ليس هنالك وصف يناسب ما يشهده طريق المرور السريع الذى يربط ولاية النيل الأبيض بالعاصمة من حوادث وما آل إليه وضعه، غير أنه وضع كارثى ومخيف، وينذر بما هو أسوأ، إن لم يتم التحرك السريع من أجل وضع حلول ناجعة وسريعة لتفادي وقوع المزيد من الحوادث أو على الأقل العمل على التقليل من نتائجها المهلكة. لقد ارتفع فى الفترة الأخيرة معدل حوادث الحركة فى هذا الطريق بشكل خطير ومرعب، فبعد أن كان يشهد حادثا واحدا كل ثلاثة أشهر، تقلصت الفترة إلى حادث كل شهر، ثم أخيرا حادث كل أسبوع، بل حادث كل خمسة أيام، كما لاحظنا خلال الأيام الماضية، حيث وقع حادثان مروعان راح ضحيتهما العشرات من المواطنين الكرام. ففى الأسبوع الماضى وتحديدا فى الرابع من هذا الشهر، وقع حادث حركة أليم بالقرب من قرية الأحامدة جنوب الكوة، وراح ضحيته وللأسف «19» شخصا وجرح فيه «16» آخرون، وذلك عندما اصطدم بص سياحى بحافلة ركاب صغيرة «ميلاد» تعمل فى خط الدويم ربك، ولم يمض على هذا الحادث سوى ستة أيام فقط حتى روع المواطنون بحادث آخر وقع يوم الجمعة قبل الماضية، وأودى بحياة خمسة أشخاص وجرح «37» طالبا، وكان بين بص سياحى يقل بعثة كسلا المدرسية وتانكر وقود. وهذا لعمرى معدل مرعب للحوادث، ويبعث الكثير من القلق، وجعل المواطنين يتساءلون عن اسباب زيادة نسبة الحوادث فى هذا الطريق الذى كان حتى وقت قريب أكثر الطرق القومية أمنا وسلاما، ونادرا ما يشهد حوادث مثل هذه التى اصبحت أمرا عاديا. وإذا رجعنا لسيناريو الحادثين الاخيرين، نجد أن هناك تشابها فى طريقة حدوثهما، حيث أن محاولة التخطى هى التى تسببت فيهما، ففى الأول حاول البص السياحى تخطى مركبة كانت تسير أمامه، وقبل أن يرجع إلى مساره اصطدمت به الحافلة الصغيرة. وفى الثانى حاول سائق التانكر تخطى شاحنة، إلا أن تقديره للمسافة والزمن لم يكونا بالصورة المناسبة، ليصطدم بالبص ويحدث ما لم يكن فى الحسبان. ولكن إذا تمعنا فى الأمر وتأملنا ماآل إليه حال طريق الخرطوم كوستى من زيادة متوالية فى الحوادث وبالتالى مضاعفة حالات الوفيات نتيجة لها، نجد أن هنالك سببين لذلك، أولهما ازدياد عدد العربات المستخدمة لهذا الطريق، «وهو قطعا مرشح للازدياد». والسبب الثاني وهو الأهم، ضيق هذا الطريق، بحيث أنه أصبح أمر تخطى أى سائق لسيارة تسير أمامه، يستوجب الكثير من التفكير والتأنى، لأن الأمر لا يحتمل أية مجازفة أوسوء تقدير، وإذا أجرينا دراسة حول أسباب الحوادث على الطريق لخرجنا بذات النتيجة. إذا فضيق الطريق هو مربط الفرس، وهو السبب الحقيقى لما نراه من كوارث إنسانية فى هذا الطريق «وهذا طبعا بعد الإيمان بقضاءالله»، وهرولة المسؤولين عند حدوث أى حادث مرور ومحاولة إعطاء المواطنين صورة إنسانية عنهم، لا يعفيهم ولايشفع لهم عند من فقد عزيزا أو أصيب له قريب فى هذه الحوادث، لأن من واجبهم أولا وقبل مواساة أسر المكلومين، أن يجدوا فى إصلاح حال الطريق الذى لم تغير تقنيات المراقبة الحديثة كثيرا من سلبياته أو تردع السائقين المتهورين. لذلك فمن الواضح ودون أدنى شك، أن هذا الطريق فى حاجة ماسة واليوم قبل الغد إلى توسعة، وكل من يرتاده يتيقن تماما من هذا الأمر، خاصة مع الأعداد الكثيرة للشاحنات والناقلات الضخمة التى أصبحت سيدة هذا الطريق، وصارت مصدر خطر لبقية السيارات، لأن تخطيها يحتاج إلى حسابات وحذر شديدين. إن حكومة ولاية النيل الأبيض يجب أن تقوم بدورها فى حث المسؤولين الاتحاديين بضرورة توسعة هذا الطريق، حتى تحافظ على أرواح مواطنيها، فدفن الرؤوس فى الرمال لن يجدى ولن يعفيها من المسؤولية، لأن أى نفس تموت هى مسؤولة عنها أمام الله، ونذكرهم بالمقولة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب: «لو عثرت بغلة بأرض العراق لسئل عمر، لماذا لم يسوِّ لها الأرض». أما الحكومة الاتحادية ووزارة الطرق فنتمنى أن يتحركا بصورة أكثر تفاعلا مع هذه المآسى التى تتكرر كل أسبوع، فعدم اهتمامهما بما يجرى وبرودة تجاوبهما مع مناشدات المواطنين وآلامهم أمر محير، واستغرب حقيقة للطريقة التى يفكر بها بعض المسؤولين، ففى الوقت الذى تضيع فيه أرواح المواطنين وباللآلاف سنويا بسبب ضيق طرق المرور السريع، يخرج إلينا بعضهم بمقترح غريب وهو بناء قصر جمهورى جديد يكلف أضعاف أضعاف ما تحتاجه ميزانيات توسعة الطرق، والسؤال الذى يفرض نفسه فى هذا المقام، هو أيهما أولى، توسعة طرق المرور السريع حتى نحافظ على حياة المواطنين؟ أم بناء قصر جمهورى؟