول إن السودان الآني ضعيف ولكن رفض الضعيف للوحدة اقرب من قبوله للوحدة فقد رفضها إبان الاستقلال وهو نصف مستعمر يشكك قادته في قدرته على حكم نفسه بنفسه. فالسودان ليس ضعيفاً ولا بلداً خلاء كما فرض ذلك قانون مجلس الوزراء الانجليزي قبل إندلاع الثورة المهدية في السودان. كما أن المفكر العسكري والامني لا يمكنه ان ينظر إلا باستراتيجية الأمن والمياه هى ايضاً أمن، الأمن الغذائي والمائي والسياسي- نحن الاتحاديون لا ننكر ان ما فعله النظام الحالي بالسودان قد قاد الى الانفصال (المرحلي) والى اضعاف السودان من المناحي الاقتصادية والجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية لذلك فإننا لا نرى انه قمين بتحقق وحدة وادي النيل في مستواها الاساسي يالشعبي والحضاري لأنها ليست في صحيفته الفكرية ولا برنامجه السياسي وهو قد انقلب على نظام حكم ديمقراطي اتحادي والذي يحقق الوحدة لا يمكن ان يعطي حق تقرير المصير الى جزء غالٍ من الوطن. كما اننا نعلم أننا قد قبضنا على الجمر ونحن نتشظى ونحافظ على فكرتنا هذه عندما غاب عن مصر الشقيقة أى حزب اتحادي، وغياب الحزب الاتحادي عن مصر- وهو حزب اغلبية الشعب المصري إن لم نقل جميعه- وتناسى الحزب الناصري وحزب الوفد ومصر الفتاة والتجمع والحزب الوطني لفكرة الوحدة وحذفها من جميع برامجهم السياسية والانتخابية منذ العام 6591- ونحن قد ظللنا ننادي بالفكرة طيلة السنوات السابقة واعددنا لها ما يلزم من رؤى سياسية وتنموية واجتماعية (انظر ورقة التنمية للمفكر الطاهر عوض الله في احتفال الاستقلال) وأكدنا على ذلك منذ توقيع اتفاق نيفاشا واوصلنا ذلك الى الاخوة في مصر الرسمية ولكنهم ظلوا يتعاملون مع الحركة الاتحادية بواسطة طائفة دينية واحدة ويرفدونها بالدعم غير المحدود خاصة السياسي وهى لا هم وطني لديها ولم تطرح فكرة وحدة وادي محلياً ابداً بل كانت انجليزية الهوى حتى رفضها المستعمر وانحاز لصنوه اللدود. كما ظلت مصر تضع ملف السودان داخل اضابير أجهزة أمنها مقارنة السودان باسرائيل. عفواً الزلزال أو الزوال ٭ نحن نرى أن فكرة الوحدة هذه بها متسع للجميع لأنها للجميع ولكل اصحاب الرأى. ولكل القوى السياسية فهذا حق ديمقراطي طالما آمنا به. ولكن هنالك فارق بين ان يتولى القيادة والريادة أصحاب موقف تأتي من تحليل دقيق لواقع معقد أو أصحاب موقف تأتي من ايمان بموجهات التاريخ والجغرافيا والاسلام الحضاري. هؤلاء اصحاب فكرة ومبدأ لذلك فنحن لا ننادي بمنبر اتحادي ولكن ننادي بتكوين احزاب سياسية عابرة للحدود مختلفة البرامج متفقة الهدف والرؤيا، تقوم على أساس شعبي من القاعدة الى القمة حالما تعمل هذه الاحزاب فإن الزلزال سيدك القلاع وتكتسي الارض زينتها، وإن كنا نرى أن ذلك في المدى البعيد كما يرون فإننا نراه قريباً وجزى الله شعبنا في مصر والسودان خيراً، ذلك لأن تيار هذه الفكرة سيكون جارفاً وسوف يطوي المراحل طياً وسوف يسابق الرياح في اتجاه الوصول والهدف. وهذا سوف ينأى بالفكرة من: أ/ كيد واحتواء القوى السياسية التقليدية المهارة والفاشلة. ب/ احتواء الانظمة التي تصارع من أجل البقاء ولا هم لها في الفكرة أصلاً. نقول ذلك وقد لمحنا محاولة استغلال الفكرة لابقاء الانظمة على ما هى عليه والتركيبة السياسية على ما هى عليه وهذا مستحيل مرفوض ومثير للشفقة ومؤدي حتماً الى الردة الثالثة للفكرة. الحاجة الى الفكرة من الجانبين ٭ إن الحاجة الى التوحد والتدامج هى حاجة ملحة على الجانبين السودان والمصري لا يجب تشريح جانب واحد والسكوت عن الجانب الاخر فهي لا تحتاج الى الأمن والمياه فقط بل إنني استطيع ان اقول إن مصر هى هبة السودان فهى تحتاج اليه كي تعود قوة اقليمية- عربية- افريقية- إسلامية- اقتصادية- سياسية- ثقافية- اجتماعية- بل هى مسألة وجود لمصر على الخرطة واذا لم تتم الوحدة فإن مصر والسودان سيزولان عن الخارطة السياسية قبل اسرائيل. نحن نؤمن ان الوحدة هى قدر فالذي فقدته مصر عبر الخط (الساداتي) عربياً لن تكسبه بعد ان تخلت عنه لتركيا وايران ومحورها السوري وحزب الله. إلا عبر بوابة السودان بعد ان تحدد خط المقاومة شعبياً عربياً وإسلامياً حتى ان تركيا لحقت به وكسبت الدعم الذي كان يحظى به جمال عبد الناصر. لقد كان الراحل أنور السادات يقول عندما اعطى ظهره للعرب إنه يكفيه ان مصر والسودان يشكلان ثلثي العالم العربي. ولكن السودان لم يستمر معه كما تعلمون بذهاب الدكتاتور النميري. كما ان مكانة مصر هذه لا يمكن ان يحتلها السودان كبديل لمصر ولو بمنظور جغرافي ولكن لا يمكن لمصر العودة الا بثقل سوداني. إن مشاكل مصر كما قال احد الدبلوماسيين المصريين المستبصرين إن مشاكل مصر في السودان وحلولها في السودان بكل بساطة ليس سوبر ماركت يتبضع فيه المصريون بل هو قدر ممتد وجاء مع النيل- إن الرجوع للفكرة الاتحادية- كما هو الحال الآن في مصر لا يمكن ان يتم عبر بوابة الحركة الاسلامية التي فشل برنامجها في السودان. بل لا يمكن ان نرى بوادر حقيقية لازدهار الفكرة إلا عندما تتبنى القوى المعارضة في مصر هذه الفكرة وتشارك في بناء مؤسسة سياسية مشتركة، وللقوى السياسية المعارضة في مصر مصلحة في هذه الفكرة فهى وسيلة لمشاركة حقيقية وبصورة تعيد توزيع السلطة والثروة والثقافة بين البلدين نحن لا نخشى الوحدة لأننا أقوياء ولأننا حكماء نعلم ان مصالحنا وقوتنا وسيادتنا وقيادتنا لامتنا ولقادتنا لا تأتي إلا عبر الوحدة مع مصر ولأننا نعلم أن وحدتنا مع مصر اذا ما صيغت بالصورة الحضارية الحقيقية فإنها ستقدم نموذجاً الى اخوتنا في الجنوب للحاق بركبها ، فالعالم للأقوياء ويجب ان يستفيدوا في الجنوب من تجربة مصر مع اسرائيل التى هى وربيبتها امريكا لم تقدما عوناً في يوم لصديق بل إن اطماع اسرائيل ماثلة اليوم الجنوب ودارفور- نحن نطالب النظامين والجهازين الامنيين في البلدين الشقيقين ان يكونا عوناً للفكرة وألا يختطفاها لأن اختطافها وإجهاضها للمرة الثالثة صنوان. وأحب ان اترحم على المفكر الاستراتيجي محمد ابو القاسم حاج حمد الذي تابع الفكرة وامتد بها لضم القرن الافريقي وهذا التنويه حتى لا يسرق احد هذا الحق منه وهو في رحاب الله وما اكثر السامريون في الارض الخلاء. نحن منفتحون ومتحمسون لهذه الفكرة بكل تداعياتها فلنعطي المشعل للمفكرين والاتحاديين وللشعب في وادي النيل ليقول كلمته ويقوم بفعله المرتقب ويحمل قدره بيده ولابد للانظمة أن تأتي بعد ذلك وتحيط الامر بسياج السلطة لتساعد الشعب على التوحد والتدامج لا أن ترسم له الحدود بأفق يناسبها ومصالحها. ولنا عودات وعاقبات بروفيسور مشارك/ جامعة الزعيم الازهري