ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    مشاد ترحب بموافقة مجلس الأمن على مناقشة عدوان الإمارات وحلفائها على السودان    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن تسليم الدفعة الثانية من الأجهزة الطبية    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجع المعارضة وتكريس استقطاب الشمال- الجنوب
الانتخابات السودانية 2010 (3)
نشر في الصحافة يوم 11 - 12 - 2010

صدرت هذه الدراسه فى سلسلة كراسات استراتيجية الصادرة عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام تحت رقم 211 لسنة 2010 .
حظيت الانتخابات السودانية التي أجريت في أبريل 2010 باهتمام واسع النطاق على المستويين الإقليمي والدولي، فضلا عن الاهتمام الداخلي غير المسبوق، حيث كانت بمثابة الشغل الشاغل لكل المواطنين وللقوى السياسية على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها، سواء في الشمال أو في الجنوب. هذا الاهتمام الخاص لم يكن مستغربا، إذ تعد هذه الانتخابات أول انتخابات تعددية ديمقراطية خلال أكثر من عشرين عاما، منذ وصول نظام الإنقاذ إلى السلطة عبر انقلاب 30 يونيو 1989، بالإضافة إلى الطبيعة الاستثنائية لهذه الانتخابات من حيث الاتساع والشمول، ومن حيث التوقيت، وكذلك من حيث الآثار المترتبة عليها، مما جعلها الأكثر أهمية في تاريخ الحياة السياسية في السودان منذ حصوله على الاستقلال في الأول من يناير عام 1956. فقد جرت هذه الانتخابات في لحظة حرجة وفاصلة فيما يتعلق ببنية الدولة السودانية وبحدود ترابها الوطني، وبطبيعة النظام السياسي القائم وآلياته ومصدر شرعيته، كما تأتى قبل بضعة أشهر فقط من استفتاء جنوب السودان على حق تقرير المصير.
ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للحركة الشعبية، فقد اعترى موقفها الكثير من الارتباك، حيث أعلن كل من باقان أموم الأمين العام للحركة(11)، وياسر عرمان، مرشحها لمنصب الرئاسة المنسحب، أن الحركة سوف تقاطع الانتخابات بشكل شامل في كل الولايات الشمالية الخمسة عشر باستثناء ولايتين هما جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، باعتبارهما مشمولتين في اتفاقية السلام الشامل ومن المفترض أن تجرى فيهما «مشورة شعبية» بعد إتمام الانتخابات فيهما طبقا للاتفاقية. غير أن الفريق سلفا كير صرح عقب(12)، ذلك أن قرار المقاطعة في الشمال لم يصدر من المكتب السياسي للحركة الشعبية، وليس معبرا عنها، وأن الحركة مستمرة في المشاركة في انتخابات الولايات الشمالية، الأمر الذي أحدث قدرا كبيرا من الارتباك والبلبلة. وأشار سلفا كير إلى حدوث نوع من الانقسام داخل الحركة الشعبية، الأمر الذي نفته قيادات الحركة. وهكذا، ظل موقفها الأخير من المشاركة في الشمال غير معروف على وجه التحديد حتى بدء الاقتراع.
في الوقت نفسه سادت قبيل بدء الاقتراع العديد من المخاوف أن تحدث اشتباكات أو تهديدات أمنية، لاسيما أن الأوضاع في دارفور، وأيضا في جنوب السودان، غير مستقره أمنيا بشكل كاف. وقد أدى هذا الشعور العام إلى حدوث موجة نزوح من الخرطوم إلى خارجها، حيث غادرت العديد من الأسر إلى مواطنها الأصلية في الريف خشية اندلاع أحداث تشبه ما حدث يوم الاثنين الأسود الذي أُعلن فيه عن مقتل القائد الراحل «جون قرنق»، وما ترتب على ذلك من أحداث سلب ونهلب واشتباكات دامية بين الجنوبيين في الشمال وسكان الخرطوم.
في هذا الإطار كان اللافت للنظر بروز التأييد الأمريكي لعدم تأجيل الانتخابات، حيث أعلن المبعوث الرئاسي الجنرال جريشن عن إصرار بلاده على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر. وجرى تأكيد هذا الموقف من خلال انخراط المبعوث الأمريكي للسودان في مباحثات مكثفة مع المسئولين في الحكومة والقوى السياسية في محاولة منه لتقريب وجهات النظر حول إجراء الانتخابات في موعدها المقرر. شملت هذه اللقاءات كلا من الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس السوداني، والدكتور غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس ومسئول ملف دارفور في الحكومة، ومحمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والدكتور حسن عبد الله الترابي، الأمين العام للمؤتمر الشعبي، ومبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد، بالإضافة إلى وفد من حزب الأمة القومي(13).
وعلى العكس، كان حزب المؤتمر الوطني الحاكم قد أعد عدته، وأتم كل استعداداته منذ وقت مبكر لهذه الانتخابات، حيث عكف على دراسة الدوائر الانتخابية، ورتب تحالفاته مع زعماء القبائل والعشائر وقيادات الطرق الصوفية ورجالات الإدارة الأهلية، مستعينا بسيطرته الكاملة على مقاليد السلطة والثروة في البلاد لعقدين من الزمان، ولذلك بدا مطمئنا وغير آبه بمواقف المعارضة، واثقا من قدرته على الفوز في هذه الانتخابات، والتي عول عليها لتدعيم شرعيته الدولية خاصة في ضوء قبوله بمبدأ الرقابة الدولية واسعة النطاق، الأمر الذي يمكن أن يساعده أيضا في نفي الاتهامات الموجهة إليه باغتصاب السلطة. أضف إلى ذلك أن فوز الرئيس البشير برئاسة البلاد في انتخابات تنافسية ستساعده وتقوى حجته في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية واتهاماتها له. ومن الصحيح أن الاتهام القانوني للرئيس البشير سوف يبقى قائما، إلا أن نجاحه في الانتخابات كان يعني إضعاف هذا الاتهام سياسيا إلى حد كبير، خاصة في ضوء تركيز الدفع السوداني للاتهام على طابعه السياسي وأنه لا يعدو كونه نوعا من الاستهداف السياسي للسودان.
وهكذا، وقبيل بدء عملية الاقتراع ، أصبح واضحا أن أهداف كل من النخبة الحاكمة وأحزاب المعارضة من الانتخابات، أو عملية التحول الديمقراطي برمتها، لم تكن أهدافا أصيلة تعكسها تلك الشعارات المرفوعة حول الحرية، والعودة إلى الشعب والاحتكام إلى المواطن، بقدر ما كانت مجرد أدوات تستخدم فى الصراع السياسى الداخلى، أو إضفاء الشرعية على نظام البشير بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، حيث تحولت عملية التحول الديمقراطي إلى مجرد أداة لوصول كل طرف إلى أهدافه الأساسية. ولعل هذا الاقتراب هو الذي يعيننا على فهم المواقف المختلفة، وعمليات الكر والفر التي بدت عصية على الفهم في ضوء الخطابات المعلنة. كما أصبح واضحا أيضا أن الآمال المعقودة على مساهمة الانتخابات في إقرار قواعد سلمية ذات طابع ديمقراطي سلمى للصراعات السياسية، بما يفتح آفاقا جديدة أمام الاستقرار ومواجهة التحديات، قد أصبحت بلا شك محل تساؤل كبير.
ويمكن فهم ذلك من خلال ملاحظة أن الواقع السوداني الحالي يشهد نوعا من تلاشى الحدود بين العمليات القانونية أو الدستورية من ناحية، والعمليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من ناحية أخرى، حيث أصبحت الحدود مرنة بين هذه العمليات، وهو الأمر الذي أثر سلبا على طريقة تعاطي القوى السياسية، بتوجهاتها المختلفة، مع العملية الانتخابية، وساهم بشكل ملحوظ في إيجاد مناخ غير منتظم وغير تراكمي في الممارسة العملية لقواعد العملية الانتخابية. أضف إلى كل ذلك تأثير البرامج والأنشطة الدولية المكثفة على الداخل السوداني منذ انطلاق الخطوات الأولى لعملية التسوية السياسية في سبتمبر 2001.
ثالثا: المرشحون لموقع الرئاسة
عند الإعلان عن بدء عملية الترشيح شاركت معظم القوى السياسية الأساسية بنشاط في المعركة الانتخابية، حيث تقدم اثنا عشر مرشحا من الحزبيين والمستقلين لموقع رئاسة الجمهورية (استمر منهم ثمانية بعد انسحاب أربعة مرشحين حزبيين)، يعبرون عن القوى السياسية الأساسية. وقد شملت القائمة النهائية للمرشحين على موقع رئيس الجمهورية الأسماء التالية:
1- عمر البشير، رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
2- ياسر عرمان، مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي ينحدر من الشمال وهو نائب الأمين العام للحركة ورئيس قطاع الشمال.
3? الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي.
4- مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة «الإصلاح والتجديد».
5? حاتم السر على سكينجو، الناطق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يرأسه محمد عثمان الميرغني الزعيم الروحى للطريقة الختمية في السودان.
5? عبد الله دينق نيال، المرشح عن حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي، وهو مسلم من جنوب السودان، وعضو الهيئة القيادية بالحزب ووزير الأوقاف الأسبق، وكان قد تلقى تعليمه في الأزهر الشريف بمصر.
7- محمد إبراهيم نقد، مرشح الحزب الشيوعي السوداني، سكرتير عام الحزب، وهو من جيل السياسيين المخضرمين في السودان.
8- عبد العزيز خالد عثمان، قائد التحالف الوطني الديمقراطي، الذي كان يشارك في العمل المسلح المعارض لنظام الإنقاذ في شرق السودان.
9- د. فاطمة عبد المحمود، أول امرأة تترشح لمنصب رئاسة السودان، وهي تمثل الاتحاد الاشتراكي السابق الذي حكم باسمه الرئيس الأسبق جعفر نميري.
10- محمد أحمد جحا، مرشح مستقل من كردفان، غربي السودان.
11- د. كامل الطيب إدريس، مرشح مستقل، وهو أكاديمي وموظف دولي سابق كان يشغل موقع رئيس المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية.
12- منير شيخ الدين، مرشح الحزب القومي السوداني الذي ينشط وسط قبائل النوبا بمنطقة جنوب كردفان، غربي السودان، وهو أصغر المرشحين سنا.
رابعا: نتائج الانتخابات
مرت عملية الاقتراع التي اتسمت بالتعقيد والتركيب في هدوء دون أن تشهد أي عمليات عنف. وحتى الحادث الوحيد الذي وقع في جنوب السودان وراح ضحيته عدد من الجنوبيين المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني تبين أن وراءه خلافات ودوافع شخصية لا علاقة لها بالعملية الانتخابية. السمة الثانية التي ميزت هذه الانتخابات هي الإقبال الكبير من الشعب السوداني، بمختلف فئاته، على المشاركة والتصويت في هذه الانتخابات، التي قدرها المراقبون الدوليون بما يزيد على 60%، بينما أشارت المفوضية السودانية للانتخابات أنها تتجاوز نسبة 70%، الأمر الذي أشار إلى وجود رغبة قوية لدى السودانيين للخروج من دائرة الأزمات والحروب والتراشق المستمر بين الفرقاء السياسيين دون جدوى، والتي لم تكلفهم سوى إهدار الثروات الاقتصادية الهائلة لدى السودان فضلا عن الفرص البديلة للتنمية. وقد تمثلت السمة الثالثة لهذه الانتخابات أنها تمت تحت رقابة محلية داخلية ودولية واسعة النطاق، كنوع من الضمانة لنزاهتها من ناحية، وكنوع من الحرص على تكريس الاعتراف والقبول الدوليين بالنسبة للرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، من ناحية أخرى. وقد أعلنت مفوضية الانتخابات عشية يوم الاقتراع أن هناك أكثر من 800 مراقب خارجي، يتبعون لأكثر من 18 منظمة إقليمية ودولية، كان أهمها بعثة الاتحاد الأوروبي، وبعثة مركز كارتر التي تعززت بوصول الرئيس كارتر نفسه، حيث قضى كل أيام الاقتراع الخمسة متجولا في أنحاء السودان، بالإضافة إلى بعثات للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، والعديد من الدول الأخرى كان من بينها مصر التي أرسلت بعثة ضمت 20 مراقبا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد بلغ عدد المراقبين المحليين في السودان أكثر من 20 ألف مراقب يتبعون لعدد كبير من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية السودانية.
وقد كان من المفترض في ظل وجود الرقابة الدولية والانفتاح الواسع الذي شهدته مرحلة الانتخابات أن يؤدى هذا إلى أن تحظى الانتخابات السودانية ونتائجها بالمصداقية، وأن تحوز الشرعيتين القانونية والسياسية معا، غير أن حالة من الارتباك والضبابية غمرت المشهد السياسي إلى ما قبل بدء الاقتراع بأربعة أيام فقط، بالإضافة إلى أجواء التشكيك والاتهامات التي أطلقتها المعارضة حول وجود تجاوزات ضخمة في سجلات الناخبين وفى أداء المفوضية ومجمل الإجراءات والأطر المنظمة للانتخابات والاقتراع.
1- هيمنة المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب
أُعلنت النتائج النهائية بعد تأخر لأكثر من أسبوع كامل(14) على المستوى الرئاسي فاز الرئيس عمر البشير بنسبة 68% من إجمالي الأصوات الصحيحة لمن شاركوا في التصويت، كما فاز الفريق سلفا كير برئاسة إقليم الجنوب بنسبة 92%، فيما تأجل الإعلان النهائي لنتائج البرلمان القومي أكثر من مرة بسبب وجود بعض الطعون المنظورة أمام المحاكم المختصة. غير أن النتائج المعلنة أوضحت الفوز الكاسح لحزب المؤتمر الوطني في البرلمان القومي بنسبة تتجاوز 90%، ومثلها أو أكثر منها في المجالس التشريعية الولائية، إضافة إلى الفوز بمنصب حكام الولايات في 14ولاية من إجمالي 15 ولاية في الشمال.
أما في الجنوب، ففضلا عن الفوز الكبير لسلفا كير، فقد سيطرت الحركة الشعبية بشكل شبه كامل على برلمان إقليم الجنوب والمجالس التشريعية في الولايات، كما أُعلن عن فوز مرشحيها بمواقع الولاة في كل ولايات الجنوب العشرة. كما خسر لام أكول زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان ? التغيير الديمقراطي، الذي كان وزيرا للخارجية حتى عهد قريب وأحد القادة البارزين في الحركة الشعبية قبل أن ينشق عنها، والذي كان قد ترشح لمنصب رئيس حكومة إقليم جنوب السودان منافسا لسلفا كير، إذ لم يحصل سوى على 7% فقط من إجمالي الأصوات الصحيحة، مما دفعه إلى وصف الانتخابات في الجنوب بالتزوير، وتعرض وكلائه للضرب والاعتقال في العديد من الدوائر، والتدخل السافر للجيش الشعبي في عملية التصويت لصالح مرشحي الحركة الشعبية لتحرير السودان. كما أعلنت سبعة أحزاب جنوبية عن عدم اعترافها بالنتائج بسبب ما وصفته بحدوث تزوير على نطاق واسع.
وهكذا، تمخضت الانتخابات عن هيمنة كاملة لحزب المؤتمر الوطني في الشمال، في مقابل هيمنة أخرى موازية للحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، الأمر الذي أفرز معادلة جديدة للسلطة في السودان، وهى معادلة جديدة وقديمة في ذات الوقت. قديمة لأنها تعيد إنتاج صيغة تقاسم السلطة التي نصت عليها اتفاقية نيفاشا، وقامت على أساسها حكومة الوحدة الوطنية طوال المرحلة الممتدة من عام 2005. وجديدة لأنها تأتى هذه المرة في شكل تقاسم جغرافي أو جهوي للسلطة، بما يعنى نوعا من فرز الأوراق بين الطرفين، وبما يمثل أيضا إقرارًا بالتقسيم الفعلي للسودان استباقا للتقسيم القانوني المتوقع في يناير 2011، وهو الموعد المحدد للاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان. كما أن هناك متغيرًا آخر جديدًا أيضا، يتمثل في أن كل طرف أصبح بإمكانه القول إنه متربع على سدة السلطة بتفويض شعبي عبر الانتخاب وليس عبر معادلة اقتسام للغنائم جاءت عبر اتفاق بين طرفين حكمته معادلات القوة بينهما. في الوقت نفسه، وجدت أحزاب المعارضة، التي شاركت أو قاطعت الانتخابات، أنها قد أصبحت على هامش العملية السياسية، حيث أقرت نتائج الانتخابات واقعا جديدا ومغايرا عما أفرزته نتائج انتخابات سنة 1986 التي استندت إليها العديد من تلك الأحزاب للتأكيد على نفوذها وثقلها السياسي داخل المشهد السياسي السوداني.
2- تراجع أحزاب المعارضة(15)
من الأمور التي كانت لافتة في هذه النتائج أيضا أن عبد لله دينق نيال، قد جاء سابقا لحاتم السر، مرشح الحزب الاتحادي، ورغم ضآلة الأصوات التي حصل عليها كل منهما، إلا أن ذلك عكس أيضا مدى التردي التنظيمي والتراجع الذي لحق بالوزن النسبي للحزب الاتحادي الذي كان ينظر إليه تاريخيا على أنه من الأحزاب الكبيرة ذات الوزن. ولعل ذلك يعود في جزء كبير منه إلى الانشقاقات والشللية التي عصفت بالتيار الاتحادي، بالإضافة إلى قيادة الميرغنى الذي يبدو أنه يتجاهل عمدا كل الأطر المؤسسية والتنظيمية حفاظا على سيطرته الكاملة على الحزب، وربما أيضا لتمرير حساباته الخاصة.
عكست النتائج أيضا التراجع الواضح في قوة حزب الأمة، وهو الحزب الأكبر في آخر انتخابات برلمانية في 1986، حيث حصل الصادق المهدي على حوالي 100 ألف صوت بنسبة 1% تقريبا. وقد يجادل البعض بأنه كان قد انسحب من الانتخابات، إلا أنه في حالة استمراره كان من المحتمل أن يتقدم إلى الموقع الثالث بعد البشير وعرمان ولكن بفارق كبير عن المرشح الثاني، الأمر الذي يوضح أيضا مدى التغير الذي لحق بالواقع الاجتماعي والاقتصادي في السودان في العقدين الأخيرين، ويوضح من ناحية أخرى، أن الأحزاب التقليدية يجب أن تبذل جهودا قوية ومنسقة من أجل البقاء كقوى فاعلة في الحياة السياسية السودانية.
أما على مستوى البرلمان القومي وحكام الولايات والمجالس التشريعية الولائية، فقد جاءت النتائج بخسائر فادحة أيضا للحزب الاتحادي الديمقراطي/ الأصل بزعامة السيد محمد عثمان الميرغنى، والذي كان قد شارك في كل مستويات الترشيح بعد كثير من التردد والتصريحات المتضاربة، والتي انتهت بحسم الميرغنى للأمر وإعلان المشاركة الكاملة. في ذلك الوقت راجت الكثير من الأنباء عن وجود صفقة انتخابية بشكل أو بآخر عقدها السيد الميرغنى بعد اجتماع مغلق بينه وبين على عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، غير أن النتائج توضح أنه لم يكن هناك ثمة اتفاق محدد الملامح. فقد خسر الحزب الاتحادي- الأصل كل الدوائر والمواقع التي تقع في منطقة نفوذه التقليدي في شمال السودان، بالإضافة إلى خسارته لمنطقة «كسلا» في شرق السودان، رغم ضخامة الحشود الجماهيرية التي كانت قد خرجت لاستقبال الميرغنى في زيارته لهذه المنطقة قبيل الانتخابات مباشرة، والتي بلغت حدا أدهش المراقبين، والميرغنى نفسه (وهو ما عبر عنه بقوله «حتى كسلا!!»). وكان اللافت للنظر أن الخسارة شبه الكاملة للحزب الاتحادي لم تكن بفارق معقول في الأصوات يدل على وجود نوع من التنافس أو يمكن اعتباره ناتجا عن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال العقدين الماضيين، بل كانت بشكل كاسح لصالح حزب المؤتمر الوطني يصل إلى 90% من الأصوات أو أكثر في بعض الدوائر، كما لم يفز الاتحادي بأي منصب لحكام الولايات في المواقع التي طرح فيها مرشحين، وبذلك جاءت الخسارة فادحة وشبه كاملة على كافة المستويات.
وقد كانت هناك العديد من المؤشرات قبل أن تبدأ العملية الانتخابية التي تشير إلى أن المنافسة بين حزب المؤتمر الوطني وبقية أحزاب الشمال التقليدية محسومة سلفاً لمصلحة حزب المؤتمر الوطني. يُعزى ذلك إلى هيمنة حزب المؤتمر على مقاليد السلطة لأكثر من عشرين عاماً، وما تبع ذلك من التحالفات وشبكات المصالح التي أقامها مع قطاعات عريضة داخل المجتمع السوداني في غيبة/ أو تغييب القوى السياسية الأخرى، وما أتاحته السيطرة على السلطة من توافر فرص التوظيف والتدريب لعشرات الآلاف من الكوادر في المواقع المختلفة، وما صاحب ذلك من توافر موارد مالية ضخمة وغير مسبوقة لدى السلطة الحاكمة، لاسيما في مرحلة استخراج وتصدير النفط والتي بدأت مع مطلع الألفية الثالثة، في حين تعاني أحزاب المعارضة شح الموارد الذي حال دون قيامها بالحد الأدنى من النشاط السياسي أو التنظيمي، وقلل من قدرتها على التواصل مع القواعد أو تعبئتها، وهو ما اتضح في عدم قدرة هذه الأحزاب على تعبئة الناخبين لتسجيل أسمائهم في كشوف الناخبين أو حشدهم خلال أيام الاقتراع. أضف إلى ذلك الانشقاقات المتوالية التي عصفت بهذه الأحزاب. وتجدر الإشارة أيضا إلى عامل آخر بالغ الأهمية، يتمثل في عملية خلخلة الولاءات التقليدية للأحزاب التقليدية في الريف، الأمر الذي انعكس سلبا بشكل كبير على قوة هذه الأحزاب نتيجة انتشار التعليم وربط الريف بالمدن بعدد من شبكات الطرق خاصة في الإقليمين الأوسط والشمالي، واجتذاب زعماء العشائر والقبائل ورجال الطرق الصوفية إلى حزب المؤتمر الوطني عبر شبكات متشعبة للمصالح.
والشاهد أن حزب المؤتمر الوطني لم يكن بحاجة كبيرة إلى تزوير الانتخابات لكي يضمن الفوز، بل إنه كان يسعى بحرص كبير قبيل بدء الاقتراع لإقناع حزبي الأمة والاتحادي بالمشاركة، وقد نُشرت العديد من التقارير عن دفع بعض الأموال لحزبي الأمة والاتحادي تحت مسميات مختلفة لحثهما على المشاركة، الأمر الذي يعنى أن حزب المؤتمر كان يخشى من عدم خوض هذين الحزبين للانتخابات أكثر من خشيته منافستهما. أما بالنسبة للحركة الشعبية فإن حزب المؤتمر كان يخشى منافستها على موقع رئاسة الجمهورية وليس على مستوى المجالس التشريعية وحكام الولايات الشمالية.
إلا أن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك تجاوزات أو أعمال تزوير؟ بالطبع كانت هناك العديد من التجاوزات التي تحدثت عنها المعارضة وجهات أخرى عدة بقدر كبير من الاستفاضة. ولكنها في الأغلب تظل ممارسة محدودة لا تؤثر في النتيجة العامة للانتخابات التي كان من الواضح أن حزب المؤتمر سيحوز أغلبية مريحة فيها في كل الأحوال. وقد أشارت بعض الكتابات لمتخصصين سودانيين من المشهود لهم بالاستقلال والموضوعية إلى أن بعض ما نُشر عن الممارسات الفاسدة التي شابت العديد من جوانب العملية الانتخابية وإجراءاتها قد يكون صحيحا ويطعن في نزاهة الانتخابات ولكنه لا يدل على بطلان نتائجها الكلية المتعلقة بسيطرة حزب المؤتمر.
3- رفض المعارضة الاعتراف بالنتائج
كشفت نتائج الانتخابات عن بعض الظواهر والمفارقات، من قبيل حصول بعض المرشحين الحزبيين والمستقلين على صوت واحد فقط في بعض الدوائر، أو عدم الحصول على أي صوت في بعضها الآخر، رغم تصويتهم وأقاربهم في مركز انتخابي محدد، أو إعلان حصول بعض مرشحي حزب المؤتمر الوطني على أصوات تزيد عن عدد الناخبين في مراكز انتخابية بعينها. وراجت الأحاديث عن حدوث تزوير واسع بطرق عديدة، كما نشرت المواقع الإلكترونية شريط فيديو يظهر موظفي المفوضية في إحدى دوائر المنطقة الشرقية يملئون الصناديق ببطاقات مزوره.
وقد أعلن تحالف المعارضة رفضه القاطع لنتائج الانتخابات وعدم الاعتراف بها، لكنه تعهد «بعدم اتخاذ موقف متهور» حيالها بالخروج إلى الشارع. وقال رئيس هيئة التحالف فاروق أبو عيسى(16)، في تصريحات عقب اجتماع ضم بعض المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، وقيادات حزبية معارضة، إن «الاجتماع اتخذ موقفاً موحداً يرفض نتائج الانتخابات أو التعامل معها إلا باعتبارها أمراً واقعاً»، مشيراً إلى أنها «مزورة من الألف إلى الياء». وشدد على أن موقف القوى المعارضة موحد من الانتخابات «الفضيحة». وقال إنه لا يوجد حزب يتمكن من الفوز بنسبة 99% في انتخابات ديمقراطية. ولم يقتصر نقد أبو عيسى على حزب المؤتمر الحاكم، ولكنه امتد أيضا إلى التقارير الدولية حول الانتخابات، حيث انتقد تقرير مركز كارتر حول الانتخابات، والذي ذهب إلى أن هذه النتائج سيقبلها المجتمع الدولي، مؤكدا أن التقرير احتوى على «كذب بائن». وأعلن أبو عيسى تكوين لجنة لدراسة التقرير الذي وصفه بأنه «استهان» بمطالب المعارضة وموقفها. وربط أبو عيسى تشكيل حكومة قومية ب «الاتفاق» على برنامج وطني يحل قضية دارفور، ويتعامل بجدية مع مسألة استعادة الديمقراطية، إلى جانب إعادة إجراء الانتخابات عبر مفوضية وقانون انتخابات جديدين.
ومن ناحيته أعلن الحزب الاتحادي أنه لن يعترف بهذه الانتخابات ولا بالنتائج التي سوف تترتب عليها باعتبارها مزورة، وطالب بإعادتها كاملة. وأصدر الميرغنى بيانا بهذا المضمون وغادر السودان غاضبا، وصرح بأنه حين تبين له وجود التزوير والتلاعب لم يدل بصوته في هذه الانتخابات.
أما بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي الذي كان قد شارك بدوره في العملية الانتخابية بكل مستوياتها، فقد تبين سقوط زعيمه حسن الترابي، الذي كان قد ترشح على قائمه التمثيل النسبي، حيث حصلت قائمة حزبه على 2% فقط، أي أقل 2% من الحد الأدنى المطلوب للتمثيل داخل البرلمان. كما خرجت الغالبية العظمى من مرشحي حزبه في كل المستويات بأصوات هزيلة للغاية. وعلى إثر ذلك أعلن الترابي أن الانتخابات قد جرى تزويرها بالكامل عبر استبدال الصناديق، وأن حزبه لن يشارك في أي مؤسسة تنتج عن هذه الانتخابات بعد أن كان قد وصفها عقب انتهاء الاقتراع مباشرة بأنها لم تشهد تزويراً وإن كانت قد حفلت بأخطاء فادحة. وبذلك انضم الذين شاركوا في الانتخابات إلى القوى التي كانت قد قاطعتها منذ البداية احتجاجا على عدم توافر الحد الأدنى من متطلبات النزاهة والشفافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.