ارجو تكرمكم بالاطلاع علي المادة المرفقة ونشرها بعمودكم المقرؤ .. مخلصك سيف الدين عبد الحميد عصر الروح مضى وسارت قوافله الماده واستلم المجال من بعده عهد الماده طبَّق فينا من قانونه أبشع ماده تتقاذفنا تياراته جازره وماده «إبراهيم العبادي» كانت بنت أخي في زيارة لي في منزلي بصحبة بعلها الأسبوع الماضي، وبنت أخي هذه خريجة كلية البيطرة في 2004م وهي ذات أفقٍ واسع في الحديث عن الشأن العام والشئون المنزلية، فقد كانت هي نفسها عضواً في حزب الأمة القومي وشغلت منصب السكرتير الاجتماعي في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 2003م. ولكن يبدو أنها عطلت نشاطها السياسي بعد دخولها بيت الزوجية شأن الكثير من بنات حواء وتفرغت لتدبير المنزل وتربية الأطفال ورعايتهم خاصة وأن زوجها يعمل طبيباً بشرياً يغدو إلى عمله مبكراً ويروح منه متأخراً. وعوداً إلى زيارتها القصيرة فقد جرى الحديث في شكل «الونسة» السودانية العادية وتبادل الكلام العفوي حتى استأذنت للانصراف إلى البيت، وكان آخر الكلام وهي تهم بفتح باب العربة أن جال بخاطرها جائلٌ مما يجول بخاطر الكثيرين وأرادت أن تبعثه لي في شكل وصية ظاهرها العتاب وباطنها العذاب، قالت لي (يا عم سيف الناس الكانو دُفعتك الليلة عملو عمارات!). هلا للهِ ذا الظفرُ المبينُ!!! ولولا أن بنت أخي كانت على أهبة التحرك كنت أود أن أسألها: بالله عليك كيف عملوها؟ وربما أوردتْ لي لو أسعفها الوقت طرائق عديدة ليس من بينها «التوريث» طبعاً لأنني غير مورّث أصلاً، إذن فما عساها تقول؟ إذ ليس بمقدرتي التبرع بالإجابة لأنني لو كنت أعرف الإجابة لأجبت عن سؤالها طابقاً فوق طابق أو كما قال الزعيم المرحوم «كلما سألوا أجبناهم بطابق». يبدو أن بنت أخي العزيزة فقدت بوصلتها العقلانية منذ أن تقوقعت داخل قفصها الزوجي وبدأت تسرح في عالم اهتمامات الأنثى المادي الذي لا ترى في الوجود شيئاً جميلاً أجمل منه. ظنت المسكينة أن عمارة الطوب هي التي تخلق الإنسان ونسيت أن الإنسان هو الذي يخلق مثل هذه العمارة الطوبية ونسيت في ذات الوقت أن هناك عمارة طوباوية اسمها عمارة النفوس التي لو وُفِّق الإنسان فيها لكانت خيراً وأبقى. تظن بنت أخي التي اكتسحها عالم المادة الفاني أن من لم يبنِ عمارة لن يشار إليه بالبنان، إذن فهو «غير موجود». طيّب يا أمَّ الطيب: ماذا تقولين في أحد الرعاة الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وبنى تلك العمارة في قلب المدينة أو في أطرافها ثم ظل هو كما هو بخلجات نفسه وتهويماته وضيق أفقه؟ إذا اعترفت بوجوده لمجرد أنه يعيش داخل عمارته كما يعيش الضبُّ داخل شقوق شجرته تكونين قد نفيت وجود شخصٍ مثل عباس العقاد الذي كان يعيش في حجرةٍ مساحتها 4*4 م2 بمدينة أسوان في صعيد مصر. العقاد كان يعيش في حجرة ضيقةٍ كهذي بيد أن أعماله الفكرية جعلت منه قامة ينحني لها القمر إجلالاً وتتحطم دونها العمارات (وهنا لا ابتغي تشبيهاً بالعقاد وإن طلبتُ اقتداءً به وما أنا ببالغه). وددتُ أيضاً أن أقول لابنة أخي المادية إنني ظللت أدعو الله يومياً أدعية خاصة لم يكن من بينها «اللهم أمنحني العمارة» مطلقاً، ولكن من بين هذه الأدعية دعاءٌ لو خيَّرني ربي بين الاستجابة له وبين أن يَهَبَنِي ملك سليمان عليه السلام لاخترته دون تردد. العمارة يا مَنْ كان جدك لأبيك فقيهَ قريةٍ وإمامَ مسجدها ويا مَنْ كان جدك لأمِّك فقيهَ قريةٍ وإمامَ مسجدها هي عرضٌ زائل داخل دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضةٍ حسبك فيها لقمة عيشٍ تسد رمقك وجرعة ماءٍ تطفأ ظمأك، ولكم سمعنا وسمعت (والله دخل فيها وخرج منها ولم يكمل الشهر، والله قبل أن ينتهي من الطابق الأخير راح فيها، الغريبة ضبح كرامتو ليها وبعد أسبوعين مات) وقصص أخرى كثيرة. أعانك الله على حوائج منزلك. من المحرر: العزيز سيف اراك قد نسيت انه في زمان تحالف السلطة والمال والجمال هذا الحلف الذي لم يترك لمن سواهم سوي الفقر والمرض و(الشناة)، حتي العمارة اصبحت حلما متواضعا جدا لا يرقي بصاحبه ولو امتلكها الي مصاف هذه الطبقة الجديدة التي سحقت تحت ارجلها ما كان يعرف بالطبقة الوسطي، وبمقياس هذا الزمان الذي قال عنه دارفوري حكيم (سيد جنقور في فاشر ولا عندو راي) حتي امنية بنت اخيك لك بامتلاك عمارة تبقي امنية غاية في التواضع، ولكن مهما كان لا ننصحك بركوب الموجة فانت اصلا لست مؤهلا لذلك فقط ننصحك عندما تواجه موقفا مثل ذاك الذي واجهه جدك فرح ود تكتوك ان تقول (كل يا كمي قبل فمي)...مع امنياتي لك ليس بعمارة بل بما يدبر لك قوت يومك.. اخوك المكاشفي..