هاجسان انتاباني وأنا أشرع في الكتابة عن هذا الموضوع للمرة الثانية.. الهاجس الأول أنني أكرر نفسي مما يجعلني عرضة لتهمة الجدب وخواء المواضيع، بينما الهاجس الآخر هو أنني أكاد أبصر بعيني نُذر الكارثة التي أفزع منها ومن آثارها مما يتطلب قرع الأجراس أكثر من مرة.. قبل بضعة أيام كنت مدعواً لفرح في إحدى هذه الصالات، فهالني كما ذكرت من قبل أن هذه الصالة المغلقة الفسيحة يُغطي سقفها وجدرانها بستائر قماشها مصنوع من مادة «البولي إيثلين» الشديدة الاشتعال، وقد أمعنت النظر في هذه الستائر علني اهتدي إلى مخرج للطوارئ، فلم أوفق حتى في العثور على الباب الذي دخلنا منه. كما أن المقاعد الثقيلة تحتشد حول المناضد وتطوقها بصورة محكمة للدرجة التي تعوقك عن النهوض للسلام على صديق يجاورك في المنضدة المجاورة. إن كان هذا هو الحال والأنوار مضاءة والمطرب يصدح بأغانيه، فكيف يكون الحال إن أظلمت القاعة وتطاولت ألسنة الحريق في أحد أطرافها لا قدر الله؟! كذلك راحت عيناي تبحث عن «طفايات الحريق» فلم أجد حتى واحدة..!! ومما شحذ همتي للكتابة في هذا الهاجس للمرة الثانية، تقرير سبق ونشرته «الأيام» وقامت بإعداده الأستاذة/ فاطمة النور بعنوان «90% من المنشآت تفتقر لوسائل السلامة والأمن.. نيابة مختصة للدفاع المدني في الطريق لضبط المخالفات». وركز التقرير على ضرورة أن تتوفر في هذه المنشآت مخارج الطوارئ «سبل الهروب» وأجهزة إنذار الحرائق، إلى جانب معدات الإطفاء، وضرورة أن تكون مخارج الطوارئ هذه واضحة لأعين الناس. كذلك جاء في التقرير على لسان النقيب مهندس جيهان ممثل الإدارة الهندسية بالدفاع المدني، أن هناك مشروع إنشاء نيابة مختصة لأعمال الدفاع المدني، وذلك لإلزام الملاك بتنفيذ إجراءات السلامة. نيابة مختصة.. لا أدري ما هذه «المتلازمة» المسماة بالنيابات المختصة التي أصابت أجهزة الدولة العدلية؟ إن المواطن العادي بات يتحسس جيبه كلما سمع كلمة «نيابة مختصة»، فهذه النيابات أصبحت في وجدان الناس فرق جبايات تتسلح بالقوانين والشرطة لتحصيل وجباية الأموال أكثر من كونها أداة عدلية تبسط الأمن والعدل، والأمثلة كثيرة لهذه النيابات المتخصصة التي تنتزع الضرائب وفواتير المياه والتلفونات وحقوق الملكية الفكرية والمصنفات وحتى النفايات. فالأصل في رجل القانون أن يكون واسع الإطلاع رحب التخصص، بحيث يملك الكفاءة للفصل في أي نزاع، مستنداً إلى نصوص وروح قوانين شاملة وقاطعة. هناك مفهوم خاطئ وشائع يكرِّس ويقنن فلسفة أن سداد الغرامة أو المخالفة هو بمثابة «رخصة» تجيز لك الاستمرار في الخطأ، و«أنت في السليم» طالما قمت بالسداد. وأكثر ما أخشاه أن يحدث هذا في الموضوع الذي نحن بصدده، حيث يقوم أصحاب الصالات بدفع قيمة المخالفات ويبقى الوضع على ما هو عليه، إلى أن نصحو ذات يوم على كارثة ماحقة..!!