أُصيبت سيدة قبل بضعة أيام بوعكة صحية حادة تطلبت نقلها بالإسعاف من المنزل إلى أقرب مستشفى خاص. قام المستشفى بإجراء الفحوصات اللازمة التي أوضحت أن المريضة تعاني من حالة صحية حرجة يتوجب معها إدخالها إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات الحكومية. لجأ أهل المريضة إلى مستشفى أمدرمان فأبلغوهم بأن وحدة العناية المكثفة بها كاملة العدد ولا تحتمل مريضاً إضافياً، كذلك كان الحال مع مستشفى الخرطوم ومستشفى الشعب ولم يبق هناك خيار سوى المستشفى الجنوبي (الخاص جداً) والذي قبل المريضة بعد تمنع ووساطة ، على أن يودع أهل المريضة مبلغ ثلاثة ملايين جنيه نقداً تحت الحساب، مع إفهامهم أن كلفة السرير بغرفة العناية الموحدة هي ثلاثة أرباع المليون في اليوم الواحد زائداً كلفة زيارة الطبيب التي لا تقل عن 150 ألف جنيه في الزيارة الواحدة إلى جانب بقية (الإكسسوار) العلاجي في الفاتورة والتي ربما تتجاوز المليون جنيه لليوم الواحد! ولم يكن هناك مفر سوى الإذعان لرياح الخصخصة التي إجتاحت المستشفى الجنوبي وأحالته إلى (بزنس) إستثماري في حين أن هذا المبنى وكل طوبة فيه تعود ملكيتها إلى الدولة التي بنته من عرق وكد دافع الضرائب السوداني منذ ما قبل الإستقلال. لا يملك المرء سوى أن يتحسر على أيامٍ كان فيها هذا المستشفى بنظافته (الإنجليزية) المعهودة وبكفاءته العلاجية متاحاً لمعظم ابناء هذا الشعب بكلفة مناسبة ومعقولة لا تستعصى على أحد! هذه واحدة في شأن (خصخصة الصحة والعافية) والتي إجتاحت عدواها معظم مرافق وزارة الصحة، أما الثانية فهي التوجه نحو خصخصة الإمدادات الطبية والتي أُريق كثير من المداد في شأنها عبر الصحف فى الفترة الماضية ، إذ علقت عيناى مصادفةً بعدد قديم من أعداد الصحافة كتب فيه صديق حماد الأنصاري يقول (في ظل وجود مخازن مركزية للإمدادات الطبية فإن الدواء اليوم سلعة نادرة صعب الحصول عليها، فما بالكم إذا أضحت الهيئة العامة للإمدادات الطبية شركة خاصة لأفراد تتحكم على كيفها في الإدارة وفي السعر وفق إحتياجات سعر السوق الجاري والعملات الأجنبية طلوعاً ونزولاً؟!) نأمل جدياً أن يعاد النظر في هذا التوجه نحو الخصخصة خصوصاً في مرافق وزارة الصحة، فالناس الغلابة قد أُضطروا لإختزال فاتورة العيادات الخاصة وصاروا (أطباء أنفسهم) أو قل ( أطباء بلا حدود )، يشخصون أمراضهم بنفسهم ويكتبون الروشتات لأنفسهم وفق ما تسمح به جيوبهم الخاوية، والآن باتت الخصخصة شبحاً يمكن أن يصادر حتى جرعة الدواء هذه من أفواههم وأبدانهم!