تمثل الدورات المدرسية حدثاً قومياً مهماً، وتهتم بها الدولة لأنها تعتبر من الأهداف الاستراتيجية العليا، التي تتمثل في اكتشاف المواهب والقدرات الطلابية والعمل على تنميتها وتطويرها والاستفادة منها. وتقام الدورات المدرسية بمعدل كل سنتين إذا لم تكن هنالك ظروف قاهرة للتأجيل، وتقام كل مرة في ولاية جديدة، وذلك لخدمة الأهداف الكلية للدولة، وتختار الولاية المضيفة للدورة وفق معايير محددة منها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وتعتبر الدورة المدرسية وعاءً تربوياً وتعليمياً جامعاً لطلاب المرحلة الثانوية، تتم من خلالها قيام منافسات رياضية متنوعة مثل كرة القدم والسلة والطائرة والمضرب وألعاب القوى بأنواعها المختلفة والرماية، وتتم المنافسة كذلك في المجال الثقافي من غناء ومسرح وشعر وفق أسس وضوابط تربوية وتعليمية، والمنافسة في هذه المجالات تقوم على أسس شريفة مصحوبة بتشجيع راقٍ وهادف، ويشهد أهل الولاية المعنية كل هذه الأنشطة. وقد تم اختيار الجنوب لأول مرة لتنظيم هذه الدورة قبل عامين بعد دورة الفاشر التي قاطعتها الولايات الجنوبية عدا غرب بحر الغزال تقريباً، وقد تم تكليف الولايات الجنوبية الثلاث بقرار جمهوري اتفق عليه الشريكان، ومنذ ذلك التاريخ فقد بدأ العمل والاستعدادات لقيام هذه الدورة، وتم تكوين لجان عليا على المستوى القومي وعلى مستوى حكومة الجنوب وكذلك على مستوى الولايات المضيفة، وتم تحديد احتياجات الدورة من ملاعب ومسارح ومقرات إقامة لطلاب الولايات المشاركة والوفود الرسمية والضيوف واللجان الفنية للدورة، وبما أن قيام الدورة يعتبر مكلفاً بصورة عامة، فإن قيامها في الجنوب يعتبر من أكبر المكاسب بصرف النظر عن التكلفة المالية. إن إلغاء حكومة الجنوب للدورة المدرسية يعتبر اغتيالاً لإبداع الطلاب الأبرياء، وأن قتل الفكر الإنساني بالإلغاء يعتبر انتهاكاً للحرية الفردية، ويعد من أسوأ وأبشع أنواع القتل، وأن الإنسان بدون فكر وإبداع عبارة عن جسد بلا روح، وليس القتل أن تحمل بندقية أو سكينا وتصوبها نحو الإنسان، كما أن الأسباب التي ذكرها السيد الأمين العام للحركة الشعبية ووزير السلام بحكومة الجنوب من مبرراتٍ أمنية أدت إلى إلغاء الدورة ليست مقنعة للرأي العام، لأن هذه الأسباب الأمنية لم تحدث في المناطق التي تقام عليها الدورة المدرسية في كل من « واو، أويل وكواجوك»، وإذا كان الأمر كذلك فكيف وصل طلاب الولايات المشاركة من جميع أنحاء السودان إلى هذه المناطق، وإذا كان الوضع الأمني خطيراً لهذه الدرجة التي أدت إلى الالغاء، فلماذا لا يستنفر الجيش الشعبي والشرطة في الجنوب لحماية طلاب الدورة المدرسية لكي تستمر فعالياتها كما خطط لها، وإذا كان الأمر في غاية الخطورة بحيث لا تستطيع حكومة الجنوب حماية فلذات أكبادنا الأبرياء، فكيف سيتم ترحيلهم إلى ولاياتهم، هل عبر جسورٍ جوية محمية بطائراتٍ حربية «ميج» حتى يتم تأمين وصولهم، ومن الذي سيدفع هذه التكلفة الأمنية الباهظة لترحيل حوالي «4000» طالب وإداري وفني ومسؤول، والمستغرب له ان السيد/ باقان أموم وزير السلام هو الذى أعلن تعليق الدورة دون السيد/ وزير الإعلام والناطق الرسمى لحكومة الجنوب، برغم علمنا أن قرار الدورة كان من رئاسة الجمهورية. وهل يمكن للسيد/ كمال عبيد وزير الإعلام أن يعقد مؤتمراً صحفياً يعلن فيه تعليق اتفاقية نيفاشا دون اتفاق الشريكين؟ لقد تألمت كثيراً من هذا القرار غير الموفق، نسبة لأنني كنت متابعاً أخبار الدورة المدرسية في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وكنت أمنى النفس أن أرى الجنوب مزداناً بأجمل وأروع الألوان في الافتتاح وفي المنافسات وفي الختام، لأنني اعتقد أنها سوف تكون آخر تجمع طلابي في السودان الموحد. وكنت أتمنى أن تقوم الدورة المدرسية ليتعرف أبناء السودان على أهلهم في الجنوب، وكيف يتعاملون مع ضيوفهم من كرمٍ وحسن استقبال وتكريم إلى آخره. وكنا نتوقع أن يتم إعداد برامج مصاحبة لزيارة بعض القرى والأعيان ومراحات الأبقار، وفي هذه الرحلات البرية يشاهد الطلاب مراحات الصيد على الطبيعة في الغابات والتيجان، وكنا نتمنى أن تعيش جماهير هذه الولايات إبداعات هذه الدورة من رياضة وفنون ومسرح، لتصبح هذه ذكريات جميلة تظل خالدة في إذهان الطلاب المشاركين والمواطنين المشاهدين. إن الوضع الأمني الخطير الذي بسببه تم تعليق الدورة المدرسية المسكينة والمظلومة، كان من باب أولى أن يكون سبباً في تعليق الاستفتاء «البقرة المقدسة» لأننا نعلم أن هنالك أبرياءً في الجنوب لم يتم تسجيلهم لأسبابٍ أمنية، ولم يستطيعوا ممارسة حقهم الدستوري في الاستفتاء، وذلك في كل من المناطق التي تسيطر عليها قوات الفريق/ جورج أطور في جونقلي، واللواء/ قلواك قاي في الوحدة «بانتيو» وفي مناطق المورلي. إن الذي حدث في واو وأويل وكواجوك يعتبر جريمة إنسانية في حق أبنائنا الطلاب لا يمكن السكوت عليها، ولا يمكن للشعب السوداني أن يسكت طويلاً وهو يرى أمواله تبدد بهذه الطريقة، وأن المسؤولية التاريخية والأخلاقية تحتم على حكومة الجنوب أن تعمل على استمرار الدورة مهما كان حجم الخلاف مع شريكها المؤتمر الوطني، وذلك لأن الطلاب أبرياء وبعيدون عن خلافات الشريكين ولا يمكن إقحامهم في فيها. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشيد بالسيد/ والي ولاية الخرطوم وحكومته الرشيدة، على قراره الشجاع بتحمل المسؤولية التاريخية بعدم إلغاء الدورة المدرسية أو فشلها، وذلك باستضافة حكومة الولاية لفعاليات الدورة المدرسية رقم «22». والله ولي التوفيق.