أحدث فوز قطر بتنظيم بطولة كأس العالم 2022م دويا هائلا على كافة الأصعدة، كيف لا، وجزء كبير من العالم ظل ينظر للعرب والمسلمين نظرة ريبة وقلة شأن بحسب الدعاية الصهيونية المدروسة التي هدفت إلى ترسيخ الدونية وتحقير العرب والمسلمين وانه لا يأتي منهم خير، حتى باتت هذه المفاهيم تعشعش في أذهان البعض في مختلف أرجاء المعمورة، ولكن قطر استطاعت في أكثر من ميدان أن تحدث اختراقات لهذه المفاهيم المغلوطة، ومازالت تجتهد لتعديل هذه الموازين المطففة، لتعيد للعرب والمسلمين صورتهم الزاهية التي انهال عليها غبار الدعاية الصهيونية حتى كاد يخفي بريقها الوهاج. بجانب هذا أهدى فوز قطر للعرب والمسلمين ولشعوب العالم الثالث، فرحة سيظل صداها يتردد إلى ما بعد 2022م، وقد شاركها الجميع هذه الفرحة التي برهنت بها أن العرب والمسلمين «يقدرون» ويستطيعون أن يسهموا في رفاه العالم وإسعاده بما لهم من رصيد وافر من المحبة والتسامح، وان مساهمتهم في الحضارة العالمية أمر لا يخفى إلا على مكابر أو عدو سافر. قد عبر الشارع العربي والإسلامي بجلاء عن فرحته ودعمه لقطر لتنتقل الكرة مباشرة إلى ملعب القادة والسياسيين، لأن يستثمروا هذه الفرحة التلقائية والمشاعر الصادقة التي انداحت وسط شعوبهم ليزيدوا من لحمة الشعوب العربية والإسلامية وترابطها، خاصة أن قطر تحدثت بصيغة الجمع وعينها على العرب كلهم، تريد أن تشرك الجميع في هذا الحدث الذي لا يتكرر، فهذا إنجاز قومي كبير خرج من عباءة الخير التي تلف دولة قطر، تلك الدولة الصغيرة بمساحتها الكبيرة بعنفوانها وطموحاتها، وكثيراً ما برهنت لنا الأيام أن تلك الطموحات، استطاعت أن تترجمها إلى واقع معاش في أكثر من ميدان والكل يشهد على تلك الأدوار الخيرة التي ظلت تلعبها على الساحتين الإقليمية والدولية، بجانب نهضة شاملة تعيشها هذه الدولة الفتية، فلم تتعلل يوماً بصغر المساحة وقلة السكان لتنزوي في ركن آمن من الكرة الأرضية وتنكفي على نفسها، بل أرادت أن يكون لها شأن وإساهم في الحضارة العالمية، وأن تحجز لنفسها مقعدا متقدما وسط أمم العالم المحتضر، تدفعها إلى ذلك قيادة شابة مبدعة لا تعرف للمستحيل طريقا، ديدنها المحبة والتسامح اللذان تستقيهما من دينها الحنيف وتراثها الثر وماضيها التليد. وقد تابعنا تفاعل الشارع العربي والإسلامي، فأعجبتني مبادرة طرحها شباب من السودان، فشكلوا لجانا لدعم قطر وبحسب ظني أن بقية الشباب في مختلف الدول العربية قد أبدى تجاوباً عمليا مترجمين هذه الفرحة وتلك المشاعر الصادقة إلى عمل خلاق أرجو أن يؤتي ثماره، لأن أمام قطر معركة سلمية مباركة تحتاج لتضافر جهود الجميع «رسميين وشعبيين» لاسيما والأمة تزخر بالسواعد البناءة والعقول الخلاقة، فنأمل توظيف كل هذه الجهود والطاقات للوقوف بجانبها متى ما طلبت ذلك، ونريد من خلال هذه المناسبة أن نحيي حضارتنا وماضينا المجيد المبني على الخير والمحبة والتطور في كل الساحات. آمل ألا نقف موقف المتفرج، فالوقت سوف يمر سريعا، كما أن البناء والإنشاءات تحتاج لجهود جبارة ليقدم العرب والمسلمون من خلالها ملحمة حضارية تحفها المحبة والسلام والإبداع، تمحو بها كل ما علق بالأذهان عن العرب والمسلمين من صورة مغلوطة وأحيانا غير منصفة، لتحل محلها الصور المشرقة التي أصبحت قطر وأخواتها من الدول العربية والإسلامية المستنيرة تؤسس لها.